الموسوعة العاترية للبحوث
يا باحثا عن سر ما ترقى به الامم .. و مفتشا عمّا به يتحقق الحلم
السر في عزماتنا نحن الشباب ولا تخبو العزائم عندما تعلو بها الهمم
•••••
نحن المشاعل في طريق المجد تسبقنا انوارنا ولوهجها تتقهطر الظلم
نحن النجوم لوامع والليل يعرفنا .. والكون يعجب من تألقنا ويبتسم
•••••
في الروح اصرار و في اعماقنا امل .. لا يعتري خطواتنا يأس و لا سأم
و اذا الحياة مصاعب سنخوضها جلدا .. و اذا الجبال طريقها فطموحنا القمم
•••••
طاقاتنا قد وجهت للخير و انصهرت .. اطيافنا في وحدة والشمل ملتئم
في ظل حبكِ يا جدة تآلفت زمر .. ولصنع مجدكِ يا جدة تحالفت همم
•••••
الموسوعة العاترية للبحوث
يا باحثا عن سر ما ترقى به الامم .. و مفتشا عمّا به يتحقق الحلم
السر في عزماتنا نحن الشباب ولا تخبو العزائم عندما تعلو بها الهمم
•••••
نحن المشاعل في طريق المجد تسبقنا انوارنا ولوهجها تتقهطر الظلم
نحن النجوم لوامع والليل يعرفنا .. والكون يعجب من تألقنا ويبتسم
•••••
في الروح اصرار و في اعماقنا امل .. لا يعتري خطواتنا يأس و لا سأم
و اذا الحياة مصاعب سنخوضها جلدا .. و اذا الجبال طريقها فطموحنا القمم
•••••
طاقاتنا قد وجهت للخير و انصهرت .. اطيافنا في وحدة والشمل ملتئم
في ظل حبكِ يا جدة تآلفت زمر .. ولصنع مجدكِ يا جدة تحالفت همم
•••••
الموسوعة العاترية للبحوث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة العاترية للبحوث

موسوعة تشمل كم هائل من البحوث مرتبة أبجديا
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Empty
مُساهمةموضوع: أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار   أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 10:42 am

أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار


الأزرقي


من أقدم
المصادر المعتبرة عن
مكة وأشهرها. وهو كتاب خطط وجغرافية أكثر منه كتاب تاريخ. تتبع فيه
الأزرقي معاهد
مكة المكرمة وما فيها من آثار وأماكن، وألمََّ بمجمل تاريخها
وجغرافيتها
. يرجح أنه فرغ من تأليفه سنة (244هـ). ولمكانته
المرموقة وعلو شهرته قام عبد الملك
بن أحمد الأرمانتي (ت722) بنظمه في أرجوزة، ذكرها ابن حجر في
(الدرر الكامنة
)
والأدفوي في (الطالع السعيد). وكان الكتاب في أصله صغيراً فأضاف
إليه رواة الأزرقي
أخباراً كثيرة، حتى أصبح بحجمه الحالي، وفي هذه الأخبار ما يصل إلى
عام (310هـ) مع
أن في الكتاب مشاهدات للمؤلف تعود إلى سنة (126هـ) مما اضطر
الباحثين إلى القول أن
المؤلف الحقيقي للكتاب هو جده أبو الوليد الذي كان من أصحاب الإمام
الشافعي، ثم قام
هو بترتيب أوراق جده وزاد عليها، فنسب الكتاب إليه.


بسم الله الرحمن الرحيم


الجزء الأول


بسم الله الرحمن الرحيم


وصلى الله على سيد الامة محمد نبي الرحمة وآله وصحبه


ذكر ما كانت الكعبة الشريفة عليه
فوق الماء



قبل أن يخلق الله السموات والأرض وما جاء في ذلك


أخبرني والدي الفقيه الامام المحدث صدر الدين بقية المشايخ
أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي الميانشي رحمة الله عليه قال حدثنا
القاضي الامام أبو المظفر محمد بن علي بن الحسين الشيباني الطبري عن جده الشيخ
الامام الحسين عن الشيخ أبي الحسن علي بن خلف الشامي عن أبي القاسم خلف بن هبة
الله الشامي عن أبي محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فراس عن أبي الحسن محمد بن
نافع الخزاعي عن أبي محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعي عن أبي الوليد
محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد ابن الوليد بن عقبة بن الأزرق بن عمرو بن الحارث
بن أبي شمر الغساني الأزرقي قال حدثنا جدي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي قال
حدثنا سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب قال قال كعب الأحبار: كانت
الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله عز وجل السموات والأرض بأربعين سنة ومنها
دحيت الأرض، قال حدثنا أبو الوليد قال حدثني مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا أبو
أيوب البصري عن هشام عن حميد قال سمعت مجاهداً يقول خلق الله عز وجل هذا البيت قبل
أن يخلق شيئاً من الأرضين؛ قال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا جدي عن سعيد بن سلام عن
طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس انه قال لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق
الله السموات والأرض بعث الله تعالى ريحاً هفافة فصفقت الماء فأبرزت عن خشفة في
موضع هذا البيت كانها قبة فدحا الله الأرضين من تحتها فمادت ثم مادت فأوتدها الله
تعالى بالجبال فكان أول جبل وضع فيها أبو قبيس فلذلك سميت مكة أم القرى، قال
وحدثني يحيى بن سعيد عن محمد بن عمر بن إبراهيم الجبيري عن عثمان بن عبد الرحمن عن
هشام عن مجاهد قال: لقد خلق الله عز وجل موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئاً من
الأرض بألفي سنة وان قواعده لفي الأرض السابعة السفلى.



ذكر بناء الملائكة الكعبة قبل خلق
آدم ومبتدأ الطواف كيف كان




حدثنا أبو الوليد قال حدثني علي بن هارون بن مسلم العجلي عن أبيه قال حدثنا القاسم
بن عبد الرحمن الأنصاري قال حدثني محمد بن علي بن الحسين قال كنت مع أبي علي بن
الحسين بمكة فبينما هو يطوف بالبيت وأنا وراءه إذ جاءه رجل شرجع من الرجال يقول
طويل فوضع يده على ظهر أبي فالتفت أبي إليه فقال الرجل: السلام عليك يا ابن بنت
رسول الله اني أريد أن أسألك فسكت أبي وأنا والرجل خلفه حتى فرغ من أسبوعه فدخل
الحجر فقام تحت الميزاب فقمت أنا والرجل خلفه فصلى ركعتي أسبوعه ثم استوى قاعداً
فالتفت إلي فقمت فجلست إلى جنبه فقال يا محمد فأين هذا السائل ? فأومأت إلى الرجل
فجاء فجلس بين يدي أبي فقال له أبي عما تسأل ? قال أسألك عن بدء هذا الطواف بهذا
البيت لم كان وأنى كان وحيث كان وكيف كان ? فقال له أبي نعم من أين أنت ? قال من
أهل الشام قال أين مسكنك ? قال: في بيت المقدس قال: فهل قرأت الكتابين ? يعني
التوراة والانجيل قال الرجل نعم قال أبي يا أخا أهل الشام احفظ ولا تروين عني إلا
حقا أما بدؤ هذا الطواف بهذا البيت فان الله تبارك وتعالى قال للملائكة اني جاعل
في الأرض خليفة فقالت الملائكة أي رب أخليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء
ويتحاسدون، ويتباغضون ويتباغون ? أي رب اجعل ذلك الخليفة منا فنحن لا نفسد فيها،
ولا نسفك الدماء، ولا نتباغض، ولا نتحاسد، ولا نتباغى، ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك،
ونطيعك، ولا نعصيك فقال الله تعالى اني أعلم ما لا تعلمون قال فظنت الملائكة إن ما
قالوا رداً على ربهم عز وجل وانه قد غضب من قولهم فلاذوا بالعرش، ورفعوا رؤوسهم، وأشاروا
بالأصابع يتضرعون، ويبكون اشفاقاً لغضبه وطافوا بالعرش ثلاث ساعات فنظر الله إليهم
فنزلت الرحمة عليهم فوضع الله تعالى تحت العرش بيتاً على أربع أساطين من زبرجد
وغشاهن بياقوتة حمراء وسمي ذلك البيت الضراح ثم قال الله تعالى للملائكة طوفوا
بهذا البيت ودعوا العرش قال فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش وصار أهون عليهم
من العرش وهو البيت المعمور الذي ذكره الله عز وجل يدخله في كل يوم وليلة سبعون
ألف ملك لا يعودون فيه أبداً ثم ان الله سبحانه وتعالى بعث ملائكة فقال لهم أبنوا
لي بيتاً في الأرض بمثاله وقدره فأمر الله سبحانه من في الأرض من خلقه ان يطوفوا
بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور، فقال الرجل صدقت يا بن بنت رسول
الله )ص( هكذا كان.



ذكر زيارة الملائكة البيت الحرام


شرفها الله


حدثنا أبو الوليد قال حدثني مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا
عبد الرزاق قال حدثنا عمر بن بكار عن وهب بن منبه عن ابن عباس ان جبريل عليه
السلام وقف على رسول الله )ص( وعليه عصابة حمراء قد علاها الغبار فقال له رسول
الله )ص(: ما هذا الغبار أرى على عصابتك أيها الروح الامين ? قال: أبي زرت البيت
فازدحمت الملائكة على الركن فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها، وأخبرني جدي
عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال أخبرني عثمان بن يسار قال: بلغني والله أعلم
ان الله تعالى إذا أراد أن يبعث ملكاً من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه
ذلك الملك في الطواف بالبيت فهبط الملك مهلا؛ وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن
عثمان بن ساج عن وهب بن منبه نحو هذا إلا انه قال: ويصلي في البيت ركعتين، وأخبرني
جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال أخبرني عباد بن كثير عن ليث بن معاذ قال:
قال رسول الله )ص(: هذا البيت خامس خمسة عشر بيتاً سبعة منها في السماء إلى العرش
وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى وأعلاها الذي يلي العرش، البيت المعمور لكل بيت
منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض
السفلى ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت. حدثني
أبو الوليد قال وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان عن وهب بن منبه أن ابن عباس
أخبره ان جبريل وقف على رسول الله )ص( وعليه عصابة خضراء قد علاها الغبار فقال
رسول الله )ص(: ما هذا الغبار الذي أرى على عصابتك أيها الروح الأمين ? قال: اني
زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها.



ذكر هبوط آدم إلى الأرض وبنائه الكعبة، وحجه، وطوافه بالبيت


حدثنا أبو الوليد حدثنا جدي قال حدثنا سعيد بن سالم عن طلحة
بن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: لما أهبط الله آدم إلى
الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض وهو مثل الفلك من رعدته قال:
فطأطأ الله عز وجل منه إلى ستين ذراعا، فقال: يا رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة
ولا أحسهم ? قال: خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فابن لي بيتاً فطف به واذكرني حوله كنحو
ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي قال: فأقبل آدم عليه السلام يتخطا فطويت له الأرض
وقبضت له المفاوز فصارت كل مفازة يمر بها خطوة وقبض له ما كان من مخاض ماء أو بحر
فجعل له خطوة ولم تقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى
مكة فبنى البيت الحرام وان جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض فابرز عن أس ثابت
على الأرض السفلى فقذفت فيه الملائكة من الصخر ما لا يطيق حمل الصخرة منها ثلاثون
رجلاً وانه بناه من خمسة اجبل من لبنان، وطور زيتا، وطور سينا والجودي، وحراء حتى
استوى على وجه الأرض، قال ابن عباس: فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف به آدم
عليه السلام حتى بعث الله الطوفان قال: وكان غضباً ورجساً قال: فحيث ما انتهى
الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام قال: ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند قال:
فدرس موضع البيت في الطوفان حتى بعث الله تعالى إبراهيم وإسماعيل فرفعا قواعده
واعلامه وبنته قريش بعد ذلك وهو بحذاء البيت المعمور لو سقط، ما سقط إلا عليه.
حدثنا أبو الوليد حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم
الصنعاني عن عبد الصمد ابن معقل عن وهب بن منبه ان الله تعالى لما تاب على آدم
عليه السلام أمر أن يسير إلى مكة فطوى له الأرض وقبض له المفاوز فصار كل مفازة يمر
بها خطوة وقبض له ما كان فيها من مخاض ماء أو بحر فجعله له خطوة فلم يضع قدمه في
شيء من الأرض إلا صار عمراناً وبركة حتى انتهى إلى مكة، وكان قبل ذلك قد اشتد
بكاؤه وحزنه لما كان فيه من عظم المصيبة حتى ان كانت الملائكة لتحزن لحزنه ولتبكي
لبكائه فعزاه الله تعالى بخيمة من خيام الجنة ووضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل
أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث قناديل من
ذهب من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها الركن وهو يومئذ ياقوتة
بيضاء من ربض الجنة وكان كرسياً لآدم عليه السلام يجلس عليه، فلما صار آدم عليه
بمكة وحرس له تلك الخيمة بالملائكة كانوا يحرسونها ويذودون عنها ساكن الأرض،
وساكنها يومئذ الجن والشياطين فلا ينبغي لهم ان ينظروا إلى شيء من الجنة لأنه من
نظر إلى شيء من الجنة وجبت له، والأرض يومئذ طاهرة نقية لم تنجس، ولم تسفك فيها الدماء،
ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في
السماء يسبحون الله الليل والنهار لا يفترون، وكان وقوفهم على اعلام الحرم صفاً
واحداً مستديرين بالحرم الشريف كله، الحل من خلفهم والحرم كله من أمامهم فلا
يجوزهم جن ولا شيطان ومن أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم، ووضعت اعلامه حيث
كان مقام الملائكة وحرم الله عز وجل على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم عليه
السلام من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت، وإن
آدم عليه السلام كان إذا أراد لقاءها ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها
فلم تزل خيمة آدم عليه السلام مكانها حتى قبض الله آدم ورفعها الله تعالى وبنى بنو
آدم بها من بعده مكانها بيتاً بالطين والحجارة فلم يزل معموراً يعمرونه هم ومن
بعدهم حتى كان زمن نوح عليه السلام فنسفه الغرق وخفى مكانه فلما بعث الله تعالى
إبراهيم خليله عليه السلام طلب الاساس فلما وصل إليه ظلل الله تعالى له مكان البيت
بغمامة فكانت حفاف البيت الأول ثم لم تزل راكدة على حفافة تظل إبراهيم وتهديه مكان
القواعد حتى رفع الله القواعد قامة ثم انكشفت الغمامة فذلك قول الله عز وجل:
"وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت" أي الغمامة التي ركدت على الحفاف
لتهديه مكان القواعد فلم يزل بحمد الله منذ رفعه الله معمورا. قال وهب ابن منبه:
وقرأت في كتاب من الكتب الأولى ذكر فيه أمر الكعبة فوجد فيه أن ليس من ملك من
الملائكة بعثه تعالى إلى الأرض
إلا أمره بزيارة البيت فينقض من عند العرش محرماً ملبياً حتى يستلم الحجر ثم يطوف
سبعاً بالبيت ويركع في جوفه ركعتين ثم يصعد. وحدثني محمد ابن يحيى عن إبراهيم بن
محمد بن أبي يحيى عن عبد الله بن لبيد قال: بلغني أن ابن عباس قال: لما أهبط الله
سبحانه آدم عليه السلام إلى الأرض اهبطه إلى موضع البيت الحرام وهو مثل الفلك من
رعدته ثم أنزل عليه الحجر الأسود يعني الركن وهو يتلألأ من شدة بياضه فأخذه آدم
عليه السلام فضمه إليه أنساً به ثم نزلت عليه العصا فقيل له: تخط يا آدم فتخطا
فإذا هو بأرض الهند والسند فمكث بذلك ما شاء الله ثم استوحش إلى الركن فقيل له:
احجج قال: فحج فلقيته الملائكة فقالوا: بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك
بمئتي عام. وحدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد
بن إسحاق قال: بلغني ان آدم عليه السلام لما اهبط إلى الأرض حزن على ما فاته مما
كان يرى ويسمع في الجنة من عبادة الله فبوأ الله له البيت الحرام وأمره بالسير
إليه فسار إليه لا ينزل منزلاً إلا فجر الله له ماء معينا حتى انتهى إلى مكة فأقام
بها يعبد الله عند ذلك البيت ويطوف به فلم تزل داره حتى قبضه الله بها. حدثني جدي
قال: حدثني سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: بلغني ان عمر ابن الخطاب رضي الله
عنه قال لكعب: يا كعب أخبرني عن البيت الحرام قال كعب: انزله الله تعالى من السماء
ياقوتة مجوفة مع آدم عليه السلام فقال له: يا آدم ان هذا بيتي أنزلته معك يطاف
حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى حوله كما يصلى حول عرشي، ونزلت معه الملائكة فرفعوا
قواعده من حجارة ثم وضع البيت عليه فكان آدم عليه السلام يطوف حوله كما يطاف حول
العرش، ويصلي عنده كما يصلى عند العرش فلما أغرق الله قوم نوح رفعه الله إلى
السماء وبقيت قواعده. حدثني جدي قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ابان
بن أبي عياش قال: بلغنا عن أصحاب النبي )ص( ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل
كعباً ثم نسق مثل الحديث الأول. وحدثني جدي قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن أبي
يحيى عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس رضوان الله
عليه قال: كان آدم عليه السلام أول من أسس البيت وصلى فيه حتى بعث الله الطوفان.
حدثنا مهدي ابن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن ابان
ان البيت أهبط ياقوتة لآدم عليه السلام أو درة واحدة. وحدثني جدي قال: حدثنا سعيد
بن سالم القداح عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه قال: كان البيت الذي بوأه الله
تعالى لآدم عليه السلام يومئذ ياقوتة من يواقيت الجنة، حمراء تلتهب، لها بابان
احدهما شرقي، والآخر غربي وكان فيه قناديل من نور آنيتها ذهب من تبر الجنة وهو
منظوم بنجوم من ياقوت أبيض، والركن يومئذ نجم من نجومه وهو يومئذ ياقوتة بيضاء
حدثنا جدي قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا المغيرة ابن زياد عن
عطاء بن أبي رباح قال: لما بنى ابن الزبير الكعبة أمر العمال ان يبلغوا في الأرض
فبلغوا صخراً أمثال الابل الخلف قال فقالوا: انا قد بلغنا صخراً معمولا امثال الابل
الخلف قال قال: زيدوا فاحفروا، فلما زادوا بلغوا هواء من نار يلقاهم فقال: ما لكم
? قالوا: لسنا نستطيع ان نزيد، رأينا أمراً عظيماً فلا نستطيع. فقال لهم: ابنوا
عليه، قال فسمعت عطاء يقول: يرون ان ذلك الصخر مما بنى آدم عليه السلام وحدثني جدي
عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس عليه
السلام خر آدم ساجداً يبكي فهتف به هاتف فقال: ما يبكيك يا آدم? قال: ابكاني انه
حيل بيني وبين تسبيح ملائكتك وتقديس قدسك، قيل له: يا آدم، قم إلى البيت الحرام،
فخرج إلى مكة فكان حيث يضع قدميه يفجر عيوناً، وعمراناً، ومداين وما بين قدميه
الخراب والمعاطش فبلغني أن آدم عليه السلام تذكر الجنة فبكا، فلو عدل بكاء الخلق
ببكاء آدم حين أخرج من الجنة ما عدله ولو عدل بكاء الخلق وبكاء آدم عليه السلام
ببكاء داود حين أصاب الخطيئة ما عدله حدثني جدي قال: اخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان
بن ساج عن وهب بن منبه أن آدم عليه السلام اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم
المصيبة حتى ان كانت الملائكة لتحزن لحزنه، ولتبكي لبكائه قال: فعزاه
الله بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة وتلك
الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة وفيها ثلاثة قناديل من ذهب من تبر الجنة، فيها
نور يلتهب من نور الجنة، فلما صار آدم عليه السلام إلى مكة وحرس له تلك الخيمة
بالملائكة فكانوا يحرسونه ويذودون عنها سكان الأرض، وسكانها يومئذ الجن،
والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة، لأنه من نظر إلى شيء منها
وجبت له، والأرض يومئذ نقية طاهرة طيبة لم تنجس ولم تسفك فيها الدماء، ولم يعمل
فيها بالخطايا فلذلك جعلها الله يومئذ مستقر الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في
السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون، قال: فلم تزل تلك الخيمة مكانها حتى قبض
الله آدم عليه السلام ثم رفعها إليه حدثني مهدي بن أبي المهدي عن عبد الله بن معاذ
الصنعاني عن معمر عن قتادة في قوله عز وجل "وإذ بوأنا لابراهيم مكان
البيت" قال وضع الله تعالى البيت مع آدم عليه السلام فأهبط الله تعالى آدم
إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكانت
الملائكة تهابه فقبض إلى ستين ذراعاً فحزن آدم عليه السلام إذ فقد أصوات الملائكة
وتسبيحهم. فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال الله تعالى يا آدم اني أهبطت معك بيتاً
يطاف حوله كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه فخرج آدم عليه السلام ومد له في خطو فكان
خطوتان أو بين خطوتين مفازة فلم يزل على ذلك، فأتى آدم عليه السلام البيت فطاف به،
ومن بعده من الانبياء، حدثني محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن عمر بن أبي
معروف عن عبد الله بن أبي زياد أنه قال: لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام من
الجنة قال: يا آدم ابن لي بيتاً بحذاء بيتي الذي في السماء تتعبد فيه أنت وولدك
كما تتعبد ملائكتي حول عرشي. فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة
فقذفت فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض وهبط آدم عليه السلام بياقوتة
حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على الأساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان
زمن الغرق فرفعها الله سبحانه وتعالى.ه بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع
الكعبة قبل أن تكون الكعبة وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة وفيها ثلاثة
قناديل من ذهب من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة، فلما صار آدم عليه
السلام إلى مكة وحرس له تلك الخيمة بالملائكة فكانوا يحرسونه ويذودون عنها سكان
الأرض، وسكانها يومئذ الجن، والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة،
لأنه من نظر إلى شيء منها وجبت له، والأرض يومئذ نقية طاهرة طيبة لم تنجس ولم تسفك
فيها الدماء، ولم يعمل فيها بالخطايا فلذلك جعلها الله يومئذ مستقر الملائكة
وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون، قال: فلم تزل
تلك الخيمة مكانها حتى قبض الله آدم عليه السلام ثم رفعها إليه حدثني مهدي بن أبي
المهدي عن عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن قتادة في قوله عز وجل "وإذ
بوأنا لابراهيم مكان البيت" قال وضع الله تعالى البيت مع آدم عليه السلام
فأهبط الله تعالى آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء
ورجلاه في الأرض، وكانت الملائكة تهابه فقبض إلى ستين ذراعاً فحزن آدم عليه السلام
إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم. فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال الله تعالى يا آدم
اني أهبطت معك بيتاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه فخرج آدم عليه
السلام ومد له في خطو فكان خطوتان أو بين خطوتين مفازة فلم يزل على ذلك، فأتى آدم
عليه السلام البيت فطاف به، ومن بعده من الانبياء، حدثني محمد بن يحيى عن عبد
العزيز بن عمران عن عمر بن أبي معروف عن عبد الله بن أبي زياد أنه قال: لما أهبط
الله تعالى آدم عليه السلام من الجنة قال: يا آدم ابن لي بيتاً بحذاء بيتي الذي في
السماء تتعبد فيه أنت وولدك كما تتعبد ملائكتي حول عرشي. فهبطت عليه الملائكة فحفر
حتى بلغ الأرض السابعة فقذفت فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض وهبط آدم
عليه السلام بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على الأساس فلم تزل
الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله سبحانه وتعالى.



ما جاء في حج آدم


عليه السلام ودعائه لذريته


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان
بن ساج قال: حدثت ان آدم عليه السلام خرج حتى قدم مكة فبنى البيت، فلما فرغ من
بنائه قال: أي رب ان لكل أجير أجراً وإن لي أجراً، قال: نعم ! فاسألني قال: أي رب
تردني من حيث أخرجتني، قال: نعم ! ذلك لك قال: أي رب ومن خرج إلى هذا البيت من
ذريتي يقر على نفسه بمثل الذي قررت به من ذنوبي أن تغفر له قال نعم ! ذلك لك،
حدثنا أبو الوليد قال حدثنا محمد بن يحيى عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن أبي المليح
انه قال: كان أبو هريرة يقول: حج آدم عليه السلام فقضى المناسك فلما حج قال: يا رب
ان لكل عامل أجراً قال الله تعالى: أما أنت يا آدم فقد غفرت لك وأما ذريتك فمن جاء
منهم هذا البيت فباء بذنبه غفرت له، فحج آدم عليه السلام فاستقبلته الملائكة
بالردم فقالت: بر حجك يا آدم قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال: فما كنتم
تقولون حوله ? قالوا: كنا نقول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر، قال: فكان آدم عليه السلام إذا طاف بالبيت يقول هؤلاء الكلمات وكان طواف آدم
عليه السلام سبعة أسابيع بالليل وخمسة أسابيع بالنهار، قال نافع: كان ابن عمر رحمه
الله يفعل ذلك، حدثني محمد بن يحيى قال حدثني هشام بن سليمان المخزومي عن عبد الله
بن أبي سليمان مولى بني مخزوم انه قال: طاف آدم عليه السلام سبعاً بالبيت حين نزل،
ثم صلى تجاه باب الكعبة ركعتين، ثم أتى الملتزم فقال: اللهم انك تعلم سريرتي
وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي وما عندي فاغفر لي ذنوبي وتعلم حاجتي
فاعطني سؤلي، اللهم اني أسألك ايماناً يباشر قلبي ويقيناً صادقاً حتى أعلم انه لن
يصيبني إلا ما كتبت لي والرضا بما قضيت علي، قال: فأوحى الله تعالى إليه يا آدم قد
دعوتني بدعوات فاستجبت لك، ولن يدعوني بها أحد من ولدك إلا كشفت غمومه وهمومه
وكففت عليه ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغناء بين عينيه، وتجرت له من وراء
تجارة كل تاجر، وأتته الدنيا وهي راغمة وان كان لا يريدها. قال: فمذ طاف آدم عليه
السلام كانت سنة الطواف.



سنة الطواف


حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال
حدثني موسى بن عبيد عن محمد بن المنكدر قال: كان أول شيء عمله آدم عليه السلام حين
أهبط من السماء طاف بالبيت فلقيته الملائكة فقالوا: بر نسكك يا آدم طفنا بهذا
البيت قبلك بألفي سنة حدثني جدي عن سفيان بن عيينة عن الحرام بن أبي لبيد المدني
قال: حج آدم عليه السلام فلقيته الملائكة فقالوا: يا آدم بر حجك قد حججنا قبلك
بألفي عام، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني سعيد ان آدم
عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشياً، وان الملائكة لقيته بالمازمين فقالوا
بر حجك يا آدم إنا قد حججنا قبلك بألفي عام، حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن طلحة بن
عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: حج آدم عليه
السلام وطاف بالبيت سبعاً فلقيته الملائكة في الطواف فقالوا: بر حجك يا آدم أما
انا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام قال: فما كنتم تقولون في الطواف ? قالوا:
كنا نقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال آدم عليه السلام:
فزيدوا فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله قال: فزادت الملائكة فيها ذلك قال: ثم حج
إبراهيم عليه السلام بعد بنيانه البيت فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه فقال
لهم إبراهيم: ماذا كنتم تقولون في طوافكم ? قالوا: كنا نقول قبل أبيك آدم سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فأعلمناه ذلك فقال آدم عليه السلام:
زيدوا فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقال إبراهيم: زيدوا فيها العلي العظيم
قال: ففعلت الملائكة ذلك.



ذكر وحشة آدم في الأرض


حين نزلها وفضل البيت الحرام والحرم



حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه
انه قال: ان آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها، ولم
ير فيها أحداً غيره فقال: يا رب أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيري ?
قال: اني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي، ويقدس لي، وسأجعل فيها بيوتاً ترفع
لذكري ويسبحني فيها خلقي، وسأبوئك فيها بيتاً أختاره لنفسه، واختصه بكرامتي،
وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمي، فأسميه بيتي، وانطقه بعظمتي، واجوزه بحرماتي،
واجعله أحق بيوت الأرض كلها وأولاها بذكري، وأضعه في البقعة التي اخترت لنفسي،
فاني اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض، وقبل ذلك قد كان بغيتي فهو صفوتي من
البيوت ولست أسكنه وليس ينبغي لي أن أسكن البيوت ولا ينبغي لها أن تسعني، ولكن على
كرسي الكبرياء والجبروت وهو الذي استقل بعزتي، وعليه وضعت عظمتي وجلالي، وهنالك
استقر قراري، ثم هو بعد ضعيف عني لولا قوتي ثم أنا بعد ذلك ملء كل شيء، وفوق كل
شيء، ومع كل شيء، ومحيط بكل شيء، وامام كل شيء، وخلف كل شيء، ليس ينبغي لشيء أن
يعلم علمي، ولا يقدر قدرتي، ولا يبلغ كنه شأني، اجعل ذلك البيت لك ولمن بعدك حرماً
وأمنا، أحرم بحرماته ما فوقه، وما تحته، وما حوله فمن حرمه بحرمتي فقد عظم حرماتي،
ومن أحله فقد أباح حرماتي، ومن أمن أهله فقد استوجب بذلك أماني، ومن أخافهم فقد
اخفرني في ذمتي، ومن عظم شأنه عظم في عيني، ومن تهاون به صغر في عيني ولكل ملك
حيازة ما حواليه، وبطن مكة خيرتي وحيازتي وجيران بيتي وعمارها وزوارهما وفدي
وأضيافي في كنفي وأفنيتي ضامنون علي في ذمتي وجواري فاجعله أول بيت وضع للناس،
وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض يأتونه أفواجاً شعثاً غبراً على كل ضامر يأتين من
كل فج عميق يعجون بالتكبير عجيجاً ويرجون بالتلبية رجيجاً وينتحبون بالبكاء نحيباً
فمن اعتمره لا يريد غيري فقد زارني ووفد إلي ونزل بي ومن نزل بي فحقيق علي أن
أتحفه بكرامتي وحق الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته،
تعمره يا آدم ما كنت حياً ثم تعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء أمة بعد أمة
وقرن بعد قرن ونبي بعد نبي حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك وهو خاتم النبيين فاجعله
من عماره، وسكانه، وحماته، وولاته، وسقاته يكون أميني عليه ما كان حياً فإذا انقلب
إلي وجدني قد ذخرت له من أجره وفضيلته ما يتمكن به للقربة مني والوسيلة إلي وأفضل
المنازل في دار المقام واجعل إسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وثناءه ومكرمته لنبي
من ولدك يكون قبل هذا النبي وهو أبوه يقال له إبراهيم ارفع له قواعده، واقضي على
يديه عمارته، وانيط له سقايته، وأريه حله وحرمه ومواقفه واعلمه مشاعره ومناسكه،
واجعله امة واحدة، قانتاً لي، قائماً بأمري داعياً إلى سبيلي أجتبيه واهديه إلى
صراط مستقيم، أبتليه فيصبر، وأعافيه فيشكر، وينذر لي فيفي، ويعدني فينجز، وأستجيب
له في ولده وذريته من بعده وأشفعه فيهم فاجعلهم أهل ذلك البيت، وولاته، وحماته،
وخدامه، وسدانه وخزانه، وحجابه حتى يبتدعوا ويغيروا. فإذا فعلوا ذلك فانا الله
أقدر القادرين على أن استبدل من أشاء بمن أشاء، اجعل إبراهيم امام أهل ذلك البيت،
وأهل تلك الشريعة يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الأنس والجن يطئون فيها
آثاره، ويتبعون فيها سنته، ويقتدون فيها بهديه، فمن فعل ذلك منهم أوفى نذره،
واستكمل نسكه، ومن لم يفعل ذلك منهم ضيع نسكه، وأخطأ بغيته فمن سأل عني يومئذ في
تلك المواطن أين أنا ? فأنا مع الشعث الغبر الموفين بنذورهم المستكملين مناسكهم
المبتهلين إلى ربهم الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون وليس هذا الخلق، ولا هذا الأمر
الذي قصصت عليك شأنه يا آدم بزايد في ملكي، ولا عظمتي، ولا سلطاني، ولا شيء مما
عندي إلا كما زادت قطرة من رشاش وقعت في سبعة أبحر تمدها من بعدها سبعة أبحر لا
تحصى بل القطرة أزيد في البحر من هذا الأمر في شيء مما عندي ولو لم أخلقه لم ينقص
شيئاً من ملكي ولا عظمتي ولا مما عندي من الغناء والسعة إلا كما نقصت الأرض ذرة
وقعت من جميع ترابها، وجبالها وحصاها، ورمالها، وأشجارها بل الذرة أنقص في الأرض
من هذا الأمر لو لم أخلقه لشيء مما عندي وبعد هذا من هذا مثلاً للعزيز الحكيم،
حدثنا
مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد
الصمد بن معقل عن وهب بن منبه بنحوه.ي بن أبي المهدي قال: حدثنا إسماعيل بن عبد
الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه بنحوه.



ما جاء في البيت المعمور


حدثنا أبو الوليد قال حدثني جدي قال حدثني سعيد بن سالم عن
عثمان ابن ساج عن وهب بن منبه قال أخبرني أبو سعيد عن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي
)ص( في حديث حدث به قال: سمي البيت المعمور لأنه يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ثم
ينزلون إذا أمسوا فيطوفون بالكعبة ثم يسلمون على النبي )ص( ثم ينصرفون فلا تنالهم
النوبة حتى تقوم الساعة. حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن
منبه انه وجد في التوراة بيتاً في السماء بحيال الكعبة فوق قبتها اسمه الضراح وهو
البيت المعمور يرده كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم قال أخبرني ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب مولى ابن
عباس عن ابن عباس قال قال رسول الله )ص(: البيت الذي في السماء يقال له الضراح وهو
مثل بناء هذا البيت الحرام ولو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا
يعودون فيه أبداً.
وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد ابن السايب الكلبي
قال: بلغني والله أعلم ان بيتاً في السماء يقال له الضراح بحيال الكعبة يدخله كل
يوم سبعون ألف ملك من الملائكة ما دخلوه قط قبلها حدثني جدي قال حدثني سفيان بن
عيينة عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل قال: سأل ابن الكواء علياً رضي الله عنه ما
البيت المعمور ? قال: هو الضراح وهو حذاء هذا البيت وهو في السماء السادسة يدخله
كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً.
حدثني أبو محمد قال حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثنا
سفيان بن عيينة بنحوه إلا أنه قال: في السماء السابعة وقال: لا يعودون إليه أبداً
إلى يوم القيمة.
حدثنا أبو الوليد قال حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا عبد الله بن معاذ
الصنعاني قال حدثنا معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: شهدت علياً رضي
الله عنه وهو يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة
إلا حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما منه آية إلا وأنا أعلم أنها بليل
نزلت أم بنهار أم بسهل نزلت أم بجبل فقام ابن الكواء وأنا بينه وبين علي رضي الله
عنه وهو خلفي قال: أفرأيت البيت المعمور ما هو ? قال: ذاك الضراح فوق سبع سموات
تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة.



ما جاء في رفع البيت المعمور


زمن الغرق وما جاء فيه


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال حدثنا سعيد بن سالم عن
ابن جريج عن مجاهد قال: بلغني انه لما خلق الله عز وجل السموات والأرض كان أول شيء
وضعه فيها البيت الحرام وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقي
والآخر غربي فجعله مستقبل البيت المعمور فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو
فيهما إلى يوم القيمة واستودع الله عز وجل الركن أبا قبيس قال وقال ابن عباس: كان
ذهباً فرفع زمان الغرق وهو في السماء وقال ابن جريج قال جويبر: كان بمكة البيت
المعمور فرفع زمان الغرق فهو في السماء حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن
ساج قال: أخبرني أبو سعيد عن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي )ص( في حديث حدث به ان
آدم عليه السلام قال: أي رب اني أعرف شقوتي اني لا أرى شيئاً من نورك يعبد فأنزل
الله عز وجل عليه البيت المعمور على عرض هذا البيت في موضعه من ياقوتة حمراء ولكن
طوله كما بين السماء والأرض وأمره أن يطوف به فاذهب الله عنه الغم الذي كان يجده
قبل ذلك ثم رفع على عهد نوح عليه السلام.



ذكر بناء ولد آدم البيت الحرام


بعد موت آدم عليه السلام



حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه
انه قال: لما رفعت الخيمة التي عزى الله بها آدم من حلية الجنة حين وضعت له بمكة
في موضع البيت ومات آدم عليه السلام فبنى بنو آدم من بعده مكانها بيتاً بالطين
والحجارة فلم يزل معموراً يعمرونه هم ومن بعدهم حتى كان زمن نوح عليه السلام فنسفه
الغرق وغير مكانه حتى بوئ لابراهيم عليه السلام.



ما جاء في طواف سفينة نوح


عليه السلام زمن الغرق بالبيت الحرام


حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا
بشر ابن السرى البصري عن داود بن أبي الفرات الكندي عن علباء بن أحمر اليشكري عن
عكرمة عن ابن عباس قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم وانهم
كانوا أقاموا في السفينة مائة وخمسين يوماً وان الله تعالى وجه السفينة إلى مكة
فدارت بالبيت أربعين يوماً ثم وجهها الله تعالى إلى الجودى قال فاستقرت عليه فبعث
نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع على الجيف وأبطأ عنه فبعث
الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين فعرف نوح ان الماء قد نضب فهبط إلى
أسفل الجودي فابتنى قرية وسماها ثمانين فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على
ثمانين لغة احداها العربية قال: فكان لا يفقه بعضهم عن بعض وكان نوح عليه السلام
يعبر عنهم.



أمر الكعبة بين نوح وإبراهيم عليهما السلام


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن بن جريج
عن مجاهد انه قال كان موضع الكعبة قد خفي ودرس في زمن الغرق فيما بين نوح وإبراهيم
عليهما السلام قال: وكان موضعه أكمة حمراء مدرة لا تعلوها السيول غير ان الناس
يعلمون ان موضع البيت فيما هنالك ولا يثبت موضعه وكان يأتيه المظلوم والمتعوذ من
أقطار الأرض، ويدعو عنده المكروب فقل من دعا هنالك الا استجيب له. وكان الناس
يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله مكانه لابراهيم عليه السلام لما أراد من عمارة
بيته واظهار دينه وشرايعه فلم يزل منذ أهبط الله آدم عليه السلام إلى الأرض معظماً
محرماً بيته تتناسخه الأمم والملل أمة بعد أمة وملة بعد ملة قال: وقد كانت
الملائكة تحجه قبل آدم عليه السلام.



ما ذكر من تخير إبراهيم


عليه السلام موضع البيت الحرام من الأرض


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان
بن ساج قال: بلغني والله أعلم ان إبراهيم خليل الله تعالى عرج به إلى السماء فنظر
إلى الأرض مشارقها ومغاربها فاختار موضع الكعبة فقالت له الملائكة: يا خليل الله
اخترت حرم الله تعالى في الأرض قال: فبناه من حجارة سبعة أجبل قال: ويقولون خمسة
وكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم من تلك الجبال.



باب ما جاء في إسكان إبراهيم إبنه إسماعيل


وأمه هاجر في بدء أمره عند البيت الحرام كيف كان



حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال حدثني سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال
أخبرني محمد بن إسحاق قال حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد ان الله تعالى لما بوأ
لابراهيم مكان البيت خرج إليه من الشام وخرج معه ابنه إسماعيل وأمه هاجر، وإسماعيل
طفل يرضع وحملوا فيما يحدثني على البراق، قال عثمان بن ساج: وحدثنا عن الحسن
البصري انه كان يقول في صفة البراق عن النبي )ص( قال: انه أتاني جبريل بدابة بين
الحمار والبغل، لها جناحان في فخذيها تحفزانها تضع حافرها في منتهى طرفها، قال
عثمان: قال محمد بن إسحاق: ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت ومعالم
الحرم قال: فخرج وخرج معه لا يمر إبراهيم بقرية من القرايا إلا قال: يا جبريل
أبهذا أمرت ? فيقول له جبريل عليه السلام: أمضه حتى قدم مكة وهي إذ ذاك عضاه من
سلم وسمر وبها ناس يقال لهم العماليق خارجاً من مكة فيما حولها، والبيت يومئذ ربوة
حمراء مدرة. فقال إبراهيم لجبريل: أها هنا أمرت أن أضعهما ? قال: نعم ! قال: فعمد
بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشاً ثم
قال: ربنا اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع الآية ثم انصرف إلى الشام وتركهما
عند البيت الحرام. وحدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن كثير
بن المطلب ابن أبي وداعة السهمي عن سعيد بن جبير قال حدثنا عبد الله بن عباس انه
حين كان بين أم إسماعيل بن إبراهيم وبين سارة امرأة إبراهيم ما كان أقبل إبراهيم
عليه السلام بأم إسماعيل، وإسماعيل وهو صغير ترضعه حتى قدم بهما مكة ومع أم
إسماعيل شنة فيها ماء تشرب منها وتدر على ابنها وليس معها زاد؛ يقول سعيد بن جبير:
قال ابن عباس: فعمد بهما إلى دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد يشير لنا بين البير وبين
الصفة يقول فوضعهما تحتها، ثم توجه إبراهيم خارجاً على دابته واتبعت أم إسماعيل
أثره حتى أوفى إبراهيم بكدا يقول ابن عباس: فقالت له أم إسماعيل إلى من تتركها
وابنها ? قال: إلى الله عز وجل قالت: رضيت بالله فرجعت أم إسماعيل تحمل ابنها حتى
قعدت تحت الدوحة فوضعت ابنها إلى جنبها وعلقت شنتها تشرب منها وتدر على ابنها حتى
فني ماء شنتها فانقطع درها فجاع ابنها فاشتد جوعه حتى نظرت إليه أمه يتشحط قال:
فحسبت أم إسماعيل انه يموت فأحزنها، يقول ابن عباس: قالت أم إسماعيل: لو تغيبت عنه
حتى لا أرى موته، يقول ابن عباس: فعمدت أم إسماعيل إلى الصفا حين رأته مشرفاً
تستوضح عليه أي ترى أحداً بالوادي ثم نظرت إلى المروة ثم قالت: لو مشيت بين هذين
الجبلين تعللت حتى يموت الصبي ولا أراه قال ابن عباس: فمشت بينهما أم إسماعيل ثلاث
مرات أو أربع ولا تجيز بطن الوادي في ذلك إلا رملا، يقول ابن عباس: ثم رجعت أم
إسماعيل إلى ابنها فوجدته ينشغ كما تركته فأحزنها فعادت إلى الصفا تتعلل حتى يموت
ولا تراه فمشت بين الصفا والمروة كما مشت أول مرة، يقول ابن عباس: حتى كان مشيها
وبينهما سبع مرات، قال ابن عباس: قال أبو القاسم: )ص( فلذلك طاف الناس بين الصفا
والمروة، قال: فرجعت أم إسماعيل تطالع ابنها فوجدته كما تركته ينشغ فسمعت صوتاً قد
آب عليها ولم يكن معها أحد غيرها فقالت: قد أسمع صوتك فأغثني ان كان عندك خير قال:
فخرج لها جبريل عليه السلام فاتبعته حتى ضرب برجله مكان البئر يعني زمزم فظهر ماء
فوق الأرض حيث فحص جبريل، يقول ابن عباس قال أبو القاسم: )ص( فحاضته أم إسماعيل
بتراب ترده خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بشنتها فاستقت وشربت ودرت على ابنها.

حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال
بلغني ان ملكاً أتى هاجر أم إسماعيل حين أنزلها إبراهيم بمكة قبل أن يرفع إبراهيم
وإسماعيل القواعد من البيت فأشار لها إلى البيت وهو ربوة حمراء مدرة فقال لها: هذا
أول بيت وضع للناس في الأرض وهو بيت الله العتيق، واعلمي إن إبراهيم وإسماعيل
يرفعانه للناس، قال ابن جريج: وبلغني ان جبريل عليه السلام حين هزم بعقبة في موضع
زمزم قال لأم إسماعيل. وأشار لها إلى موضع البيت هذا أول بيت وضع للناس، وهو بيت
الله العتيق، واعلمي إن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه للناس ويعمرانه فلا يزال
معموراً، محرماً، مكرماً إلى يوم القيمامة، قال ابن جريج: فماتت أم إسماعيل قبل أن
يرفعه إبراهيم وإسماعيل ودفنت في موضع الحجر.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني علي ابن عبد الله بن
الوازع عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان الملك الذي أخرج زمزم
لهاجر قال لها: وسيأتي أبو هذا الغلام فيبني بيتاً هذا مكانه وأشار لها إلى موضع
البيت ثم انطلق الملك.



ما ذكر من نزول جرهم


مع أم إسماعيل في الحرم

حدثني جدي عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن
كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أخرج الله ماء زمزم لأم
إسماعيل فبينا هي على ذلك إذ مر ركب من جرهم قافلين من الشام في الطريق السفلى
فرأى الركب الطير على الماء فقال بعضهم: ما كان بهذا الوادي من ماء ولا أنيس، يقول
ابن عباس: فأرسلوا جريين لهم حتى أتيا أم إسماعيل فكلماها ثم رجعا إلى ركبهما
فأخبراهم بمكانها، قال: فرجع الركب كلهم حتى حيوها فردت عليهم وقالوا: لمن هذا
الماء ? قالت أم إسماعيل: هو لي قالوا لها: أتأذنين لنا أن ننزل معك عليه ? قالت:
نعم ! يقول ابن عباس: قال أبو القاسم )ص(: القي ذلك أم إسماعيل وقد أحبت الأنس
فنزلوا وبعثوا إلى أهاليهم فقدموا إليهم وسكنوا تحت الدوح، واعترشوا عليها العرش
فكانت معهم هي وابنها، حتى ترعرع الغلام ونفسوا فيه وأعجبهم، وتوفيت أم إسماعيل
وطعامهم الصيد يخرجون من الحرم ويخرج معهم إسماعيل فيصيد، فلما بلغ أنكحوه جارية
منهم، قال: وهي في بنت سعيد بن أسامة، يقول ابن عباس: فأقبل إبراهيم من الشام
يقول: حتى أطالع تركتي فأقبل إبراهيم عليه السلام حتى قدم مكة فوجد امرأة إسماعيل
فسألها عنه فقالت: هو غائب، ولم تلن له في القول فقال لها إبراهيم: قولي لاسماعيل:
قد جاء بعدك شيخ كذا وكذا وهو يقرأ عليك السلام ويقول لك: غير عتبة بيتك فاني لم
أرضها، يقول ابن عباس: وكان إسماعيل عليه السلام كلما جاء سأل أهله هل جاءكم أحد
بعدي ? فلما رجع سأل أهله فقالت امرأته: قد جاء بعدك شيخ فنعتته له فقال لها
إسماعيل: قلت له شيئاً قالت: لا قال: فهل قال لك من شيء ? قالت: نعم ! اقري عليه
السلام وقولي له غير عتبه بيتك فاني لم أرضها لك قال إسماعيل: أنت عتبة بيتي
فارجعي إلى أهلك فردها إسماعيل إلى أهلها فأنكحوه امرأة اخرى، يقول ابن عباس: ثم
لبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ثم رجع إبراهيم فوجد إسماعيل

يتبع..........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Empty
مُساهمةموضوع: تكملة   أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 10:47 am

غايباً ووجد امرأته الاخرى فوقف فسلم فردت عليه السلام
واستنزلته وعرضت عليه الطعام والشراب فقال: ما طعامكم وشرابكم ? قالت: اللحم
والماء قال: هل من حب أو غيره من الطعام ? قالت: لا قال: بارك الله لكم في اللحم
والماء، قال ابن عباس: يقول رسول الله )ص(: لو وجد عندها يومئذ حباً لدعا لهم
بالبركة فيه فكانت أرضاً ذات زرع، ثم ولي إبراهيم عليه السلام وقال: قولي له: قد
جاء بعدك شيخ فقال: اني وجدت عتبة بيتك صالحة فاقررها فرجع إسماعيل عليه السلام
إلى أهله فقال: هل جاءكم بعد أي أحد ? فقالت: نعم ! قد جاء بعدك شيخ كذا وكذا قال:
فهل عهد اليكم من شيء ? قالت: نعم ! يقول: اني وجدت عتبة بيتك صالحة فاقررها.



ما ذكر من بناء إبراهيم الكعبة


عليه السلام



حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن
كثير بن كثير عن سعيد بن جبير قال: حدثنا عبد الله بن عباس قال: لبث إبراهيم ما
شاء الله أن يلبث ثم جاء الثالثة فوجد إسماعيل عليه السلام قاعداً تحت الدوحة التي
بناحية البير يبري نبلاً أو نبالاً له فسلم عليه ونزل إليه فقعد معه فقال إبراهيم:
يا إسماعيل ان الله تعالى قد أمرني بأمر فقال له إسماعيل: فأطع ربك فيما أمرك،
فقال إبراهيم: يا إسماعيل أمرني ربي أن أبني له بيتاً، قال له إسماعيل: وأين ?
يقول ابن عباس: فأشار له إلى أكمة مرتفعة على ما حولها عليها رضراض من حصباء
يأتيها السيل من نواحيها ولا يركبها، يقول ابن عباس: فقاما يحفران عن القواعد
ويحفرانها ويقولان: ربنا تقبل منا انك سميع الدعاء، ربنا تقبل منا انك أنت السميع
العليم ويحمل له إسماعيل الحجارة على رقبته ويبني الشيخ إبراهيم فلما ارتفع البناء
وشق على الشيخ إبراهيم تناوله قرب له إسماعيل هذا الحجر يعني المقام فكان يقوم
عليه ويبني ويحوله في نواحي البيت حتى انتهى إلى وجه البيت، يقول ابن عباس: فلذلك
سمي مقام إبراهيم لقيامه عليه.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن أيوب
السختياني وكثير بن كثير يزيد أحدهما على صاحبه عن سعيد بن جبير في حديث حدث به
طويل عن ابن عباس قال: فجاء إبراهيم وإسماعيل يبري نبلاً له أو نباله تحت الدوحة
قريباً من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بولده والولد بوالده قال
معمر: وسمعت رجلاً يقول: بكيا حتى أجابتهما الطير. قال سعيد: فقال: يا إسماعيل إن
الله عز وجل قد أمرني بأمر قال: فأطع ربك فيما أمرك قال: وتعينني قال: وأعينك قال:
فإن الله تعالى قد أمرني أن أبني له بيتاً ها هنا فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من
البيت. حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم قال أخبرني ابن جريج قال قال مجاهد:
أقبل إبراهيم والسكينة، والصرد والملك من الشام فقالت السكينة: يا إبراهيم ربض على
البيت فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من هذه الملوك ولا أعرابي نافر إلا رأيت عليه
السكينة قال: وقال ابن جريج: أقبلت معه السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان.
وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن ابن جريج قال: قال علي بن أبي
طالب: أقبل إبراهيم عليه السلام والملك والسكينة والصرد دليلاً حتى تبوأ البيت
الحرام كما تبوأت العنكبوت بيتها فحفر فأبرز عن ربض في أسها أمثال خلف الابل لا
يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلاً قال: ثم قال لابراهيم: قم فابن لي بيتاً قال يا رب
وأين ? قال: سنريك قال: فبعث الله تعالى سحابة فيها رأس تكلم، إبراهيم فقال يا
إبراهيم ان ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة فجعل ينظر إليها ويأخذ قدرها فقال له
الرأس أقد فعلت ? قال: نعم ! فارتفعت السحابة فأبرز عن أس ثابت من الأرض فبناه
إبراهيم عليه السلام، قال: وحدثني جدي عن سعيد ابن سالم عن عثمان بن ساج قال:
أخبرني محمد بن أبان عن ابن إسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب عن علي بن أبي طالب في
حديث حدث به عن زمزم قال: ثم نزلت السكينة كأنها غمامة أو ضبابة في وسطها كهيئة
الرأس يتكلم يقول يا إبراهيم خذ قدري من الأرض، لا تزد ولا تنقص، فخط فذلك بكة وما
حواليه مكة.

حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه انه أخبره قال: لما
ابتعث الله تعالى إبراهيم خليله ليبني له البيت طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم
في موضع الخيمة التي عزى الله بها آدم عليه السلام من خيام الجنة حين وضعت له بمكة
في موضع البيت الحرام فلم يزل إبراهيم يحفر حتى وصل إلى القواعد التي أسس بنو آدم
في زمانهم في موضع الخيمة، فلما وصل إليها أظل الله له مكان البيت بغمامة، فكانت
خفاف البيت الأول، ثم لم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى
رفع القواعد قامة ثم انكشطت الغمامة فذلك قوله عز وجل وإذ بوأنا لابراهيم مكان
البيت أي الغمامة التي ركدت على الحفاف ليهتدي بها مكان القواعد فلم يزل والحمد
لله منذ يوم ركعة الله معموراً. حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن
بن عبد الله مولى بني هاشم قال: أخبرنا حماد عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن
علي بن أبي طالب في قوله عز وجل "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً
وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً" قال: انه ليس
بأول بيت. كان نوح في البيوت قبل إبراهيم وكان إبراهيم في البيوت ولكنه أول بيت
وضع للناس فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً. هذه الآيات قال: إن
إبراهيم أمر ببناء البيت فضاق به ذرعاً فلم يدر كيف يبني فأرسل الله تعالى إليه
السكينة وهي ريح خجوج لها رأس حتى تطوقت مثل الحجفة فبنى عليها وكان يبني كل يوم
سافا ومكة يومئذ شديدة الحر، فلما بلغ موضع الحجر قال لاسماعيل: اذهب فالتمس حجراً
أضعه ها هنا ليهدي الناس به، فذهب إسماعيل يطوف في الجبال وجاء جبريل بالحجر
الأسود وجاء إسماعيل فقال من أين لك هذا الحجر ? قال: من عند من لم يتكل على بنائي
وبنائك، ثم انهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته قبيلة من جرهم، ثم انهدم فبنته
قريش. فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تنازعوا فيه فقالوا: أول رجل يدخل علينا من هذا
الباب فهو يضعه، فجاء رسول الله )ص( فأمر بثوب فبسط ثم وضعه فيه ثم قال: ليأخذ من
كل قبيلة رجل من ناحية الثوب. ثم رفعوه ثم أخذه رسول الله )ص( فوضعه، حدثني جدي
قال: حدثني سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني علي بن
أبي طالب كرم الله وجهه قال: أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة تدله حتى تبوأ
البيت كما تبوأت العنكبوت بيتها فرفعوا عن أحجار الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون
رجلاً، حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن
قتادة في قوله عز وجل: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل"
قال: التي كانت قواعد البيت قبل ذلك، قال الخزاعي: وحدثناه أبو عبيد الله باسناد
عن سفيان مثله.
حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم قال:
حدثنا أبو عوانة عن ابن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اما والله ما
بنياه بقصة ولا مدر ولا كان معهما من الأعوان والأموال ما يسقفانه ولكنهما أعلماه
فطافا به.
حدثني جدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن مجاهد عن الشعبي قال: لما أمر إبراهيم أن
يبني وانتهى إلى موضع الحجر قال لاسماعيل: ائتني بحجر ليكون علماً للناس يبتدئون
منه الطواف فأتاه بحجر فلم يرضه فأتى إبراهيم بهذا الحجر، ثم قال: أتاني به من لم
يكلني على حجرك.
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن بشر بن عاصم قال: أقبل
إبراهيم من أرمينية معه السكينة والملك والصرد دليلاً يتبوأ البيت كما تبوأت
العنكبوت بيتها فرفع صخرة فما رفعها عنه إلا ثلاثون رجلاً فقالت السكينة: أبن علي
فلذلك لا يدخله أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة. وحدثني مهدي بن أبي
المهدي قال: حدثنا بشر بن السرى البصري عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال:
قال الله تعالى: يا آدم اني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى
عنده كما يصلى عند عرشي، فلم يزل كذلك حتى كان زمن الطوفان فرفع، حتى بوأ لابراهيم
مكانه فبناه من خمسة أجبل من حرا، وثبير، ولبنان، والطور، والجبل الأحمر.

وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عمر بن سهل عن يزيد بن نافع عن سعيد عن
قتادة في قوله عز وجل: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد" قال: ذكر لنا انه
بناه من خمسة أجبل من طورسينا، وطور زيتا، ولبنان، والجودى، وحرا، وذكر لنا ان
قواعده من حراء.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا العلاء
عن عمر بن مرة عن يوسف بن ماهك قال: قال عبد الله ابن عمرو ان جبريل عليه السلام هو
الذي نزل عليه بالحجر من الجنة، وانه وضعه حيث رأيتم، وانكم لن تزالوا بخير ما دام
بين ظهرانكم، فتمسكوا به ما استطعتم فانه يوشك أن يجيء فيرجع به من حيث جاء به.

حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد ابن إسحاق قال: لما
أمر إبراهيم خليل الله تعالى أن يبني البيت الحرام أقبل من أرمينية على البراق معه
السكينة لها وجه يتكلم، وهي بعد ريح هفافة، ومعه ملك يدله على موضع البيت حتى
انتهى إلى مكة وبها إسماعيل وهو يومئذ ابن عشرين سنة وقد توفيت امه قبل ذلك ودفنت
في موضع الحجر، فقال: يا إسماعيل ان الله تعالى قد أمرني أن أبني له بيتاً، فقال
له إسماعيل: وأين موضعه ? قال: فأشار له الملك إلى موضع البيت قال: فقاما يحفران
عن القواعد ليس معهما غيرهما فبلغ إبراهيم الأساس أساس آدم الأول فحفر عن ربض في
البيت فوجد حجارة عظاماً ما يطيق الحجر منها ثلاثون رجلا، ثم بنى على أساس آدم
الأول وتطوقت السكينة كأنها حية على الأساس الأول، وقالت: يا إبراهيم ابن علي فبنى
عليها فلذلك لا يطوف بالبيت أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة فبنى
البيت وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعاً من
الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه وجعل عرض ما بين الركن
الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعاً، وجعل طول ظهرها من
الركن الغربي إلى الركن اليماني أحد وثلاثين ذراعاً وجعل عرض شقها اليماني من
الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعاً، فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة
الكعب، قال: وكذلك بنيان أساس آدم عليه السلام، وجعل بابها بالأرض غير مبوب حتى
كان تبع اسعد الحميري هو الذي جعل لها باباً، وغلقاً فارسياً، وكساها كسوة تامة،
ونحر عندها. قال: وجعل إبراهيم عليه السلام الحجر إلى جنب البيت عريشاً من أراك
تقتحمه العنز فكان زرباً لغنم إسماعيل، قال: وحفر إبراهيم عليه السلام جباً في بطن
البيت على يمين من دخله يكون خزانة للبيت يلقى فيه ما يهدى للكعبة وهو الجب الذي
نصب عليه عمرو بن لحى، هبل، الصنم الذي كانت قريش تعبده ويستقسم عنده بالأزلام حين
جاء به من هيت من أرض الجزيرة. قال: وكان إبراهيم يبني وينقل له إسماعيل الحجارة
على رقبته فلما ارتفع البنيان قرب له المقام فكان يقوم عليه ويبني ويحوله إسماعيل
في نواحي البيت حتى انتهى إلى موضع الركن الأسود قال إبراهيم لاسماعيل: يا إسماعيل
أبغني حجراً أضعه ها هنا يكون للناس علماً يبتدئون منه الطواف. فذهب إسماعيل يطلب
له حجراً ورجع وقد جاءه جبريل بالحجر الأسود وكان الله عز وجل استودع الركن أبا
قبيس حين غرق الله الأرض زمن نوح، وقال إذا رأيت خليلي يبني بيتي فأخرجه له، قال:
فجاءه إسماعيل فقال له: يا ابه من اين لك هذا ? قال: جاءني به من لم يكلني إلى
حجرك جاء به جبريل، فلما وضع جبريل الحجر في مكانه وبنى عليه إبراهيم وهو حينئذ
يتلألأ تلألؤاً من شدة بياضه فأضاء نوره شرقاً، وغرباً، ويمناً، وشاماً، قال: فكان
نوره يضيء إلى منتهى انصاب الحرم من كل ناحية من نواحي الحرم قال: وانما شدة سواده
لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية، والاسلام. فأما حريقه في الجاهلية،
فانه ذهبت امرأة في زمن قريش تجمر الكعبة فطارت شرارة في استار الكعبة فاحترقت
الكعبة واحترق الركن الأسود، واسود وتوهنت الكعبة، فكان هو الذي هاج قريشاً على
هدمها وبنائها. وأما حريقه في الاسلام ففي عصر ابن الزبير أيام حاصره الحصين بن
نمير الكندي، احترقت الكعبة واحترق الركن فتفلق بثلاث فلق حتى شد شعبه ابن الزبير
بالفضة فسواده لذلك قال: ولولا ما مس الركن من انجاس الجاهلية وارجاسها ما مسه ذو
عاهة الا شفي، قال سعيد بن سالم: قال ابن جريج: وكان ابن الزبير بنى الكعبة من
الذرع على ما بناها إبراهيم عليه السلام قال: وهي مكعبة على خلقة الكعب فلذلك سميت
الكعبة. قال: ولم يكن إبراهيم سقف الكعبة ولا بناها بمدر وانما رضمها رضماً.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: السكينة لها
رأس كرأس الهرة، وجناحان. حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السرى قال:
حدثنا قيس بن الربيع عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن علي بن أبي طالب قال:
السكينة، لها رأس أكرأس الانسان ثم هي بعد ريح هفافة. حدثنا مهدي بن أبي المهدي
قال: حدثنا الفزاري عن جويبر عن الضحاك قال: السكينة الرحمة.
ذكر حج إبراهيم عليه السلام



وأذانه بالحج وحج الأنبياء بعده، وطوافه، وطواف الأنبياء
بعده



حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان
بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: لما فرغ إبراهيم خليلي الرحمن من بناء
البيت الحرام جاءه جبريل فقال: طف به سبعاً فطاف به سبعاً هو وإسماعيل يستلمان
الأركان كلها في كل طواف، فلما اكملا سبعاً هو وإسماعيل صليا خلف المقام ركعتين.
قال: فقام معه جبريل فأراه المناسك كلها الصفا والمروة ومنى ومزدلفة، وعرفة، قال:
فلما دخل منى وهبط من العقبة تمثل له ابليس عند جمرة العقبة، فقال له جبريل: ارمه،
فرماه إبراهيم بسبع حصيات فغاب عنه، ثم برز له عند الجمرة الوسطى فقال له جبريل:
ارمه، فرماه بسبع حصيات فغاب عنه، ثم برز له عند الجمرة السفلى فقال له جبريل:
ارمه، فرماه بسبع حصيات مثل حصى الخذف فغاب عنه ابليس، ثم مضى إبراهيم في حجه
وجبريل يوقفه على المواقف ويعلمه المناسك حتى انتهى إلى عرفة، فلما انتهى إليها
قال له جبريل: أعرفت مناسكك ? قال إبراهيم: نعم ! قال: فسميت عرفات بذلك لقوله
أعرفت مناسكك ? قال: ثم أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج قال: فقال إبراهيم: يا
رب ما يبلغ صوتي ? قال الله سبحانه: اذن وعلي البلاغ، قال: فعلا على المقام فأشرف
به حتى صار أرفع الجبال وأطولها فجمعت له الأرض يومئذ سهلها وجبلها وبرها وبحرها
وانسها وجنها حتى أسمعهم جميعاً قال: فأدخل اصبعيه في اذنيه وأقبل بوجهه يمناً
وشاماً وشرقاً وغرباً وبدأ بشق اليمن فقال: أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت
العتيق فأجيبوا ربكم، فأجابوه من تحت التخوم السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى
منقطع التراب من أقطار الأرض كلها، لبيك اللهم لبيك قال: وكانت الحجارة على ما هي
عليه اليوم إلا أن الله عز وجل أراد أن يجعل المقام آية فكان أثر قدميه في المقام
إلى اليوم قال: أفلا تراهم اليوم يقولون ? لبيك اللهم لبيك قال: فكل من حج إلى
اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم وانما حجهم على قدر اجابتهم يومئذ فمن حج حجتين فقد
كان أجاب مرتين، أو ثلاثاً فثلاثاً على هذا قال: وأثر قدمي إبراهيم في المقام آية
وذلك قوله تعالى: "فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً"
وقال ابن إسحاق: وبلغني أن آدم عليه السلام كان استلم الأركان كلها قبل إبراهيم
وحجه إسحاق وسارة من الشام، قال: وكان إبراهيم عليه السلام يحجه كل سنة على البراق،
قال: وحجت بعد ذلك الأنبياء والأمم، وحدثني جدي قال حدثنا ابن عيينة عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد قال حج إبراهيم وإسماعيل ماشيين، قال: أبو محمد عبيد الله المخزومي
حدثنا ابن عيينة باسناده مثله.
حدثنا الأرزقي قال: وحدثني جدي قال حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خيثم قال: سمعت عبد
الرحمن بن سابط يقول: سمعت عبد الله بن ضمرة السلولي يقول: ما بين الركن إلى
المقام إلى زمزم قبر تسعة وتسعين نبياً جاءوا حجاجاً فقبروا هنالك.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم عن
حماد بن سلمة عن عطاء بن السايب عن محمد بن سابط عن النبي )ص( قال: كان النبي من
الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النبي ومن معه حتى يموت فيها، فمات
بها نوح، وهود، وصالح وشعيب، وقبورهم بين زمزم والحجر، وحدثني جدي قال: حدثنا سعيد
بن سالم عن عثمان بن ساج عن خصيف عن مجاهد انه قال: حج موسى النبي على جمل أحمر
فمر بالروحاء عليه عباءتان قطوانيتان متزر باحداهما مرتدمي بالاخرى فطاف بالبيت،
ثم طاف بين الصفا والمروة فبينا هو بين الصفا والمروة إذ سمع صوتاً من السماء وهو
يقول: لبيك عبدي أنا معك، فخر موسى ساجداً.
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن خصيف عن مجاهد انه قال: حج
خمسة وسبعون نبياً كلهم قد طاف بالبيت وصلى في مسجد منى فان استطعت ان لا تفوتك
الصلاة في مسجد منى فافعل، حدثني جدي قال: حدثنا مروان بن معاوية عن الأشعث بن
سوار عن عكرمة عن ابن عباس قال: صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً كلهم مخطمون بالليف
قال مروان بن معاوية: يعني رواحلهم. حدثني جدي قال حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن
ساج قال: أخبرنا خصيف بن عبد الرحمن عن مجاهد انه حدثه قال: لما قال إبراهيم: ربنا
أرنا مناسكنا، أمر أن يرفع القواعد من البيت، ثم أرى الصفا والمروة وقيل هذا من
شعائر الله قال: ثم خرج به جبريل فلما مر بجمرة العقبة إذا بابليس عليها فقال
جبريل: كبر وارمه ثم ارتفع ابليس إلى الجمرة الوسطى فقال له جبريل: كبر وارمه ثم
ارتفع ابليس إلى الجمرة القصوى فقال له جبريل: كبر وارمه، ثم انطلق إلى المشعر
الحرام ثم أتى به عرفة فقال له جبريل: هل عرفت ما أريتك ? ثلاث مرات قال: نعم !
قال: فأذن في الناس بالحج قال: كيف أقول ? قال: قل: يا أيها الناس أجيبوا ربكم
ثلاث مرات قال: فقالوا: لبيك اللهم لبيك قال: فمن أجاب إبراهيم يومئذ فهو حاج قال
خصيف: قال مجاهد: حين حدثني بهذا الحديث أهل القدر لا يصدقون بهذا الحديث.

حدثني جدي قال عثمان: وأخبرني موسى بن عبيدة قال: لما أمر إبراهيم بالأذان في
الناس بالحج استدار بالأرض فدعى في كل وجه يا أيها الناس أجيبوا ربكم وحجوا قال:
فلبى الناس من كل مشرق ومغرب وتطأطأت الجبال حتى بعد صوته، قال عثمان: وأخبرني ابن
جريج قال: قال ابن عباس: رضوان الله عليه يأتوك رجالاً مشاة وعلى كل ضامر يأتين من
كل فج عميق بعيد، قال عطاء: وأرنا مناسكنا، أبرزها لنا وأعلمناها وقال مجاهد: أرنا
مناسكنا، مذابحنا قال: وأخبرني عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: حدثني
بعض أهل العلم ان عبد الله بن الزبير قال: لعبيد بن عمير الليثي كيف بلغك ان
إبراهيم عليه السلام دعا إلى الحج ? قال: بلغني انه لما رفع إبراهيم القواعد
وإسماعيل وانتهى إلى ما أراد الله سبحانه من ذلك وحضر الحج استقبل اليمن فدعا إلى
الله عز وجل وإلى حج بيته فأجيب أن لبيك اللهم لبيك ثم استقبل المشرق فدعا إلى
الله وإلى حج بيته فأجيب ان لبيك لبيك، وإلى المغرب بمثل ذلك، وإلى الشام بمثل ذلك
ثم حج باسماعيل ومن معه من المسلمين، من جرهم وهم سكان الحرم يومئذ مع إسماعيل وهم
أصهاره، وصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء بمنى ثم بات بهم حتى أصبح وصلى بهم
الغداة، ثم غدا بهم إلى نمرة فقام بهم هنالك حتى إذا مالت الشمس جمع بين الظهر
والعصر بعرفة في مسجد إبراهيم ثم راح بهم إلى الموقف من عرفة فوقف بهم وهو الموقف
من عرفة الذي يقف عليه الامام يريه ويعلمه فلما غربت الشمس دفع به وبمن معه حتى أتى
المزدلفة، فجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة ثم بات حتى إذا طلع الفجر صلى
بهم صلاة الغداة، ثم وقف به على قزح من المزدلفة وبمن معه وهو الموقف الذي يقف به
الامام، حتى إذا أسفر غير مشرق دفع به وبمن معه يريه ويعلمه كيف ترمى الجمار، حتى
فرغ له من الحج كله، واذن به في الناس ثم انصرف إبراهيم راجعاً إلى الشام فتوفي
بها صلى الله عليه وسلم وعلى جيمع أنبياء الله والمرسلين، قال عثمان: أخبرني ابن
إسحاق قال: أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام بالحج واقامته للناس، وأراه مناسك
البيت وشرع له فرايضه وكان إبراهيم يومئذ حين أمر بذلك ببيت المقدس من ايليا قال
عثمان: وأخبرني زهير بن محمد قال: لما فرغ إبراهيم من البيت الحرام قال: أي رب اني
قد فعلت فأرنا مناسكنا فبعث الله تعالى إليه جبريل فحج به حتى إذا جاء يوم النحر
عرض له ابليس، فقال: احصب فحصب بسبع حصبات ثم الغد ثم اليوم الثالث فملأ ما بين
الجبلين ثم علا على ثبير، فقال: يا عباد الله أجيبوا ربكم فسمع دعوته من بين
الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من ايمان فقالوا: لبيك اللهم لبيك قال: ولم يزل على
وجه الأرض سبعة من المسلمين فصاعداً لولا ذاك لاهلكت الأرض ومن عليها قال عثمان:
وأخبرني زهير ابن محمد أن أول من أجاب إبراهيم حين أذن بالحج أهل اليمن، وأخبرني
جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني عثمان بن الأسود عن عطاء بن أبي
رباح ان موسى بن عمران طاف بين الصفا والمروة وعليه عباءة قطوانية وهو يقول: لبيك
اللهم لبيك فأجابه ربه عز وجل لبيك يا موسى وها أنا معك.
وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: حدثني غالب ابن عبيد الله قال:
سمعت مجاهداً يذكر عن ابن عباس رضوان الله عليه قال: مر بصفاح الروحاء ستون نبياً،
إبلهم مخطمة بالليف قال عثمان: وأخبرني غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهداً يذكر
عن ابن عباس قال: أقبل موسى نبي الله تعالى يلبي تجاوبه جبال الشام على جمل أحمر
عليه عباءتان قطوانيتان، قال عثمان: وأخبرني ابن إسحاق قال: حدثني من لا أتهم عن
عروة بن الزبير انه قال: بلغني ان البيت وضع لآدم عليه السلام يطوف به ويعبد الله
عنده وان نوحاً قد حجه، وجاءه، وعظمه قبل الغرق فلما أصاب الأرض الغرق حين أهلك
الله قوم نوح أصاب البيت ما أصاب الأرض من الغرق فكانت ربوة حمراء معروف مكانه
فبعث الله عز وجل هوداً إلى عاد فتشاغل بأمر قومه حتى هلك ولم يحجه. ثم بعث الله
تعالى صالحاً عليه السلام إلى ثمود فتشاغل حتى هلك ولم يحجه، ثم بوأه الله عز وجل
لابراهيم فحجه، وعلم مناسكه، ودعا إلى زيارته، ثم لم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم
إلا حجه قال عثمان: وأخبرني ابن إسحاق قال: حدثني من لا اتهم عن سعيد بن المسيب عن
رجل كان من أهل العلم انه كان يقول: كأني انظر إلى موسى بن عمران منهبطاً من هرشا
عليه عباءة قطوانية يلبي بحجة قال عثمان: أخبرني محمد بن إسحاق قال: حدثني من لا
اتهم عن عبد الله بن عباس رضوان الله عليه أنه كان يقول: لقد سلك فج الروحاء سبعون
نبياً حجاجاً عليهم لباس الصوف مخطمي ابلهم بحبال الليف، ولقد صلى في مسجد الخيف
سبعون نبياً.
حدثني جدي قال: قال عثمان بن ساج: أخبرني محمد بن إسحاق قال: حدثني طلحة بن عبد
الله بن كريز الخزاعي أن موسى عليه السلام حين حج طاف بالبيت فلما خرج إلى الصفا
لقيه جبريل عليه السلام فقال: يا صفي الله انه الشد إذا هبطت بطن الوادي فاحتزم موسى
نبي الله على وسطه بثوبه فلما انحدر عن الصفا وبلغ بطن الوادي سعى وهو يقول: لبيك
اللهم لبيك قال: يقول الله تعالى: لبيك يا موسى ها أنذا معك، قال عثمان: وأخبرني
صادق انه بلغه ان رسول الله )ص( قال: لقد مر بفج الروحاء أو قال: لقد مر بهذا الفج
سبعون نبياً على نوق حمر خطمها الليف، ولبوسهم العباء، وتلبيتهم شتى، منهم يونس بن
متى فكان يونس يقول: لبيك فراج الكرب لبيك، وكان موسى يقول: لبيك أنا عبدك لبيك
لبيك، قال: وتلبية عيسى لبيك أنا عبدك، ابن أمتك، بنت عبديك لبيك، قال: عثمان
وأخبرني مقاتل قال: في المسجد الحرام بين زمزم والركن قبر سبعين نبياً منهم هود،
وصالح، وإسماعيل، وقبر آدم، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف في بيت المقدس.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه قال: خطب صالح الذين
آمنوا معه فقال لهم: ان هذه دار قد سخط الله عليها وعلى أهلها فاظعنوا عنها فانها
ليست لكم بدار قالوا: رأينا لرأيك تبع فمرنا نفعل قال: تلحقون بحرم الله وأمنه لا
أرى لكم دونه، فأهلوا من ساعتهم بالحج ثم احرموا في العباء وارتحلوا قلصا حمرا
مخطمة بحبال الليف ثم انطلقوا آمين البيت الحرام حتى وردوا مكة فلم يزالوا بها حتى
ماتوا فتلك قبورهم في غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني هاشم وكذلك فعل هود ومن
آمن معه وشعيب ومن آمن معه.
وحدثني جدي عن رجل من أهل العلم قال حدثني محمد بن مسلم الرازي عن جرير بن عبد
الحميد الرازي عن الفضل بن عطية عن عطاء ابن السايب أن إبراهيم عليه السلام رأى
رجلاً يطوف بالبيت فأنكره فسأله ممن أنت ? فقال: من أصحاب ذي القرنين قال: وأين هو
? قال: هو ذا بالأبطح فتلقاه إبراهيم فاعتنقه فقيل لذي القرنين: لم لا تركب ? قال:
ما كنت لأركب وهذا يمشي فحج ماشياً.



قوله عز وجل إن أول بيت وضع للناس


وما جاء في ذلك



حدثنا أبو محمد قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن
ساج قال: أخبرني ابن جريج قال: بلغنا ان اليهود قالت: بيت المقدس أعظم من الكعبة
لأنه مهاجر الأنبياء ولأنه في الأرض المقدسة، وقال المسلمون: الكعبة أعظم فبلغ ذلك
النبي )ص( فنزل إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً حتى بلغ فيه آيات بينات
مقام إبراهيم وليس ذلك في بيت المقدس، ومن دخله كان آمناً أوليس ذلك في بيت المقدس
قال عثمان: وأخبرني خصيف قال: أول بيت وضع للناس قال: أول مسجد وضع للناس، وقال
مجاهد: أول بيت وضع للناس مثل قوله كنتم خير أمة أخرجت للناس، قال عثمان: وأخبرني
محمد بن ابان عن زيد بن أسلم انه قرأ إن أول بيت وضع للناس حتى بلغ فيه آيات بينات
مقام إبراهيم قال: الآيات البينات هي مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على
الناس حج البيت، وقال: يأتين من كل فج عميق، وقال عثمان: وأخبرني محمد بن إسحاق ان
قول الله عز وجل: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة أي مسجد مباركاً وهدى للعالمين
وقال: لتنذر أم القرى ومن حولها، قال عثمان: وأخبرني يحيى ابن أبي أنيسة في قول
الله عز وجل: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً قال: كان موضع الكعبة قد
سماه الله عز وجل بيتاً قبل أن تكون الكعبة في الأرض وقد بني قبله بيت ولكن الله
سماه بيتاً، وجعله الله مباركاً وهدى للعالمين قبلة لهم.



ما جاء في مسألة إبراهيم


خليل الله الأمن والرزق لأهل مكة شرفها الله تعالى والكتب
التي وجد فيها تعظيم الحرم



حدثنا أبو الوليد قال: وأخبرني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم
عن عثمان بن ساج قال: أخبرني موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي قال: دعا
إبراهيم عليه السلام للمؤمنين وترك الكفار لم يدع لهم بشيء فقال الله تعالى: ومن
كفر فامتعه قليلاً ثم اضطره إلى عذاب النار، وقال زيد بن أسلم: سأل إبراهيم عليه
السلام ذلك لمن آمن به ثم مصير الكافر إلى النار، قال عثمان: وأخبرني محمد بن
السايب الكلبي قال: قال: إبراهيم )ص( رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من
الثمرات من آمن منهم بالله واليم الآخر فاستجاب الله عز وجل له فجعله بلداً آمناً،
وآمن فيه الخايف ورزق أهله من الثمرات، تحمل اليهم من الأفق، قال عثمان: وقال
مقاتل بن حيان: انما اختص إبراهيم في مسألته في الرزق للذين آمنوا فقال تعالى:
الذين كفروا سأرزقهم مع الذين آمنوا ولكني امتعهم قليلاً في الدنيا ثم اضطرهم إلى
عذاب النار وبئس المصير، قال عثمان: وقال مجاهد: جعل الله هذا البلد آمناً لا يخاف
فيه من دخله.
وحدثني جدي قال حدثني إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: حدثني سعيد بن السايب بن
يسار قال: سمعت بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم وغيره يذكرون انهم سمعوا انه لما دعا
إبراهيم لمكة أن يرزق أهله من الثمرات نقل الله عز وجل أرض الطايف من الشام فوضعها
هنالك رزقاً للحرم.
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن النبي )ص( قال: لما
وضع الله الحرم نقل إليه الطايف من الشام حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا
يحيى بن سليم قال: سمعت عبد الرحمن ابن نافع بن جبير بن مطعم يقول: سمعت الزهري
يقول: ان الله عز وجل نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطايف لدعوة إبراهيم خليل
الله قوله وأرزق أهله من الثمرات.
حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن كثير بن كثير عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال: جاء إبراهيم يطالع إسماعيل عليهما السلام فوجده غايباً ووجد
امرأته الاخرة، وهي السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، فوقف فسلم، فردت عليه السلام
واستنزلته وعرضت عليه الطعام والشراب فقال: ما طعامكم وشرابكم ? قالت: اللحم
والماء، قال: هل من حب أو غيره من الطعام ? قالت: لا قال: بارك الله لكم في اللحم
والماء، قال ابن عباس رضوان الله عليه: يقول رسول الله )ص(: لو وجد عندها يومئذ
حباً لدعا لهم بالبركة فيه، فكانت تكون أرضاً ذات زرع.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير مثله وزاد فيه قال
سعيد بن جبير ولا يخلى أحد على اللحم والماء بغير مكة إلا وجع بطنه وان أخلى
عليهما بمكة لم يجد كذلك أذى، قال سعيد بن سالم: فلا أدري عن ابن عباس يحدث بذلك
سعيد بن جبير أم لا يعني قوله ولا يخلى أحد على اللحم والماء بغير مكة إلا وجع
بطنه.
حدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي حسين عن ابن
عباس رضوان الله عليهما قال: وجد في المقام كتاب هذا بيت الله الحرام بمكة، توكل
الله برزق أهله من ثلاثة سبل، مبارك لأهله في اللحم والماء واللبن، لا يحله أول من
أهله ووجد في حجر في الحجر كتاب من خلقة الحجر أنا الله ذو بكة الحرام، وضعتها يوم
صنعت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى تزول أخشباها مبارك
لأهلها في اللحم والماء.
وحدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا رشيد بن أبي كريب عن أبيه عن
ابن عباس رضوان الله عليه قال: لما هدموا الكعبة البيت وبلغوا أساس إبراهيم وجدوا
في حجر من الأساس كتاباً فدعوا له رجلاً من أهل اليمن، وآخر من الرهبان، فإذا فيه
أنا الله ذو بكة حرمتها يوم خلقت السموات والأرض والشمس والقمر ويوم صنعت هذين
الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حنفاء.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: وأخبرني ابن جريج قال: أخبرنا
مجاهد قال: إن في حجر في الحجر أنا الله ذو بكة صغتها يوم صغت الشمس والقمر
وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، مبارك لأهلها في اللحم والماء، يحلها أهلها، ولا يحلها
أول من أهلها وقال: لا تزول حتى تزول الأخشبان، قال أبو محمد الخزاعي: الأخشبان
يعني الجبلين، قال: وأخبرني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال: أخبرني
خصيف بن عبد الرحمن عن مجاهد قال: وجد في بعض الزبور أنا الله ذو بكة جعلتها بين
هذين الجبلين وصغتها يوم صغت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء وجعلت رزق
أهلها من ثلاثة سبل فليس يؤتى أهل مكة إلا من ثلاث طرق من أعلى الوادي وأسفله،
وكذا، وباركت لأهلها في اللحم والماء.
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان قال: أخبرني محمد ابن إسحاق قال:
حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد أنه حدثه أنهم وجدوا في
بئر الكعبة في نقضها كتابين من صفر مثل بيض النعام مكتوب في إحداهما هذا بيت الله
الحرام رزق الله أهله العبادة لا يحله أول من أهله والآخر براءة لبني فلان حي من
العرب من حجة لله حجوها.
قال: حدثني جدي قال: قال عثمان: أخبرني ابن إسحاق أن قريشاً وجدت في الركن كتاباً
بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من اليهود قال: فإذا هو أنا الله ذو
بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصورت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء
لا تزول حتى تزول أخشاها مبارك لأهلها في الماء واللبن حدثني جدي قال: قال عثمان:
أخبرني محمد بن إسحاق قال: زعم ليث بن أبي سليم أنهم وجدوا حجراً في الكعبة قبل
مبعث النبي )ص( بأربعين حجة وذلك عام الفيل ان كان ما ذكر لي حقاً. من يزرع خيراً
يحصد غبطة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة تعملون السيئات، وتجزون الحسنات أجل كما لا
يجتنى من الشوك العنب.



ذكر ولاية بني إسماعيل بن إبراهيم


عليهما السلام الكعبة بعده، وأمر جرهم



حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا مهدي بن أبي المهدي حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني
عن معمر عن قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لقريش: إنه كان ولاة هذا
البيت قبلكم طسم فاستخفوا بحقه، واستحلوا حرمته فأهلكهم الله، ثم وليته بعدهم جرهم
فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله فلا تهاونوا به وعظموا حرمته. حدثني
جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق قال: ولد
لاسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام إثني عشر رجلاً وأمهم السيدة بنت مضاض بن عمرو
الجرهمي فولدت له اثني عشر رجلاً نابت ابن إسماعيل، وقيدار بن إسماعيل، وواصل بن
إسماعيل، ومياس ابن إسماعيل، وآزر وطيما بن إسماعيل ويطور بن إسماعيل، ونبش بن
إسماعيل، وقيدما بن إسماعيل وكان عمر إسماعيل فيما يذكرون ثلاثين وماية سنة فمن
نابت بن إسماعيل، وقيدار ابن إسماعيل نشر الله العرب وكان أكبرهم قيدار ونابت ابنا
إسماعيل ومنهما نشر الله العرب، وكان من حديث جرهم وبني إسماعيل أن إسماعيل لما
توفي دفن مع أمه في الحجر، وزعموا أن فيه دفنت حين ماتت فولي البيت نابت بن
إسماعيل ما شاء الله أن يليه، ثم توفي نابت بن إسماعيل فولي البيت بعده مضاض بن
عمرو الجرهمي وهو جد نابت بن إسماعيل أبو أمه وضم بني نابت بن إسماعيل وبني
إسماعيل إليه فصاروا مع جدهم أبي أمهم مضاض ابن عمرو ومع أخوالهم من جرهم، وجرهم
وقطورا يومئذ أهل مكة وعلى جرهم مضاض بن عمرو ملكاً عليهم، وعلى قطورا رجل منهم
يقال له السميدع ملكاً عليهم وكانا حين ظعنا من اليمن أقبلا سيارة، وكانوا إذا
خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم فلما نزلا مكة رأيا بلداً طيباً
وإذا ماء وشجر فأعجبهما فنزلا به فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم أعلى مكة
وقعيقعان، فحاز ذلك، ونزل السميدع أجيادين وأسفل مكة فما حاز ذلك، وكان مضاض بن
عمرو يعشر من دخل مكة من أعلاها، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ومن كدى
وكل في قومه على حياله لا يدخل واحد منهما على صاحبه في ملكه، ثم ان جرهما وقطورا
بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها واقتتلوا بها حتى نشبت الحرب أو شبت الحرب
بينهم على الملك وولاة الأمر بمكة مع مضاض بن عمرو بنو نابت بن إسماعيل، وبنو
إسماعيل وإليه ولاية البيت دون السميدع فلم يزل بينهم البغي حتى سار بعضهم إلى بعض
فخرج مضاض ابن عمرو من قعيقعان في كتيبته سايراً إلى السميدع ومع كتيبته عدتها من
الرماح، والدرق، والسيوف والجعاب تقعقع بذلك معه ويقال ما سميت قعيقعان إلا بذلك
وخرج السميدع بقطورا من أجياد معه الخيل والرجال ويقال ما سمي أجياد، أجياداً إلا
لخروج الخيل الجياد منه مع السميدع حتى التقوا بفاضح فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل
السميدع وفضحت قطورا ويقال ما سمي فاضح فاضحاً إلا بذلك، ثم إن القوم تداعوا للصلح
فساروا حتى نزلوا المطابخ شعباً بأعلى مكة يقال له شعب عبد الله بن عامر بن كريز
بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فاصطلحوا بهذا الشعب واسلموا الأمر إلى ماض بن عمرو
الجرهمي فلما جمع إليه أمر أهل مكة وصار ملكها له دون السميدع نحر للناس وأطعمهم
فأطبخ للناس كلهم فأكلوا فيقال: ما سميت المطابخ، مطابخ إلا بذلك، قال: فكان الذي
كان بين مضاض بن عمرو، والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون فقال مضاض بن عمرو
الجرهمي: هي تلك الحرب يذكر السميدع، وقتله، وبغيه والتماسه ما ليس له.




ونحن قتلنا سيد الـحـي عـنـوة



فأصبح فيها وهو حيران موجـع

وما كان يبغي أن يكون سـواءنـا



بها ملكا حتى أتانا الـسـمـيدع

فذاق وبالا حين حاول ملـكـنـا



وعالج منـا غـصة تـتـجـرع

فنحن عمرنا البيت كـنـا ولاتـه



نحامي عنه من أتانـا ونـدفـع

وما كان يبغي أن يلي ذاك غيرنـا



ولم يك حي قبلنـا ثـم يمـنـع

وكنا ملوكاً في الدهور التي مضت



ورثنا ملوكا لا ترام فـتـوضـع




قال ابن إسحاق: وقد زعم بعض أهل العلم انما سميت المطابخ لما كان تبع نحر بها
وأطعم بها وكانت منزله، قال: ثم نشر الله تعالى بني إسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم
إذ ذاك الحكام بمكة وولاة البيت كانوا كذلك بعد نابت بن إسماعيل فلما ضاقت عليهم
مكة وانتشروا بها انبسطوا في الأرض وابتغوا المعاش والتفسح في الأرض فلا يأتون
قوماً، ولا ينزلون بلداً إلا أظهرهم الله عز وجل عليهم بدينهم فوطئوهم، وغلبوهم
عليها حتى ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق ومن كان ساكناً بلادهم التي كانوا
اصطلحوا عليها من غيرهم وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت لا ينازعهم اياه بنو
إسماعيل لخؤولتهم وقرابتهم واعظام الحرم ان يكون به بغي أو قتال.
حدثني بعض أهل العلم قال: كانت العماليق وهم ولاة الحكم بمكة فضيعوا حرمة البيت
الحرام واستحلوا فيه أموراً عظاماً ونالوا ما لم يكونوا ينالون فقام رجل منهم يقال
له عموق فقال: يا قوم ابقوا على أنفسكم فقد رأيتم وسمعتم من هلك من صدر الأمم
قبلكم قوم هود، وصالح، وشعيب فلا تفعلوا وتواصلوا فلا تستخفوا بحرم الله وموضع
بيته واياكم والظلم والالحاد فيه فانه ما سكنه أحد قط فظلم فيه والحد إلا قطع الله
دابرهم، واستأصل شأفتهم، وبدل أرضها غيرهم حتى لا يبقى لهم باقية فلم يقبلوا ذلك
منه وتمادوا في هلكة أنفسهم، قالوا ثم إن جرهما وقطورا خرجوا سيارة من اليمن
وأجدبت بلادهم عليهم فساروا بذراريهم ونعمهم وأموالهم وقالوا: نطلب مكاناً فيها
مرعى تسمن فيه ماشيتنا وان أعجبنا أقمنا فيه فإن كل بلاد ينزلها أحد ومعه ذريته
وماله فهي وطنه وإلا رجعنا إلى بلدنا فلما قدموا مكة وجدوا فيها ماء طيباً،
وعضاهاً ملتفة من سلم، وسمر ونباتا يسمن مواشيهم وسعة من البلاد ودفأ من البرد في
الشتاء فقالوا: إن هذا الموضع يجمع لنا ما نريد فأقاموا مع العماليق، وكان لا يخرج
من اليمن قوم إلا ولهم ملك يقيم أمرهم وكان ذلك سنة فيهم ولو كانوا نفراً يسيراً
فكان مضاض بن عمرو ملك جرهم والمطاع فيهم وكان السميدع ملك قطورا فنزل مضاض بن
عمرو أعلى مكة وكان يعشر من دخلها من أعلاها وكان حوزهم وجه الكعبة والركن الأسود
والمقام وموضع زمزم مصعداً يميناً وشمالاً وقعيقعان إلى أعلى الوادي، ونزل السميدع
أسفل مكة وأجيادين وكان يعشر من دخل مكة من أسفلها وكان حوزهم المسفلة ظهر الكعبة
والركن اليماني والغربي وأجيادين والثنية إلى الرمضة فبنيا فيها البيوت واتسعا في
المنازل وكثروا على العماليق فنازعتهم العماليق فمنعتهم جرهم وأخرجوهم من الحرم
كله فكانوا في أطرافه لا يدخلونه فقال لهم صاحبهم عموق: ألم أقل لكم لا تستخفوا
بحرمة الحرم فغلبتموني، فجعل مضاض والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد عليهما من
قومهما وكثروا وربلوا وأعجبتهم البلاد وكانوا قوماً عرباً وكان اللسان عربياً،
فكان إبراهيم خليل الله عليه السلام يزور إسماعيل عليه السلام فلما سمع لسانهم
وإعرابهم سمع لهم كلاماً حسناً ورأى قوماً عرباً وكان إسماعيل قد أخذ بلسانهم أمر
إسماعيل أن ينكح فيهم فخطب إلى مضاض ابن عمرو ابنته رعلة فزوجه اياها فولدت له
عشرة ذكور وهي أم البيت وهي زوجته التي غسلت رأس إبراهيم حين وضع رجله على المقام،
قالوا: وتوفي إسماعيل ودفن في الحجر وكانت أمه قد دفنت في الحجر أيضاً وترك ولداً
من رعلة ابنة مضاض بن عمرو الجرهمي فقام مضاض بأمر ولد إسماعيل وكفلهم لأنهم بنو
ابنته فلم يزل أمر جرهم يعظم بمكة ويستفحل حتى ولوا البيت فكانوا ولاته وحجابه
وولاة الأحكام بمكة فجاء سيل فدخل البيت فانهدم فأعادته جرهم على بناء إبراهيم
عليه السلام وكان طوله في السماء تسعة أذرع. وقال بعض أهل العلم كان الذي بنى
البيت لجرهم أبو الجدرة فسمي عمرو الجادر وسموا بنو الجدرة، قال: ثم إن جرهماً
استخفوا بأمر البيت والحرم، وارتكبوا أموراً عظاماً، واحدثوا فيها أحداثاً لم تكن.
فقام مضاض بن عمرو بن الحارث فيهم فقال: يا قوم احذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله قد
رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم فلم يعظموه وتنازعوا بينهم
واختلفوا حتى سلطكم الله عليهم فاخرجتموهم فتفرقوا في البلاد فلا تستخفوا بحق
الحرم وحرمة بيت الله ولا تظلموا من دخله وجاءه معظماً لحرمته أو آخر جاء بايعاً
لسلعته أو مرتغباً في جواركم فانكم إن فعلتم ذلك تخوفت أن تخرجوا منه خروج ذل
وصغار حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز
وأمن والطير يأمن فيه، قال قائل منهم: يقال له مجدع من الذي يخرجنا منه ? ألسنا
أعز العرب وأكثرهم رجالاً وسلاحا ? فقال مضاض ابن عمرو: إذا جاء الأمر بطل ما
تقولون. فلم يقصروا عن شيء مما كانوا يصنعون، وكان للبيت خزانة بئر في بطنه يلقى
فيها الحلي والمتاع الذي يهدى له وهو يومئذ لا سقف له فتواعد له خمسة نفر من جرهم
أن يسرقوا ما فيه فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز
وجل أعلاه أسفله وسقط منكساً فهلك وفر الأربعة الآخرون فعند ذلك مسحت الأركان
الأربعة، ود بلغنا
في الحديث أن إبراهيم خليل الله مسح الأركان الأربعة كلها أيضاً، وبلغنا في الحديث
أن آدم مسح قبل ذلك الأركان الأربعة فلما كان من أمر هؤلاء الذين حاولوا سرقة ما
في خزانة الكعبة ما كان بعث الله حية سوداء الظهر، بيضاء البطن رأسها مثل رأس
الجدي فحرست البيت خمسماية سنة لا يقربه أحد بشيء من معاصي الله إلا أهلكه الله
تعالى، ولا يقدر أحد أن
يتبع..............
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Empty
مُساهمةموضوع: تكملة   أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 10:54 am

العباس فكانت في يده حتى توفي فوليها بعده عبد الله بن
العباس رضي الله تعالى عنه فكان يفعل فيها كفعله دون بني عبد المطلب، وكان محمد بن
الحنفية قد كلم فيها ابن عباس فقال له ابن عباس: ما لك ولها نحن اولى بها منك في
الجاهلية والاسلام، قد كان ابوك تكلم فيها فأقمت البينة وطلحة ابن عبيد الله،
وعامر بن ربيعة، وازهر بن عبد بن عوف، ومخرمة ابن نوفل، ان العباس بن عبد المطلب
كان يليها في الجاهلية بعد عبد المطلب وجدك ابو طالب في ابله في باديته بعرنة وان
رسول الله )ص( اعطاها العباس يوم الفتح دون بني عبد المطلب فعرف ذلك من حضر فكانت
بيد عبد الله بن عباس بعد ابيه لا ينازعه فيها منازع، ولا يتكلم فيها متكلم حتى
توفي فكانت بيد علي بن عبد الله بن عباس يفعل فيها كفعل ابيه وجده يأتيه الزبيب من
ماله بالطايف وينبده حتى توفي وكانت بيد ولده حتى الآن. واما القيادة فوليها من
بني عبد مناف، عبد شمس بن عبد مناف ثم وليها من بعده أمية بن عبد شمس، ثم من بعده
حرب بن امية فقاد بالناس يوم عكاظ في حرب قريش وقيس عيلان، وفي الفجارين الفجار
الاول والفجار الثاني وقاد الناس قبل ذلك بذات نكيف في حرب قريش وبني بكر بن عبد
مناة بن كنانة والاحابيش يومئذ مع بني بكر تحالفوا على جبل يقال له: الحبشي على
قريش فسموا الاحابيش بذلك، ثم كان ابو سفيان بن حرب يقود قريشاً بعد ابيه حتى كان
يوم بدر فقاد الناس عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ابو سفيان بن حرب في العير يقود
الناس فلما ان كان يوم احد قاد الناس ابو سفيان بن حرب وقاد الناس يوم الاحزاب
وكانت آخر وقعة لقريش وحرب حتى جاء الله بالاسلام وفتح مكة



ما جاء في انتشار ولد إسماعيل


وعبادتهم الحجارة وتغيير الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام



حدثنا ابو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال:
اخبرني ابن اسحاق ان بني اسماعيل وجرهم من ساكني مكة ضاقت عليهم مكة فتفسحوا في
البلاد والتمسوا المعاش فيزعمون ان اول ما كانت عبادة الحجارة في بني اسماعيل انه
كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم الا احتمل معه من حجارة الحرم تعظيماً للحرم وصبابة
بمكة وبالكعبة حيث ما حلوا وضعوه فطافوا به كالطواف بالكعبة حتى سلخ ذلك بهم الى
ان كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة واعجبهم من حجارة الحرم خاصة، حتى خلفت
الخلوف بعد الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين ابراهيم واسماعيل غيره،
فعبدوا الاوثان وصاروا الى ما كانت عليه الامم من قبلهم من الضلالات وانتجسوا ما
كان يعبد قوم نوح منها على إرث ما كان بقي فيهم من ذكرها وفيهم على ذلك بقايا من
عهد ابراهيم واسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت، والطواف به والحج والعمرة،
والوقوف على عرفة، ومزدلفة، وهدي البدن، والاهلال بالحج، والعمرة مع ادخالهم فيه
ما ليس منه، وكان اول من غير دين ابراهيم واسماعيل ونصب الاوثان، وسيب السايبة،
وبحر البحيرة ووصل الوصية، وحمى الحام عمرو بن لحي. حدثنا جدي قال: حدثنا سعيد بن
سالم عن عثمان بن ساج قال اخبرني ابن جريج قال: قال عكرمة مولى ابن عباس عن ابن
عباس قال: قال رسول الله )ص(: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه يعني أمعاءه في النار على
رأسه فروة فقال له رسول الله )ص(: من في النار ? قال: من بيني وبينك من الأمم.
وقال رسول الله )ص(: هو أول من جعل البحيرة والسايبة والوصيلة، والحام، ونصب
الأوثان حول الكعبة، وغير الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام.



باب ما جاء في


أول من نصب الأصنام في الكعبة


والاستقسام بالأزلام



حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي أحمد بن محمد قال: حدثنا سعيد ابن سالم القداح عن
عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: ان البئر التي كانت في جوف الكعبة،
كانت على يمين من دخلها وكان عمقها ثلاثة أذرع يقال إن إبراهيم وإسماعيل حفراها
ليكون فيها ما يهدي للكعبة فلم تزل كذلك حتى كان عمرو بن لحي فقدم بصنم يقال له:
هبل من هيت من أرض الجزيرة، وكان هبل من أعظم أصنام قريش عندها فنصبه على البئر في
بطن الكعبة وأمر الناس بعبادته فكان الرجل إذا قدم من سفر بدأ به على أهله بعد
طوافه بالبيت وحلق رأسه عنده، وهبل الذي يقول له أبو سفيان يوم أحد أعل هبل أي
أظهر دينك فقال النبي )ص( الله أعلى وأجل. وكان اسم البئر التي في بطن الكعبة
الأخسف وكانت العرب تسميها الأخشف قال محمد بن إسحاق: كان عند هبل في الكعبة سبعة قداح
كل قدح منها فيه كتاب. قدح فيه العقل إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا
بالقداح السبعة عليهم فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله، وقدح فيه نعم للأمر إذا
أرادوه يضرب به في القداح فإن خرج قدح فيه نعم عملوا به، وقدح فيه لا فإذا أرادوا
الأمر ضربوا به في القداح فإذا خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر، وقدح فيه منكم
وقدح فيه ملصق وقدح فيه من غيركم وقدح فيه المياه فإذا أرادوا أن يحفروا للماء
ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح فحيث ما خرج به عملوا به وكانوا إذا أرادوا أن
يختنوا غلاماً أو ينكحوا منكحاً أو يدفنوا ميتاً أو شكوا في نسب أحدهم ذهبوا به
إلى هبل وبمائة درهم وجزور فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها ثم قربوا صاحبهم
الذي يريدون به ما يريدون ثم قالوا: يا إلهنا هذا فلان أردنا به كذا وكذا فأخرج
الحق فيه، ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب فإن خرج عليه منكم كان منهم وسيطاً وإن
خرج عليه من غيركم كان حليفاً وإن خرج عليه ملصق كان ملصقاً على منزلته فيهم لا
نسب له ولا حلف وإن خرج عليه شيء مما سوى هذا مما يعملون به نعم عملوا به وإن خرج
لا أخروه عامه ذلك حتى يأتوا به مرة اخرى ينتهون في أمرهم ذلك إلى ما خرجت به
القداح. وبذلك فعل عبد المطلب بابنه حين أراد أن يذبحه، وقال محمد بن إسحاق: كان
هبل من خرز العقيق على صورة انسان وكانت يده اليمنى مكسورة فأدركته قريش فجعلت له
يداً من ذهب وكانت له خزانة للقربان، وكانت له سبعة قداح يضرب بها على الميت
والعذرة والنكاح وكان قربانه ماية بعير وكان له حاجب وكانوا إذا جاءوا هبل
بالقربان ضربوا بالقداح وقالوا:




انا اختلفنا فهب الـسـراحـا


ثلاثة يا هبل فصاحا



الميت والعذرة والنـكـاحـا

والبرء في المرضى والصحاحا



ان لم تقله فمـر الـقـداحـا




باب ما جاء في


أول من نصب الأصنام وما كان من كسرها



حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان ابن ساج قال: حدثني
محمد بن إسحاق إن جرهماً لما طغت في الحرم دخل رجل منهم بامرأة منهم الكعبة ففجر
بها ويقال انما قبلها فبها فمسخا حجرين اسم الرجل اساف بن بغاء، واسم المرأة نائلة
بنت ذئب فأخرجا من الكعبة فنصب أحدهما على الصفا والآخر على المروة، وانما نصبا
هنالك ليعتبر بهما الناس ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا لما يرون من الحال التي صارا
إليها فلم يزل الأمر يدرس ويتقادم حتى صارا يمسحان، يتمسح بهما من وقف على الصفا
والمروة ثم صارا وثنين يعبدان، فلما كان عمرو ابن لحي أمر الناس بعبادتهما والتمسح
بهما وقال للناس: إن من كان قبلكم كان يعبدهما، فكانا كذلك حتى كان قصي بن كلاب
فصارت إليه الحجابة وأمر مكة فحولهما من الصفا والمروة فجعل أحدهما بلصق الكعبة
وجعل الآخر في موضع زمزم ويقال: جعلهما جميعاً في موضع زمزم وكان ينحر عندهما وكان
أهل الجاهلية يمرون باساف ونائلة ويتمسحون بهما وكان الطايف إذا طاف بالبيت يبدأ
باساف فيستلمه فإذا فرغ من طوافه ختم بنائلة فاستلمها، فكانا كذلك حتى كان يوم
الفتح فكسرها رسول الله )ص( مع ما كسر من الأصنام. حدثني محمد بن يحيى المديني عن
إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى عن ابن حزم عن عمرة انها قالت: كان اساف ونايلة
رجلاً وامرأة فمسخا حجرين فأخرجا من جوف الكعبة وعليهما ثيابهما فجعل أحدهما بلصق
الكعبة، والآخر عند زمزم وكان يطرح بينهما ما يهدى للكعبة، ويقال: إن ذلك الموضع
كان يسمى الحطيم وانما نصبا هنالك ليعتبر بهما الناس. فلم يزل أمرهما يدرس حتى
جعلا وثنين يعبدان وكانت ثيابهما كلما بليت أخلفوا لهما ثياباً ثم أخذ الذي بلصق
الكعبة فجعل مع الذي عند زمزم، وكانوا يذبحون عندهما ولم تكن تدنو منهما امرأة
طامث ففي ذلك يقول الشاعر بشر بن ابي حازم الأسدي أسد خزيمة:




عليه الطير ما يدنون منـه



مقامات العوارك من أساف




حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال:
أخبرني ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن علي بن عبد الله بن عباس قال: لقد دخل
رسول الله )ص( مكة يوم الفتح وإن بها ثلاثماية وستين صنماً قد شدها ابليس بالرصاص
وكان بيد رسول الله )ص( قضيب فكان يقوم عليها ويقول: جاء الحق وزهق الباطل ان
الباطل كان زهوقا ثم يشير إليها بقضيبه فتتساقط على ظهورها، وحدثني جدي عن سفيان
بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله ابن مسعود قال: دخل
رسول الله )ص( مكة يوم فتح وحول الكعبة ثلاثماية وستون صنماً فجعل يطعنها ويقول:
جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، جاء الحق وما يبدي الباطل ولا يعيد.
حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن ابن
شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: دخل رسول الله
)ص( مكة وحول الكعبة ثلاثماية وستون صنماً، منها ما قد شد بالرصاص فطاف على راحلته
وهو يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، ويشير إليها فما منها صنم
أشار إلى وجهه إلا وقع على دبره، ولا أشار إلى دبره إلا وقع على وجهه حتى وقعت كلها،
وقال ابن إسحاق: لما صلى النبي )ص( الظهر يوم الفتح أمر بالأصنام التي كانت حول
الكعبة كلها فجمعت ثم حرقت بالنار وكسرت وفي ذلك يقول فضالة ابن عمير بن الملوح
الليثي في ذكر يوم الفتح:




أوما رأيت محمداً وجـنـوده



بالفتح يوم تكسر الأصـنـام

لرأيت نور اللّه أصبح بـينـا



والشرك يغشى وجهه الأظلام





حدثني جدي عن محمد بن أدريس عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن حسين بن عبد الله بن
عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما يزيد رسول الله )ص( على أن يشير
بالقضيب إلى الصنم فيقع لوجهه فطاف رسول الله )ص( سبعاً على راحلته يستلم الركن
الأسود بمحجنه فلما فرغ من سبعه نزل عن راحلته ثم انتهى رسول الله )ص( إلى المقام
وجاءه معمر بن عبد الله بن فضلة فأخرج راحلته والدرع عليه والمغفر وعمامته بين
كتفيه فصلى ركعتين ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها وقال: لولا ان تغلب بنو عبد
المطلب لنزعت منها دلواً. فنزع له العباس بن عبد المطلب دلواً فشرب وأمر بهبل فكسر
وهو واقف عليه فقال الزبير بن العوام لأبي سفيان بن حرب: يا أبا سفيان قد كسر هبل
أما انك قد كنت منه يوم أحد في غرور حين تزعم انه قد أنعم عليك، فقال أبو سفيان:
دع هذا عنك يا بن العوام فقد أرى ان لو كان مع اله محمد غيره لكان غير ما كان.
حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن الواقدي عن أشياخه قالوا: كان اساف ونائلة رجلاً
وامرأة، الرجل اساف بن عمرو، والمرأة نائلة بنت سهيل من جرهم فزنيا في جوف الكعبة
فمسخا حجرين فاتخذوهما يعبدونهما وكانوا يذبحون عندهما ويحلقون رؤوسهم عندهما إذا
نكسوا، فلما كسرت الأصنام كسراً فخرجت من أحدهما امرأة سوداء شمطاء تخمش وجهها
عريانة ناشرة الشعر تدعو بالويل فقيل لرسول الله )ص( في ذلك. فقال: تلك نايلة قد
أيست أن تعبد ببلادكم أبداً. ويقال: رن ابليس ثلاث رنات رنة حين لعن فتغيرت صورته
عن صورة الملائكة، ورنة حين رأى رسول الله )ص( قائماً بمكة يصلي، ورنة حين افتتح
رسول الله )ص( مكة فاجتمعت إليه ذريته فقال ابليس: أيئسوا أن تردوا أمة محمد على
الشرك بعد يومهم هذا أبداً، ولكن أفشوا فيهم النوح والشعر، وذكر الواقدي عن أشياخه
قال: نادى منادي رسول الله )ص( يوم الفتح بمكة، من كان يؤمن بالله ورسوله فلا يدعن
في بيته صنماً إلا كسره فجعل المسلمون يكسرون تلك الأصنام قال: وكان عكرمة بن أبي
جهل حين أسلم لا يسمع بصنم في بيت من بيوت قريش إلا مشى إليه حتى يكسره، وكان أبو
تجارة يعملها في الجاهلية ويبيعها ولم يكن في قريش رجل بمكة إلا وفي بيته صنم،
وقال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة عن سليمان بن سحيم عن بعض آل جبير بن مطعم عن
جبير بن مطعم قال: لما كان يوم الفتح نادى منادي رسول الله )ص( من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فلا يتركن في بيته صنماً إلا كسره وأحرقه وثمنه حرام. قال جبير: وقد
كنت أرى قبل ذلك الأصنام يطاف بها بمكة فيشتريها أهل البدو فيخرجون بها إلى بيوتهم
وما من رجل من قريش إلا وفي بيته صنم إذا دخل يمسحه، وإذا خرج يمسحه تبركاً به،
قال الواقدي: وأخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الحميد بن سهيل قال: لما أسلمت
هند بنت عتبة جعلت تضرب صنماً في بيتها بالقدوم فلذة فلذة وهي تقول: كنا منك في
غرور



باب ما جاء في


الأصنام التي كانت على الصفا والمروة


ومن نصبها وما جاء في ذلك


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم
القداح عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق قال: نصب عمرو بن لحي الخلصة بأسفل
مكة فكانوا يلبسونها القلايد ويهدون إليها الشعير، والحنطة، ويصبون عليها اللبن،
ويذبحون لها، ويعلقون عليها بيض النعام ونصب على الصفا صنماً يقال له: نهيك مجاود
الريح ونصب على المروة صنماً يقال له: مطعم الطير.



ما جاء في مناة وأول من نصبها



حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال:
أخبرني محمد بن إسحاق أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديداً وهي
التي كانت للأزد وغسان يحجونها ويعظمونها فإذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا
من منى لم يحلقوا إلا عند مناة وكانوا يهلون لها، ومن أهل لها لم يطف بين الصفا
والمروة لمكان الصنمين اللذين عليهما نهيك مجاود الريح ومطعم الطير فكان هذا الحي
من الأنصار يهلون بمناة وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لم يظل أحداً منهم سقف بيت
حتى يفرغ من حجته أو عمرته، وكان الرجل إذا أحرم لم يدخل بيته، وان كانت له فيه
حاجة تسور من ظهر بيته لأن لا يجن رتاج الباب رأسه فلما جاء الله بالاسلام وهدم
أمر الجاهلية أنزل الله تعالى في ذلك وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن
البر من اتقى، قال وكانت مناة للأوس والخزرج وغسان من الأزد ومن دان بدينهم من أهل
يثرب وأهل الشام وكانت على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد.
وحدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال أخبرني محمد ابن السايب الكلبي
قال كانت مناة صخرة لهذيل وكانت بقديد.



باب ما جاء في اللات والعزى


وما جاء في بدوهما كيف كان


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان
بن ساج عن محمد بن السايب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس إن رجلاً ممن مضى كان
يقعد على صخرة لثقيف يبيع السمن من الحاج إذا مروا فيلت سويقهم وكان إذا غنم فسميت
صخرة اللات فمات، فلما فقده الناس قال لهم عمرو: إن ربكم كان اللات فدخل في جوف
الصخرة، وكان العزى ثلاث شجرات سمرات بنخلة وكان أول من دعا إلى عبادتها عمرو بن
ربيعة والحارث بن كعب وقال لهم عمرو: إن ربكم يتصيف باللات لبرد الطايف، ويشتو
بالعزى لحر تهامة، وكان في كل واحدة شيطان يعبد، فلما بعث الله محمداً )ص( بعث بعد
الفتح خالد بن الوليد إلى العزى ليقطعها فقطعها، ثم جاء إلى النبي )ص( فقال له
النبي )ص(: ما رأيت فيهن ? قال: لا شيء، قال: ما قطعتهن فارجع فاقطع، فرجع فقطع،
فوجد تحت أصلها امرأة ناشرة شعرها قايمة عليهن كأنها تنوح عليهن فرجع فقال: اني رأيت
كذا وكذا قال: صدقت.
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال: أخبرنا محمد بن إسحاق إن
عمرو بن لحي اتخذ العزى بنخلة فكانوا إذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة لم يحلوا
حتى يأتوا العزى فيطوفون بها، ويحلون عندها، ويعكفون عندها يوماً، وكانت لخزاعة.
وكانت قريش وبنو كنانة كلها يعظم العزى مع خزاعة وجميع مضر وكان سدنتها الذين
يحجبونها بنو شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، وقال عثمان: وأخبرنا محمد بن
السايب الكلبي قال: كانت بنو نصر وجشم، وسعد بن بكر وهم عجز هوازن يعبدون العزى،
قال الكلبي: وكانت اللات والعزى ومناة في كل واحدة منهن شيطان تكلمهم وترايا
للسدنة وهم الحجبة وذلك من صنيع ابليس وأمره.
حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن الواقدي عن عبد الله بن يزيد عن سعيد بن عمرو
الهذلي قال: قدم رسول الله )ص( مكة يوم الجمعة لعشر ليال بقين من شهر رمضان فبث
السرايا في كل جهة وأمرهم أن يغيروا على من لم يكن على الاسلام، فخرج هشام بن
العاصي في مايتين قبل يلملم، وخرج خالد بن سعيد بن العاصي في ثلاثماية قبل عرنة
وبعث خالد ابن الوليد إلى العزى يهدمها فخرج خالد في ثلاثين فارساً من أصحابه إلى
العزى حتى انتهى إليها فهدمها ثم رجع إلى النبي )ص( فقال: أهدمت ? قال: نعم يا
رسول الله، قال: هل رأيت شيئاً ? قال: لا، قال: فانك لم تهدمها فارجع إليها
فاهدمها فخرج خالد بن الوليد وهو متغيظ فلما انتهى إليها جرد سيفه فخرجت إليه
امرأة سوداء عريانة ناشرة شعرها فجعل السادن يصيح بها، قال خالد: وأخذني اقشعرار
في ظهري فجعل يصيح بها ويقول:




أعزا شدي شدة لا تـكـذبـي



أعزى ألقى القناع وشمـري

أعزى ان لم تقتلي المرء خالداً



فبوئي باثم عاجل أو تنصري




فاقبل خالد بن الوليد بالسيف إليها وهو يقول:



يا عز كفرانك لا سبحانك



اني رأيت اللّه قد أهانك





فقال: فضربها بالسيف فجزلها باثنتين ثم رجع إلى رسول الله )ص( فأخبره فقال: نعم
تلك العزى قد أيست أن تعبد ببلادكم أبداً. ثم قال خالد: يا رسول الله الحمد لله
الذي أكرمنا بك وأنقذنا بك من الهلكة لقد كنت أرى أبي يأتي العزى بخير ماله من
الابل والغنم فيذبحها للعزى ويقيم عندها ثلاثاً ثم ينصرف إلينا مسروراً ونظرت إلى
ما مات عليه أبي وإلى ذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله وكيف خدع حتى صار يذبح لما
لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع. فقال رسول الله )ص(: إن هذا الأمر إلى الله
فمن يسره للهدى تيسر له، ومن يسره للضلالة كان فيها، وكان هدمها لخمس ليال بقين من
شهر رمضان سنة ثمان وكان سادتها أفلح ابن النضر السلمي من بني سليم؛ فلما حضرته
الوفاة دخل عليه أبو لهب يعوده وهو حزين فقال له: ما لي أراك حزيناً ? قال: أخاف
أن تضيع العزى من بعدي، قال له أبو لهب: فلا تحزن فأنا أقوم عليها بعدك. فجعل أبو لهب
يقول لكل من لقي: أن تظهر العزى كنت قد اتخذت عندها يداً بقيامي عليها، وأن يظهر
محمد على العزى وما أراه يظهر فابن أخي، فأنزل الله تبارك وتعالى تبت يدا أبي لهب
وتب.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عمن حدثه قال: جاء حسان
بن ثابت الأنصاري إلى رسول الله )ص( وهو في المسجد فقال: يا رسول الله ايذن لي أن
أقول فاني لا أقول إلا حقاً، قال: قل: فأنشأ يقول:




شهدت باذن الـلّـه إن مـحـمـداً



رسول الذي فوق السموات من عل




فقال رسول الله )ص(: وأنا أشهد فقال حسان بن ثابت:



وإن أبا يحيى ويحيى كليهما



له عمل في دينه متقبـل




فقال رسول الله )ص(: وأنا أشهد. فقال حسان بن ثابت:



وإن الذي عاد الـيهـود ابـن مـريم



رسول أتى من عند ذي العرش مرسل




فقال النبي )ص(: وأنا أشهد، فقال حسان بن ثابت:



وإن أخا الأحقاف إذ يعذلونه



يجاهد في ذات الإله ويعدل




فقال رسول الله )ص(: وأنا أشهد، فقال حسان بن ثابت:



وإن التي بالجزع من بطن نخلة



ومن دانها فل عن الحق معزل




فقال النبي )ص(: وأنا أشهد. قال سفيان: يعني العزى. وأما
مناة فكانت بالمشلل من قديد.



ما جاء في ذات أنواط


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن محمد بن إدريس عن محمد
بن عمر الواقدي عن معمر بن راشد البصري عن الزهري عن سنان بن أبي سنان الديلي عن
أبي واقد الليثي وهو الحارث بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله )ص( إلى حنين وكانت
لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل
سنة، فيعلقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها ويعكفون عندها يوماً قال: فرأيناً يوماً
ونحن نسير مع النبي )ص( شجرة عظيمة خضراء فسايرتنا من جانب الطريق فقلنا: يا رسول
الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال لهم رسول الله )ص(: الله أكبر،
الله أكبر؛ قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى: اجعل لهم لنا الهاً كما
لهم آلهة. قال انكم قوم تجهلون الآية انها السنن سنن من كان قبلكم.
حدثني جدي عن محمد بن إدريس عن الواقدي قال: أخبرني ابن أبي حبيبة عن داود بن
الحسين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كانت ذات أنواط شجرة يعظمها أهل الجاهلية يذبحون
لها ويعكفون عندها يوماً، وكان من حج منهم وضع زاده عندها ويدخل بغير زاد تعظيماً
لها فلما مر رسول الله )ص( إلى حنين قال له رهط من أصحابه: فيهم الحارث ابن مالك
يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: فكبر رسول الله )ص(
وقال: هكذا فعل قوم موسى بموسى عليه السلام.



ما جاء في كسر الأصنام


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن محمد بن ادريس عن محمد
ابن عمر الواقدي قال: أخبرني عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن عمرو الهذلي قال: لما
فتح رسول الله )ص( مكة بث السرايا فبعث خالد بن الوليد إلى العزى وبعث إلى ذي
الكفين صنم عمرو بن حممة الطفيل بن عمرو الدوسي فجعل يحرقه بالنار ويقول:




يا ذا الكفين لست من عبادكا


ميلادنا أقدم من ميلادكا



إني حششت النار في فوادكا





وبعث سعيد بن عبيد الأشهلي إلى مناة بالمشلل فهدمها. وبعث عمرو بن العاصي إلى سواع
صنم هذيل فهدمه. وكان عمرو يقول: انتهيت إليه وعنده السادن فقال: ما تريد ? قلت:
هدم سواع. قال: وما لك وله ? قلت: أمرني رسول الله )ص(، قال: لا تقدر على هدمه،
قلت: لم ? قال: يمتنع قال عمرو: حتى الآن أنت في الباطل ويحك ! وهل يسمع ويبصر ?
قال عمرو: فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته ولم يجدوا فيه شيئاً
ثم قلت للسادن: كيف رأيت ? قال: أسلمت لله تعالى.



مسير تبع إلى مكة شرفها الله تعالى


حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان
بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق قال: سار تبع الأول إلى الكعبة وأراد هدمها وتخريبها
وخزاعة يومئذ تلي البيت وأمر مكة، فقامت خزاعة دونه وقاتلت عنه أشد القتال حتى رجع
ثم تبع آخر فكذلك. وأما التبابعة الذين أرادوا هدم الكعبة وتخريبها ثلاثة وقد كان
قبل ذلك منهم من يسير في البلاد فإذا دخل مكة عظم الحرم والبيت وأما التبع الثالث
الذي أراد هدم البيت فإنما كان في أول زمان قريش. قال: وكان سبب خروجه ومسيره إليه
إن قوماً من هذيل من بني لحيان جاءوه فقالوا: إن بمكة بيتاً تعظمه العرب جميعاً،
وتفد إليه، وتنحر عنده وتحجه وتعتمره، وإن قريشاً تليه فقد حازت شرفه وذكره وأنت
أولى أن يكون ذلك البيت وشرفه وذكره لك؛ فلو سرت إليه وخربته وبنيت عندك بيتاً ثم
صرفت حاج العرب إليه كنت أحق به منهم قال: فاجمع المسير إليه.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن موسى بن عيسى المديني قال: لما كان تبع
بالدف من جمدان بين أمج وعسفان دفت بهم دوابهم وأظلمت الأرض عليهم فدعا أحباراً
كانوا معه من أهل الكتاب فسألهم فقالوا: هل هممت لهذا البيت بشيء ? قال: أردت أن
أهدمه. قالوا: فانو له خيراً أن تكسوه، وتنحر عنده ففعل فانجلت عنهم الظلمة وانما
سمي الدف من أجل ذلك ثم رجع إلى حديث ابن إسحاق قال: فسار حتى إذا كان بالدف من
جمدان بين أمج وعسفان دفت بهم الأرض وغشيتهم ظلمة شديدة وريح، فدعا أحباراً كانوا
معه من أهل الكتاب فسألهم فقالوا: هل هممت لهذا البيت بسوء ? فأخبرهم بما قال له
الهذليون وبما أراد أن يفعل فقالت الأحبار: والله ما أرادوا إلا هلاكك وهلاك قومك
إن هذا بيت الله الحرام ولم يرده أحد قط بسوء إلا هلك. قال: فما الحيلة ? قالوا:
تنوي له خيراً أن تعظمه وتكسوه وتنحر عنده وتحسن إلى أهله ففعل فانجلت عنهم الظلمة
وسكنت الريح وانطلقت بهم ركابهم ودوابهم، فأمر تبع بالهذليين فضربت أعناقهم
وصلبهم، وانما كانوا فعلوا ذلك حسداً لقريش على ولايتهم البيت، ثم سار تبع حتى قدم
مكة فكانت سلاحه بقعيقعان فيقال: فبذلك سمي قعيقعان وكانت خيله بأجياد ويقال: انما
سميت أجياد، أجياداً، بجياد خيل تبع؛ وكانت مطابخه في الشعب الذي يقال له: شعب عبد
الله بن عامر بن كريز فلذلك سمي الشعب المطابخ، فأقام بمكة اياماً ينحر في كل يوم
ماية بدنة لا يرزأ هو ولا أحد ممن في عسكره منها شيئاً يردها الناس فيأخذون منها
حاجتهم، ثم تقع الطير فتأكل، ثم تنتابها السباع إذا أمست لا يصد عنها شيء من
الأشياء انسان ولا طاير ولا سبع، يفعل ذلك كل يوم مقامه أجمع ثم كسا البيت كسوة
كاملة، كساه العصب وجعل له باباً يغلق بضبة فارسية. قال ابن جريج: كان تبع أول من
كسا البيت كسوة كاملة أرى في المنام أن يكسوها فكساها الأنطاع، ثم أرى أن يكسوها
فكساها الوصايل ثياب حبرة من عصب اليمن، وجعل لها باباً يغلق، ولم يكن يغلق قبل
ذلك، وقال تبع في ذلك وفي مسيره شعراً:




وكسونا البيت الذي حرم اللّه



ملاء معصـبـا وبـرودا

وأقمنا به من الشهر عشراً



وجعلنا لـبـابـه اقـلـيدا

وخرجنا منه نؤم سـهـيلا



قد رفعنا لواءنا معـقـودا




ذكر مبتدأ حديث الفيل



حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد
بن إسحاق قال: كان من حديث الفيل فيما ذكر بعض أهل مكة عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن
ابن عباس، وعن من لقي من علماء أهل اليمن وكان جل الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس إن ملكاً من ملوك حمير يقال له: زرعة ذو نواس وكان قد تهود واستجمعت معه حمير
على ذلك إلا ما كان من أهل نجران وهم من أشلاء سبا فانهم كانوا على دين النصرانية
على أصل حكم الأنجيل وبقايا من دين الحواريين ولهم رأس يقال له: عبد الله بن ثامر،
فدعاهم ذو نواس إلى اليهودية فأبوا فخيرهم فاختاروا القتل فخد لهم أخدوداً وصنف
لهم القتل فمنهم من قتل صبراً، ومنهم من أوقد له النار في الأخدود فألقاه في النار
إلا رجلاً من سبا يقال له دوس بن ذي ثعلبان، فذهب على فرس له يركض حتى أعجزهم في
الرمل فأتى قيصر فذكر له ما بلغ منهم واستنصره فقال له: بعدت بلادك عنا ولكن سأكتب
لك إلى ملك الحبشة فإنه على ديننا فينصرك فكتب له إلى النجاشي يأمره بنصره، فلما
قدم على النجاشي بعث معه رجلاً من الحبشة يقال له ارياط وقال: إن دخلت اليمن فاقتل
ثلث رجالها، واخرب ثلث بلادها، فلما دخلوا أرض اليمن تناوشوا شيئاً من قتال ثم ظهر
عليهم ارياط وخرج زرعة ذو نواس على فرسه فاستعرض به البحر حتى لجج به فماتا في
البحر وكان آخر العهد به فدخلها أرياط فعمل ما أمره به النجاشي، فقال قائل من أهل
اليمن في ذلك مثلاً يضربه، لا كدوس ولا كاغلاق رحله، وقال ذو جدن فيما أصاب أهل
اليمن وما نزل بهم:




دعيني لا أبالك لن تطـيقـي



لحاك اللّه قد أنزفت ريقـي

لدا عزف القيان إذا انتشـينـا



وإذ نسقى من الخمر الرحيقي

وشرب الخمر ليس علي عاراً



إذا لم يشكنى فيها رفـيقـي

وغمدان الذي نبـيت عـنـه



بنوه مسمكاً فـي راس نـيق

مصابيح السليط يلـحـن فـيه



إذا يمسي كتوماض البـروق

فأصبح بعـد جـدتـه رمـاداً



وغير حسنه لهب الـحـريق

وأسلم ذو نواس مستـمـيتـاً



وحذر قومه ضنك المضـيق




وقال ذو جدن أيضاً:



هونكما لن يرد الدمع ما فاتـا



لا تهلكي أسفاً في أثر من ماتا

أبعد بينون لا عـين ولا أثـر



وبعد سلحين يبني الناس أبياتـا




ذكر الفيل حين ساقته الحبشة



حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد
بن إسحاق انه قال: لما ظهرت الحبشة على أرض اليمن كان ملكهم إلى ارياط وأبرهة،
وكان أرياط فوق أبرهة فأقام أرياط باليمن سنتين في سلطانه لا ينازعه أحد، ثم نازعه
أبرهة الحبشي الملك، وكان في جند من الحبشة فانحاز إلى كل واحد منهما من الحبشة
طائفة ثم سار أحدهما إلى الآخر فكان أرياط يكون بصنعاء ومخاليفها، وكان أبرهة يكون
بالجند ومخاليفها، فلما تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض أرسل أبرهة إلى أرياط انك
لا تصنع بأن تلقي الحبشة بعضهم ببعض فتفنيها بيننا، فابرز لي وابرز لك فأينا ما
أصاب صاحبه انصرف إليه جنده. فأرسل إليه ارياط قد أنصفت، فخرج أرياط وكان رجلاً
عظيماً، طويلاً، وسيماً، وفي يده حربة له. وخرج له أبرهة وكان رجلاً قصيراً
حادراً، لحيماً، دحداحاً، وكان ذا دين في النصرانية؛ وخلف أبرهة عبداً له يحمي
ظهره يقال له عتودة؛ فلما دنا أحدهما من صاحبه رفع أرياط الحربة فضرب بها رأس
أبرهة يريد يافوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وعينه وأنفه وشفتيه
فبذلك سمي أبرهة الأشرم، وحمل غلام أبرهة عتودة على أرياط من خلف أبرهة فزرقه
بالحربة فقتله، فانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وكان ما
صنع أبرهة من قتله أرياط بغير علم النجاشي ملك الحبشة بأرض أكسوم من بلاد الحبش
فلما بلغه ذلك غضب غضباً شديداً وقال: عدا على أميري بغير أمري فقتله؛ ثم حلف
النجاشي لا يدع أبرهة حتى يطأ أرضه ويجز ناصيته. فلما بلغ ذلك أبرهة حلق رأسه ثم
ملا جراباً من تراب أرض اليمن ثم بعث به إلى النجاشي وكتب إليه: أيها الملك إنما
كان أرياط عبدك وأنا عبدك اختلفنا في أمرك، وكلنا طاعته لك إلا اني كنت أقوى على
أمر الحبشة منه، وأضبط وأسوس لهم منه، وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك
وبعثت به إليه مع جراب من تراب أرضي ليضعه تحت قدميه فيبر بذلك قسمه. فلما انتهى
ذلك إلى النجاشي رضي عنه وكتب له ان أثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري فأقام أبرهة
باليمن؛ وبنى أبرهة عند ذلك القليس بصنعاء إلى جنب غمدان كنيسة وأحكمها وسماها
القليس وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة: أني قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان
قبلك ولست بمنته حتى أصرف حاج العرب إليها. قال أبو الوليد: أخبرني محمد بن يحيى
قال: حدثني من أثق به من مشيخة أهل اليمن بصنعاء ان يوسف ذا نواس وهو صاحب الأخدود
الذي حرق أهل الكتاب بنجران لما غرقه الله عز وجل وجاءت الحبشة إلى أرض اليمن
فعبروا من دهلك حتى دخلوا صنعاء وحرقوا غمدان وكان أعظم قصر يعلم في الأرض، وغلبوا
على اليمن وبنى أبرهة الحبشي القليس للنجاشي وكتب إليه: اني قد بنيت لك بصنعاء
بيتاً لم تبن العرب ولا العجم مثله. ولن أنتهي حتى أصرف حاج العرب إليه ويتركوا
الحج إلى بيتهم. فبنى القليس بحجارة قصر بلقيس الذي بمأرب وبلقيس صاحبة الصرح الذي
ذكره الله في القرآن في قصة سليمان وكان سليمان حين تزوجها ينزل عليها فيه إذا
جاءها فوضع الرجال نسقاً يناول بعضهم بعضاً الحجارة والآلة حتى نقل ما كان في قصر
بلقيس مما احتاج إليه من حجر أو رخام أو آلة للبناء وجد في بنائه وأنه كان مربعاً
مستوي التربيع وجعل طوله في السماء ستين ذراعاً، وكبسه من داخله عشرة أذرع في
السماء، وكان يصعد عليه بدرج الرخام وحوله سور بينه وبين القليس مايتا ذراع مطيف
به من كل جانب، وجعل بين ذلك كله بحجارة تسميها أهل اليمن الجروب منقوشة مطابقة لا
يدخل بين أطباقها الابرة، مطبقة به وجعل طول ما بنى به من الجروب عشرين ذراعاً في
السماء ثم فصل ما بين حجارة الجروب بحجارة مثلثة تشبه الشرف مداخلة بعضها ببعض
حجراً أخضر، وحجراً أحمر، وحجراً أبيض، وحجراً أصفر، وحجراً أسود؛ وفيما بين كل
سافين خشب ساسم مدور الرأس غلظ الخشبه حضن الرجل ناتئة على البناء فكان مفصلاً
بهذا البناء في هذه الصفة، ثم فصل بافريز من رخام منقوش طوله في السماء ذراعان،
وكان الرخام ناتئاً على البناء ذراعاً، ثم فصل فوق الرخام بحجارة سود لها بريق من
حجارة نقم جبل صنعاء المشرف عليها، ثم وضع فوقها حجارة صفر لها بريق، ثم وضع فوقها
حجارة بيض لها بريق، فكان هذا ظاهر حايط القليس، وكان عرض حايط القليس ستة أذرع،

وذكروا انهم لا يحفظون ذرع طول القليس ولا عرضه، وكان له باب من نحاس عشرة أذرع
طولاً في أربعة أذرع عرضاً وكان المدخل منه إلى بيت في جوفه طوله ثمانون ذراعاً في
أربعين ذراعاً معلق العمل بالساج المنقوش ومسامير الذهب والفضة. ثم يدخل من البيت
إلى ايوان طوله أربعون ذراعاً عن يمينه وعن يساره، وعقوده مضروبة بالفسيفساء مشجرة
بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة ثم يدخل من الايوان إلى قبة ثلاثون ذراعاً في
ثلاثين ذراعاً، جدرها بالفسيفساء وفيها صلب منقوشة بالفسيفساء والذهب والفضة،
وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة عشرة أذرع في عشرة أذرع تغشى عين
من نظر إليها من بطن القبة تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة. وكان تحت
الرخامة منبر من خشب اللبخ وهو عندهم الأبنوس مفصل بالعاج الأبيض ودرج المنبر من
خشب الساج ملبسة ذهباً وفضة، وكان في القبة سلاسل فضة وكان في القبة أو في البيت
خشبة ساج منقوشة طولها ستون ذراعاً يقال لها: كعيب وخشبة من ساج نحوها في الطول
يقال لها: امرأة كعيب كانوا يتبركون بهما في الجاهلية وكان يقال لكعيب: الأحوزي
والأحوزي بلسانهم الحر وكان أبرهة عند بناء القليس قد أخذ العمال بالعمل أخذاً
شديداً وكان آلى ان لا تطلع الشمس على عامل لم يضع يده في عمله فيؤتى به إلا قطع
يده. قال: فتخلف رجل ممن كان يعمل فيه حتى. طلعت الشمس وكانت له أم عجوز فذهب بها
معه لتستوهبه من أبرهة، فأتته وهو بارز للناس فذكرت له علة إبنها واستوهبته منه
فقال: لا أكذب نفسي ولا أفسد على عمالي فأمر بقطع يده فقالت له أمه: اضرب بمعولك
ساعي بهر، اليوم لك، وغداً لغيرك، ليس كل الدهر لك. فقال: ادنوها فقال لها: إن هذا
الملك أيكون لغيري ? قالت: نعم، وكان أبرهة قد أجمع أن يبني القليس حتى يظهر على
ظهره فيرى منه بحر عدن فقال: لا أبني حجراً على حجر بعد يومي هذا. وأعفا الناس من
العمل، وتفسير قولها ساعي بهر تقول: اضرب بمعولك ما كان حديداً، فانتشر خبر بناء
أبرهة هذا البيت في العرب فدعا رجل من النساءة من بني مالك بن كنانة فتبين منهم
فأمرهما أن يذهبا إلى ذلك البيت الذي بناه أبرهة بصنعاء فيحدثا فيه فذهب بهما
ففعلا ذلك، فدخل أبرهة البيت فرأى أثرهما فيه فقال: من فعل هذا ? فقيل: رجلان من
العرب فغضب من ذلك وقال: لا أنتهي حتى أهدم بيتهم الذي بمكة. قال: فساق الفيل إلى
بيت الله الحرام ليهدمه فكان من أمر الفيل ما كان. فلم يزل ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Empty
مُساهمةموضوع: تكملة   أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 10:56 am

فانطلق معي إليه فإنه قد أمرني أن آتيه بك. فانطلق معه عبد
المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان له صديقاً حتى دخل عليه
وهو في محبسه فقال: يا ذا نفر، هل عندك من غناء فيما نزل بنا ? قال ذو نفر: وما
غناء رجل أسير في يدي ملك ينتظر أن يقتله بكرة أو عشية، ما عندي غناء في شيء مما
نزل بك إلا أن أنيساً سايس الفيل صديق لي فسأرسل إليه فأوصيه بك وأعظم عليه حقك
وأسأله أن يستأذن لك على الملك وتكلمه فيما بدا لك ويشفع لك عنده بخير إن قدر على
ذلك، قال: حسبي، فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له: إن عبد المطلب سيد قريش وصاحب عير
مكة يطعم الناس بالسهل والجبل والوحوش في رؤوس الجبال وقد أصاب الملك له مايتي
بعير فاستأذن له عليه وأنفعه عنده بما استطعت فقال: افعل فكلم أنيس أبرهة فقال له:
أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك وهو صاحب عير مكة وهو يطعم الناس
بالسهل والجبل والوحوش في رؤوس الجبال فأذن له عليك فليكلمك في حاجته فأذن له
أبرهة، وكان عبد المطلب أوسم الناس وأعظمهم وأجملهم فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه عن
أن يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة معه على سريره فنزل أبرهة عن سريره فجلس على
بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه ثم قال لترجمانه: قل له ما حاجتك ? قال له
الترجمان: إن الملك يقول لك: ما حاجتك ? قال: حاجتي أن يرد الملك علي مايتي بعير
أصابها لي فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك
ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، تكلمني في مايتي بعير أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك
ودين آبائك وقد جئت لهدمه لا تكلمني فيه، قال عبد المطلب: إني أنا رب إبلي وإن
للبيت رباً سيمنعه قال: ما كان ليمتنع مني قال: أنت وذاك، قال ابن إسحاق: وقد كان
فيما يزعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة حين بعث إليه حناطة
الحميري يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وهو يومئذ
سيد بني بكر وخويلد بن واثلة الهذلي وهو يومئذ سيد هذيل فعرضوا على أبرهة ثلث
أموال تهامة على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت فأبى عليهم؛ والله أعلم أكان ذلك أم
لا، وقد كان أبرهة رد على عبد المطلب الابل التي كان أصاب فلما انصرفوا عنه انصرف
عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال
خوفاً عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر
من قريش يدعون الله عز وجل ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو آخذ
بحلقة باب الكعبة:




يا رب إن المرء يمن



ع رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صلـيبـهـم



ومحالهم عدوا محالك

إن كنت تاركهـم وق



بلتنا فأمر ما بدا لـك

ولئن فعلـت فـإنـه



أمر يتم به فعـالـك




ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من
قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها وقال عبد
المطلب أيضاً:




قلت والأشرم تردى خيله



إن ذا الأشرم غر بالحرم

كاده تبع فيمـا جـنـدت



حمير والحي من آل قدم

فأنثنى عنه وفي أوداجـه



حارج أمسك منه بالكظم

نحن أهل اللّه في بلدتـه



لم يزل ذاك عهد إبراهيم

نعبد اللّه وفـينـا شـيمة



صلة القربى وإيفاء الذمم

إن للبيت لرباً مـانـعـاً



من يرده باثام يصطلـم




يعي إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، ولما أصبح أبرهة تهيأ
لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه وكان اسم الفيل محموداً وأبرهة مجمع لهدم الكعبة ثم
الانصراف إلى اليمن، فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل بفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام
إلى جنب الفيل فالتفم اذنه فقال: ابرك محمود وارجع راشداً من حيث جئت فإنك في بلد
الله الحرام، ثم أرسل اذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل
وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا رأسه بالطبرزين فأبى فأدخلوا محاجن لهم في مراقه
فبزغوه بها ليقوم فأبى فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل
مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك فوجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم
طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طير منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر
في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب أحداً منهم إلا هلك، وليس
كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي منها جاؤوا ويسألون عن نفيل بن حبيب
ليدلهم على الطريق إلى اليمن فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من
نقمته:




أين المفر والإله الـطـالـب



والأشرم المغلوب غير الغالب




وقال نفيل أيضاً حين ولوا وعاينوا ما نزل بهم:



ألا حييت عـنـا يا ردينـا



نعمناكم مع الأصباح عينا

ردينة لو رأيت ولن تـريه



لدا جنب المحصب ما رأينا

إذاً لعذرتني وحمدت أمري



ولم تأسى على ما فات بينا

حمدت اللّه إذ عاينت طيراً



وخفت حجارة تلقى علينـا

وكل القوم يسأل عن نفـيل



كأن عليّ للحبشـان دينـا





فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك على كل منهل، وأصيب أبرهة في جسده
وخرجوا به معهم تسقط انملة انملة كلما سقطت منه انملة اتبعتها منه مدة تمث قيحاً
ودماً حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطاير فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما
يزعمون. وأقام بمكة فلال من الجيش وعسفاء وبعض من ضمه العسكر، فكانوا بمكة يعتملون
ويرعون لأهل مكة. قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة ابن المغيرة بن الأخنس انه
حدث إن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام، وانه أول ما رؤي بها من
مراير الشجر الحرمل والحنظل والعشر من ذلك العام، قال أبو الوليد: وقال بعض
المكيين انه أول ما كانت بمكة حمام اليمام، حمام مكة الحرمية ذلك الزمان، يقال:
انها من نسل الطير التي رمت أصحاب الفيل حين خرجت من البحر من جدة، ولما هلك
أبرهة، ملك الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة وبه كان يكنى، ثم ملك بعد يكسوم أخوه مسروق
بن أبرهة، وهو الذي قتلته الفرس حين جاءهم سيف بن ذي يزن، وكان آخر ملوك الحبشة
وكانوا أربعة فجميع ما ملكوا أرض اليمن من حين دخلوها إلى أن قتلوا ثلاثين سنة
ولما رد الله سبحانه عن مكة الحبشة وأصابهم ما أصابهم من النقمة أعظمت العرب
قريشاً وقالوا: أهل الله قاتل عنهم وكفاهم مؤنة عدوهم، فجعلوا يقولون في ذلك
الأشعار يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة وما دفع عن قريش من كيدهم ويذكرون الأشرم
والفيل ومساقه إلى الحرم، وما أراد من هدم البيت واستحلال حرمته. قال ابن إسحاق:
حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد
بن زرارة عن عائشة أم المؤمنين قالت: رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين
يستطعمان. قال ابن إسحاق: فلما قتلت الحبش ورجع الملك إلى حمير سرت بذلك جميع
العرب لرجوع الملك فيها وهلاك الحبشة، فخرجت وفود العرب جميعها لتهنئة سيف بن ذي
يزن، فخرج وفد قريش، ووفد ثقيف، وعجز هوازن وهم نصر وجشم وسعد بن بكر ومعهم وفد
عدوان وفهم ابني عمرو بن قيس فيهم مسعود بن معتب، ووفد غطفان، ووفد تميم، وأسد،
ووفد قبايل قضاعة والأزد فأجازهم وأكرمهم وفضل قريشاً عليهم في الجائزة لمكانهم في
الحرم وجوارهم بيت الله تعالى. قال أبو الوليد: وحدثني عبد الله بن شبيب الربعي،
قال: حدثنا عمرو بن بكر بن بكار قال: حدثني أحمد بن القاسم الربعي مولى قيس بن
ثعلبة عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك
بعد مولد النبي )ص( بسنتين أتاه وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتهنئه وتمدحه وتذكر
ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه، فأتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية
ابن عبد شمس، وخويلد بن أسد في ناس من وجوه قريش من أهل مكة فأتوه بصنعاء وهو في
قصر له يقال له غمدان، وهو الذي يقول فيه الشاعر أبو الصلت الثقفي أبو أمية بن أبي
الصلت:




لا تطلب الثأر إلا كابـن ذي يزن



خيم في البحر للأعـداء أحـوالا

أتى هرقلا وقد شالت نعامتـهـم



فلم يجد عنده النصر الـذي سـالا

ثم انتحى نحو كسرى بعد عاشـرة



من السنين يهين النفس والـمـالا

حتى أتى ببني الأحرار يقدمـهـم



تخالهم فوق متن الأرض أجبـالا

بيض مـرازبة غـلـب أسـاورة



أسد يربين في الغيضات أشـبـالا

للّه درهم مـن فـتـية صـبـر



ما أن رأيت لهم في الناس أمثـالا

لا يضجرون وإن حزت مغافرهم



ولا نرى منهم في الطعن مـيالا

أرسلت أسداً على سود الكلاب فقد



أضحى شريدهم في الناس فـلالا

فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفعـاً



في رأس غمدان داراً منك محلالا

تلك المكارم لا قعبان مـن لـبـن



شيبا بماء فعـادا بـعـد أبـوالا

فالتطّ بالمسك إذا شالت نعامتـهـم



وأسبل اليوم في برديك إسـبـالا





فاستأذنوا عليه فأذن لهم فإذا الملك متضمخ بالعنبر يلصف ووميض المسك من مفرقه إلى
قدمه وسيفه بين يديه، وعن يمينه وعن يساره الملوك وأبناء الملوك فدنا عبد المطلب
فاستأذن في الكلام فقال له سيف بن ذي يزن: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد
أذنا لك. فقال له عبد المطلب: إن الله عز وجل قد أحلك أيها الملك محلاً رفيعاً،
صعباً، منيعاً، شامخاً، باذخاً، وأنبتك منبتاً طابت أرومته، وعزت جرثومته، وثبت
أصله، وبسق فرعه، في أكرم معدن، وأطيب موطن، وأنت أبيت اللعن رأس العرب، وربيعها
الذي تخصب به، وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد وعمودها الذي عليه العماد،
ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف فلن يخمد ذكر
من أنت سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه أيها الملك نحن أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا
إليك الذي أبهجنا لكشفك الكرب الذي فدحنا فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة، قال:
وأيهم أنت أيها المتكلم ? قال: أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. قال: ابن
أختنا ! قال: نعم. قال: ادن، فادناه ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحباً وأهلاً
وناقة ورحلا، ومستناخاً سهلا، وملكاً ربحلا يعطى عطاء جزلا، قد سمع الملك مقالتكم،
وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم فأنتم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم،
والحباء إذا ظعنتم؛ قال: ثم قال: انهضوا إلى دار الضيافة والوفود، فأقاموا شهراً
لا يصلون إليه ولا يأذن لهم في الانصراف، قال وأجرى عليهم الانزال ثم انتبه لهم
انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدناه وأخلا مجلسه ثم قال: يا عبد المطلب اني مفوض
إليك من سر علمي أمراً لو غيرك يكون لم أبح به له، ولكني وجدتك معدنه فأطلعتك طلعه
وليكن عندك مطوياً حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ فيه أمره، إني أجد في الكتاب
المكنون، والعلم المخزون، الذي اخترناه لأنفسنا واحتجناه دون غيرنا، خبراً جسيماً،
وخطراً عظيماً فيه شرف للحياة، وفضيلة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة، قال: أيها
الملك مثلك سر، وبر فما هو فداك أهل الوبر والمدر زمراً بعد زمر، قال: فإذا ولد
بتهامة غلام به علامة، كانت له الامامة، ولكم به الزعامة، إلى يوم القيامة، فقال
له عبد المطلب: أبيت اللعن لقد أتيت بخبر ما آب بمثله وافد قوم، ولولا هيبة الملك
واعظامه واجلاله لسألته من سارة ابائي ما أزداد به سروراً، فإن رأى الملك أن
يخبرني بافصاح فقد أوضح لي بعض الايضاح، قال: هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد
اسمه محمد بين كتفيه شامة، يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه، وقد ولدناه مراراً
والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، يعز بهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه،
ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرايم الأرض، يعبد الرحمن، ويدخر الشيطان،
ويكسر الأوثان ويخمد النيران، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى
عن المنكر ويبطله، قال: فخر عبد المطلب ساجداً فقال له: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا
كعبك، فهل أحست من أمره شيئاً ? قال: نعم أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجباً
وعليه رفيقاً فزوجته كريمة من كرايم قومه، آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجاءت
بغلام سميته محمداً، مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه، بين كتفيه شامة، وفيه كلما
ذكرت من علامة، قال له: والبيت ذى الحجب، والعلامات على النصب، انك يا عبد المطلب
لجده غير الكذب، وإن الذي قلت، لكما قلت فاحتفظ بابنك واحذر عليه من اليهود فانهم
له أعداء ولن يجعل الله تعالى لهم عليه سبيلا، فاطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط
الذين معك، فاني لست آمن أن تدخلهم النفاسة، من أن تكون لك الرياسة فيبتغون لك
الغوايل، وينصبون لك الحبايل، وهم فاعلون أو أبناؤهم ولولا إن الموت مجتاحي قبل
مبعثه لسرت بخيلي ورجلي، حتى أصير بيثرب دار مملكته، فاني أجد في الكتاب الناطق،
والعلم السابق، أن بيثرب استحكام أمره، وأهل نصره، وموضع قبره، ولولا اني أقيه
الآفات، واحذر عليه العاهات، لأوطأت أسنان العرب كعبه، ولأعليت على حداثة سنه
ذكره، ولكني صارف ذلك إليك، عن غير تقصير بمن معك، ثم أمر لكل رجل منهم بماية من
الابل وعشرة أعبد، وعشر اماء، وعشرة أرطال ذهب، وعشرة أرطال فضة وكرش مملوة
عنبراً، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك ثم قال له: إيتني بخبره، وما يكون من

أمره عند رأس الحول، فمات سيف بن ذى يزن من قبل أن يحول الحول، وكان عبد المطلب
يقول: أيها الناس لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك فإنه إلى نفاد، ولكن
ليغبطني بما يبقى لي ولعقبي شرفه وذكره وفخره فإذا قيل له: وما ذاك ? يقول: ستعلمن
ولو بعد حين. وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس:مره عند رأس الحول، فمات سيف بن ذى يزن
من قبل أن يحول الحول، وكان عبد المطلب يقول: أيها الناس لا يغبطني رجل منكم بجزيل
عطاء الملك فإنه إلى نفاد، ولكن ليغبطني بما يبقى لي ولعقبي شرفه وذكره وفخره فإذا
قيل له: وما ذاك ? يقول: ستعلمن ولو بعد حين. وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس:




جلبنا النصح نحقبها المطـايا



إلى أكوار أجمـال ونـوق

مغلغلة مراتعها تـعـالـى



إلى صنعاء من فج عمـيق

تؤمن بنا ابن ذى يزن وتفرى



ذوات بطونها أم الطـريق

ونرعى من مخايلها بروقـاً



مواقفة الوميض إلى بروق

ولما وافقت صنعاء صارت



بدار الملك والحسب العريق




قال أبو الوليد: وقد ذكر الله تعالى الفيل وما صنع بأصحابه
فقال: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل إلى آخرها ولو لم ينطق القرآن به لكان في
الأخبار المتواطئة والأشعار المتظاهرة في الجاهلية والاسلام حجة وبيان لشهرته وما
كانت العرب تؤرخ به، فكانوا يؤرخون في كتبهم وديونهم من سنة الفيل، وفيها ولد رسول
الله )ص( فلم تزل قريش والعرب بمكة جميعاً تؤرخ بعام الفيل، ثم أرخت بعام الفجار،
ثم أرخت ببنيان الكعبة فلم تزل تؤرخ به حتى جاء الله بالاسلام فأرخ المسلمون من
عام الهجرة، ولقد بلغ من شهرة أمر الفيل وصنع الله بأصحابه واستفاضة ذلك فيهم حتى
قالت عائشة رضي الله عنها على حداثة سنها: لقد رأيت قايد الفيل وسايسه أعميين ببطن
مكة يستطعمان وقد ذكر غير واحد من احداث قريش أنه رآهما أعميين.



ما جاء في شواهد الشعر في ذلك


قال أبو الطفيل الغنوي وهو جاهلي:



ترعى مذانب وسمى أطاع لـهـا



بالجزع حيث عصى أصحابه الفيل




وقال صيفي بن عامر، وهو أبو قيس بن الأسلت الخزرجي وهو جاهلي
يعنى قريشاً:




قوموا فصلوا ربكم وتـعـوذوا



بأركان هذا البيت بين الأخاشب

فعندكم منه بـلاء ومـصـدق



غداة أبي يكسوم هادي الكتائب

فلما أجازوا بطن نعمان ردهـم



جنود المليك بين ساف وحاصب

فولوا سراعا نادمين ولـم يؤب



إلى أهله بالجيش غير عصائب




وقال أبو قيس بن الأسلت:



ومن صنعه يوم فيل الحبو



ش إذ كل ما بعثوه رزم

محاجنهم تحت أقـرابـه



وقد كلموا أنفه بالخـزم

وقد جعلوا سوطه مغولا



إذا يمموه قفـاه كـلـم

فأرسل من فوقهم حاصبا



يلفهم مثل لف الـقـزم

يحث على الطير أجنادهم



وقد ثأجوا كثؤاج الغنـم




وقال أبو الصلت الثقفي وهو جاهلي:



إن آيات ربـنـا بـينـــات



ما يمارى فيهن إلا كـفـور

حبس الفيل بالمعمس حـتـى



ظل يحبو كأنـه مـعـقـور

واضعاً حلقة الجـران كـمـا



قطر صخر من كبكب محدور




وقال المغيره بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم:



أنت حبست الفيل بالمغـمـس



حبستـه كـأنـه مـكـردس

من بعد ما هم بشر مـحـبـس



بمحبس ترهق فيه الأنـفـس

وقت بثاث ربنـا إلـم تـدنـس



يا واهب الحي الجميع الأحمس

وما لهم من طارق ومنـفـس



وجاره مثل الجواري الكنـس

أنت لنا في كل أمر مضـرس



وفي هنات أخذت بالأنـفـس




وقال ابن أذينة الثقفي:



لعمرك ما للفتى من مفـر



مع الموت يلحقه والكبـر

لعمرك ما للفتى عصـرة



لعمرك ما إن له من وزر

أبعد قبائل مـن حـمـير



أتوا ذات صبح بذات العبر

بألـف ألـوف وحـرابة



كمثل السماء قبيل المطر

يصم صراخهم المقربـات



ينفون من قاتلوا بالـذفـر

سعالى مثل عديد التـراب



تيبس منها رطاب الشجر




ما جاء في ذكر بناء قريش الكعبة في الجاهلية


حدثني أبو الوليد قال: حدثني جدي عن داود بن عبد الرحمن العطار قال: حدثنا عبد
الله بن عثمان بن خيثم القاري عن أبي الطفيل قال: قلت: يا خال حدثني عن بنيان
الكعبة قبل أن بنتها قريش قال: كانت برضم يابس ليس بمدر تنزوه العناق وتوضع الكسوة
على الجدر ثم تدلى، ثم إن سفينة للروم أقبلت حتى إذا كانت بالشعيبة وهي يومئذ ساحل
مكة قبل جدة فانكسرت فسمعت بها قريش فركبوا إليها وأخذوا خشبها ورومياً كان فيها
يقال له باقوم نجاراً بناء، فلما قدموا به مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا فاجتمعوا
لذلك ونقلوا الحجارة من الضواحي فبينا رسول الله )ص( ينقلها معهم إذ انكشفت نمرته
فنودي يا محمد عورتك فذلك أول ما نودي والله أعلم، فما رؤيت له عورة بعدها، فلما
جمعوا الحجارة وهموا بنقضها، خرجت لهم حية سوداء الظهر، بيضاء البطن لها رأس مثل
رأس الجدي تمنعهم كلما أرادوا هدمها، فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند المقام وهو يومئذ
في مكانه اليوم ثم قالوا: ربنا أردنا عمارة بيتك فرأوا طائراً أسود ظهره، أبيض
بطنه، أصفر الرجلين أخذها فجرها حتى أدخلها أجياد ثم هدموها وبنوها عشرين ذراعاً
طولها، قال أبو الطفيل: فاستقصرت قريش لقصر الخشب فتركوا منها في الحجر ستة أذرع
وشبراً، قال: حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن
أبيه قال: جلس عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في الحجر وأرسل إلى رجل من بني زهرة
قديم فسأله عن بنيان الكعبة فقال: إن قريشاً تقوت في بنائها فعجزوا واستقصروا
فبنوا وتركوا بعضها في الحجر فقال عمر: صدقت، قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي قال:
حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري قال: لما بلغ رسول الله )ص(
الحلم أجمرت امرأة من قريش الكعبة فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت
فوها البيت للحريق الذي أصابه فتشاغلت قريش في هدم الكعبة فهابوا هدمهما فقال لهم
الوليد بن المغيرة: أتريدون بهدمها الاصلاح أم الاساءة ? قالوا: بل نريد الاصلاح
قال: فإن الله لا يهلك المصلحين، قالوا: من الذي يعلوها فيهدمها ? قال الوليد بن
المغيرة: أنا أعلوها فأهدمها فارتقى الوليد على جدر البيت ومعه الفأس فقال: اللهم إنا
لا نريد إلا الاصلاح، ثم هدم فلما رأت قريش ما هدم منها ولم يأتهم ما يخافون من
العذاب هدموا معه حتى إذا بنوا فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل
تلي رفعه حتى كاد يشتجر بينهم فقالوا: تعالوا نحكم أول من يطلع علينا من هذه السكة
فاصطلحوا على ذلك فطلع رسول الله )ص( وهو غلام عليه وشاحاً نمرة فحكموه فأمر
بالركن فوضع في ثوب ثم أمر سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية الثوب ثم ارتقى وأمرهم أن
يرفعوه إليه فرفعوه إليه وكان هو الذي وضعه، حدثني جدي قال: حدثنا مسلم ابن خالد
الزنجي عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال: جلس رجال من قريش في المسجد الحرام فيهم
حويطب بن عبد العزى ومخرمة بن نوفل فتذاكروا بنيان قريش الكعبة وما هاجهم على ذلك
وذكروا كيف كان بناؤها قبل ذلك قالوا: كانت الكعبة مبنية برضم يابس ليس بمدر وكان
بابها بالأرض ولم يكن لها سقف وانما تدلى الكسوة على الجدر من خارج وتربط من أعلا
الجدر من بطنها وكان في بطن الكعبة عن يمين من دخلها جب يكون فيه ما يهدى إلى
الكعبة من مال وحلية كهيئة الخزانة وكان يكون على ذلك الجب حية تحرسه بعثها الله
منذ زمن جرهم وذلك انه عدا على ذلك الجب قوم من جرهم فسرقوا مالها وحليتها مرة بعد
مرة فبعث الله تلك الحية فحرست الكعبة وما فيها خمسمائة سنة فلم تزل كذلك حتى بنت
قريش الكعبة وكان قرنا الكبش الذي ذبحه إبراهيم خليل الرحمن معلقين في بطنها
بالجدر تلقا من دخلها، يخلقان ويطيبان إذا طيب البيت فكان فيها معاليق من حلية
كانت تهدى إلى الكعبة فكانت على ذلك من أمرها ثم إن امرأة ذهبت تجمر الكعبة فطارت
من مجمرتها شرارة فاحترقت كسوتها وكانت الكسوة عليها ركاماً بعضها فوق بعض فلما
احترقت الكعبة توهنت جدرانها من كل جانب وتصدعت وكانت الخرف الأربعة عليهم مظللة
والسيول متواترة، ولمكة سيول عوارم فجاء سيل عظيم على تلك الحال فدخل الكعبة وصدع
جدرانها وأخافهم ففزعت من ذلك قريش فزعاً شديداً وهابوا هدمها وخشوا أن مسوها أن
ينزل عليهم العذاب قال: فبينا هم على ذلك يتناظرون ويتشاورون إذ أقبلت
سفينة للروم حتى إذا كانت بالشعيبة وهي يومئذ ساحل مكة قبل جدة انكسرت فسمعت بها
قريش فركبوا إليها فاشتروا خشبها وأذنوا لأهلها أن يدخلوا مكة فيبيعون ما معهم من
متاعهم على أن لا يعشروهم، قال: وكانوا يعشرون من دخلها من تجار الروم كما كانت
الروم تعشر من دخل منهم بلادها، فكان في السفينة رومي نجار بناء يسمى باقوم فلما
قدموا بالخشب مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا فأجمعوا لذلك وتعاونوا عليه وترافدوا
في النفقة وربعوا قبائل قريش أرباعاً ثم اقترعوا عند هبل في بطن الكعبة على
جوانبها فطار قدح بني عبد مناف وبني زهرة على الوجه الذي فيه الباب وهو الشرقي
وقدح بني عبد الدار وبني أسد بن عبد العزى وبني عدى بن كعب على الشق الذي يلي
الحجر وهو الشق الشامي وطار قدح بني سهم وبني جمح وبني عامر بن لؤي على ظهر الكعبة
وهو الشق الغربي وطار قدح بني تيم وبني مخزوم وقبائل من قريش ضموا معهم على الشق
اليماني الذي يلي الصفا وأجياد، فنلقوا الحجارة ورسول الله يومئذ غلام لم ينزل
عليه الوحي ينقل معهم الحجارة على رقبته فبينا هو ينقلها إذ انكشفت نمرة كانت عليه
فنودي يا محمد عورتك وذلك أول ما نودي والله أعلم فما رؤيت لرسول الله )ص( عورة
بعد ذلك ولبج رسول الله من الفزع حين نودي، فأخذه العباس بن عبد المطلب فضمه إليه
وقال: لو جعلت بعض نمرتك على عاتقك تقيك الحجارة، قال: ما أصابني هذا إلا من
التعري، فشد رسول الله )ص( أزاره وجعل ينقل معهم وكانوا ينقلون بأنفسهم تبرراً
وتبركاً بالكعبة. فلما اجتمع لهم ما يريدون من الحجارة والخشب وما يحتاجون إليه
عدوا على هدمها فخرجت الحية التي كانت في بطنها تحرسها سوداء الظهر، بيضاء البطن،
رأسها مثل رأس الجدي، تمنعهم كلما أرادوا هدمها، فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند مقام
إبراهيم وهو يومئذ بمكانه الذي هو فيه اليوم فقال لهم الوليد بن المغيرة: يا قوم
ألستم تريدون بهدمها الاصلاح ? قالوا: بلى. قال: فإن الله لا يهلك المصلحين ولكن لا
تدخلوا في عمارة بيت ربكم إلا من طيب أموالكم ولا تدخلوا فيه مالاً من ربا، ولا
مالاً من ميسر، ولا مهر بغي، وجنبوه الخبيث من أموالكم فإن الله لا يقبل إلا طيباً
ففعلوا ثم وقفوا عند المقام فقاموا يدعون ربهم ويقولون: اللهم إن كان لك في هدمها
رضاً فأتمه وأشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جو السماء كهيئة العقاب ظهره
أسود، وبطنه أبيض، ورجلاه صفراوان والحية على جدر البيت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم
طار بها حتى أدخلها أجياد الصغير فقالت قريش: انا لنرجوا أن يكون الله سبحانه
وتعالى قد رضي عملكم وقبل نفقتكم فأهدموه، فهابت قريش هدمه وقالوا: من يبدأ فيهدمه
? فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمه، أنا شيخ كبير فإن أصابني أمر كان
قد دنا أجلي وإن كان غير ذلك لم يرزأني فعلا البيت وفي يده عتلة يهدم بها فتزعزع
من تحت رجله حجر فقال: اللهم لم ترع ? انما أردنا الاصلاح وجعل يهدمه حجراً حجراً
بالعتلة فهدم يومه ذلك فقالت قريش: انا نخاف أن ينزل به العذاب إذا أمسى. فلما
أمسى، لم تر بأساً فأصبح الوليد بن المغيرة غادياً على عمله فهدمت قريش معه حتى
بلغوا الأساس الأول الذي رفع عليه إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت فأبصروا
حجارة كأنها الابل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلاً، يحرك الحجر منها فترتج
جوانبها، قد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين الحجرين فانفلقت
منه فلقة عظيمة فأخذها أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فنزت من يده حتى
عادت في مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف أبصارهم ورجفت مكة بأسرها؛ فلما
رأوا ذلك أمسكوا عن أن ينظروا ما تحت ذلك فلما جمعوا ما أخرجوا من النفقة قلت
النفقة عن أن تبلغ لهم عمارة البيت كله فتشاوروا في ذلك فأجمع رأيهم على أن يقصروا
عن القواعد ويحجروا ما يقدرون عليه من بناء البيت ويتركوا بقيته في الحجر عليه
جدار مدار يطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلك وبنوا في بطن الكعبة أساساً يبنون عليه
من شق الحجر وتركوا من ورائه من فناء البيت في الحجر ستة أذرع وشبراً فبنوا على
ذلك فلما وضعوا أيديهم في بنائها قالوا: ارفعوا بابها من الأرض واكبسوها حتى لا تدخلها
السيول ولا ترقا إلا بسلم ولا يدخلها إلا من أردتم إن كرهتم أحداً ذفعتموه،
ففعلوا ذلك وبنوها بساف من حجارة، وساف من خشب بين الحجارة حتى انتهوا إلى موضع
الركن فاختلفوا في وضعه وكثر الكلام فيه وتنافسوا في ذلك فقالت بنو عبد مناف
وزهرة: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت تيم ومخزوم: هو في الشق الذي وقع لنا وقالت
سائر القبائل: لم يكن الركن مما استهمنا عليه فقال أبو أمية بن المغيرة: يا قوم
إنما أرادنا البر، ولم نرد الشر فلا تحاسدوا، ولا تنافسوا فإنكم إذا اختلفتم تشتت
أموركم، وطمع فيكم غيركم ولكن حكموا بينكم أول من يطلع عليكم من هذا الفج، قالوا:
رضينا وسلمنا، فطلع رسول الله )ص( فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، فحكموه، فبسط
رداءه ثم وضع فيه الركن فدعا من كل ربع رجلاً فأخذوا بأطراف الثوب فكان من بني عبد
مناف عتبة بن ربيعة وكان في الربع الثاني أبو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Empty
مُساهمةموضوع: تكملة   أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 11:01 am

حتى
أن الحمام ليقع عليه فتتناثر حجارته؛ وكان ممن أشار عليه بهدمها جابر بن عبد الله
وكان جاء معتمراً وعبيد بن عمير وعبد الله بن صفوان بن أمية، فأقام أياماً يشاور
وينظر ثم أجمع على هدمها، وكان يحب أن يكون هو الذي يردها على ما قال رسول الله
)ص( على قواعد إبراهيم، وعلى ما وصفه رسول الله )ص( لعائشة رضي الله عنها، فأراد
أن يبنيها بالورس ويرسل إلى اليمن في ورس يشترى له، فقيل له: إن الورس يرفت ويذهب،
ولكن ابنها بالقصة، فسأل عن القصة فأخبر ان قصة صنعاء هي أجود القصة، فأرسل إلى
صنعاء بأربع مائة دينار يشترى له بها قصة ويكترى عليها، وأمر بتنجيح ذلك، ثم سأل
رجالاً من أهل العلم من أهل مكة، من أين أخذت قريش حجارتها ? فأخبروه بمقلعها،
فنقل له من الحجارة قدر ما يحتاج إليه، فلما اجتمعت الحجارة وأراد هدمها خرج أهل
مكة منها إلى منى، فأقاموا بها ثلاثاً فرقاً من أن ينزل عليهم عذاب لهدمها، فأمر
ابن الزبير بهدمها، فما اجترأ أحد على ذلك، فلما رأى ذلك، علاها هو بنفسه فأخذ
المعول وجعل يهدمها ويرمي بحجارتها، فلما رأوا أنه لم يصبه شيء، اجترأوا فصعدوا
يهدموها، وارقى ابن الزبير فوقها عبيداً من الحبش يهدمونها، رجاء أن يكون فيهم صفة
الحبشي، الذي قال رسول الله )ص(: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، قال وقال
مجاهد: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: كأني به أصيلع، أفيدع قائم عليها
يهدمها بمسحاته، قال مجاهد: فلما هدم ابن الزبير الكعبة، جئت أنظر، هل أرى الصفة
التي قال عبد الله بن عمرو ? فلم أرها فهدموها وأعانهم الناس، فما ترجلت الشمس حتى
ألصقها كلها بالأرض من جوانبها جميعاً، وكان هدمها يوم السبت النصف من جمادى
الآخرة سنة أربع وستين، ولم يقرب ابن عباس مكة حين هدمت الكعبة، حتى فرغ منها،
وأرسل إلى ابن الزبير لا تدع الناس بغير قبلة، أنصب لهم حول الكعبة الخشب، واجعل
عليها الستور حتى يطوف الناس من ورائها ويصلون إليها، ففعل ذلك ابن الزبير، وقال
ابن الزبير: أشهد لسمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله )ص(: ان قومك
استقصروا في بناء البيت، وعجزت بهم النفقة، فتركوا في الحجر منها أذرعاً، ولولا
حداثة قومك بالكفر، لهدمت الكعبة وأعدت ما تركوا منها، ولجعلت لها بابين موضوعين
بالأرض، باباً شرقياً يدخل منه الناس، وباباً غربياً يخرج منه الناس، وهل تدرين لم
كان قومك رفعوا بابها ? قالت: قلت: لا، قال: تعززاً أن لا يدخلها إلا من أرادوا،
فكان الرجل إذا كرهوا أن يدخلها، يدعونه أن يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل، دفعوه
فسقط، فإن بدا لقومك هدمها، فهلمي لأريك ما تركوا في الحجر منها، فأراها قريباً من
سبعة أذرع، فلما هدم ابن الزبير الكعبة وسواها بالأرض، كشف عن أساس إبراهيم فوجدوه
داخلاً في الحجر نحواً من ستة أذرع وشبر، كأنها أعناق الابل أخذ بعضها بعضاً، كتشبيك
الأصابع بعضها ببعض، يحرك الحجر من القواعد فتحرك الأركان كلها، فدعا ابن الزبير
خمسين رجلاً من وجوه الناس وأشرافهم وأشهدهم على ذلك الأساس، قال: فأدخل رجل من
القوم كان أيداً، يقال له: عبد الله بن مطيع العدوي، عتلة كانت في يده في ركن من
أركان البيت، فتزعزعت الأركان جميعاً، ويقال إن مكة كلها رجفت رجفة شديدة حين زعزع
الأساس، وخاف الناس خوفاً شديداً، حتى ندم كل من كان أشار على ابن الزبير بهدمها،
وأعظموا ذلك اعظاماً شديداً وأسقط في أيديهم، فقال لهم ابن الزبير: اشهدوا، ثم وضع
البناء على ذلك
الأساس، ووضع حدات الباب، باب الكعبة على مدماك على الشاذروان اللاصق بالأرض، وجعل
الباب الآخر بازائه في ظهر الكعبة مقابله، وجعل عتبته على الحجر الأخضر الطويل
الذي في الشاذروان الذي في ظهر الكعبة قريباً من الركن اليماني، وكان البناء يبنون
من وراء الستر، والناس يطوفون من خارج، فلما ارتفع البنيان إلى موضع الركن، وكان
ابن الزبير حين هدم البيت، جعل الركن في ديباجة وأدخله في تابوت وأقفل عليه ووضعه
عنده في دار الندوة، وعمد إلى ما كان في الكعبة من حلية فوضعها في خزانة الكعبة،
في دار شيبة بن عثمان، فلما بلغ البناء موضع الركن أمر ابن الزبير بموضعه، فنقر في
حجرين: حجر من المدماك الذي تحته، وحجر من المدماك الذي فوقه، بقدر الركن وطوبق
بينهما، فلما فرغوا منه، أمر ابن الزبير، ابنه عباد بن عبد الله بن الزبير، وجبير
بن شيبة بن عثمان، أن يجعلوا الركن في ثوب، وقال لهم ابن الزبير: إذا دخلت في الصلاة،
صلاة الظهر، فاحملوه واجعلوه في موضعه، فانا أطول الصلاة، فإذا فرغتم فكبروا حتى
أخفف صلاتي وكان ذلك في حر شديد فلما أقيمت الصلاة، كبر ابن الزبير وصلى بهم ركعة،
خرج عباد بالركن من دار الندوة وهو يحمله ومعه جبير بن شيبة بن عثمان، ودار الندوة
يومئذ قريبة من الكعبة، فخرقا به الصفوف حتى أدخلاه في الستر الذي دون البناء،
فكان الذي وضعه في موضعه هذا عباد بن عبد الله بن الزبير، وأعانه عليه جبير بن
شيبة، فلما أقروه في موضعه وطوبق عليه الحجران كبروا، فخفف ابن الزبير صلاته،
وتسامع الناس بذلك، وغضبت فيه رجال من قريش، حين لم يحضرهم ابن الزبير، وقالوا:
والله لقد رفع في الجاهلية حين بنته قريش، فحكموا فيه أول من يدخل عليهم من باب
المسجد، فطلع رسول الله )ص( فجعله في ردائه، ودعا رسول الله )ص( من كل قبيلة من
قريش رجلاً فأخذوا بأركان الثوب ثم وضعه رسول الله )ص( في موضعه، وكان الركن قد
تصدع من الحريق بثلاث فرق، فانشظت منه شية كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك بدهر
طويل، فشده ابن الزبير بالفضة، الا تلك الشظية من أعلاه موضعها بين في أعلى الركن
وطول الركن ذراعان، قد أخذ عرض جدار الكعبة، ومؤخر الركن داخله في الجدر، مضرس على
ثلاثة رؤوس، قال ابن جريج: فسمعت من يصف لون مؤخره الذي في الجدر، قال بعضهم: هو
مورد، وقال بعضهم: هو أبيض، قالوا: وكانت الكعبة يوم هدمها ابن الزبير ثمانية عشر
ذراعاً في السماء، فلما ان بلغ ابن الزبير بالبناء ثمانية عشر ذراعاً، قصرت بحال
الزيادة، التي زاد من الحجر فيها، واستسمج ذلك إذ صارت عريضة لا طول لها، فقال: قد
كانت قبل قريش تسعة أذرع حتى زادت قريش فيها تسعة أذرع طولاً في السماء، فانا أزيد
تسعة أذرع أخرى، فبناها سبعة وعشرين ذراعاً في السماء، وهي سبعة وعشرون مدماكاً،
وعرض جدارها ذراعان، وجعل فيها ثلاث دعائم، وكانت قريش في الجاهلية، جعلت فيها ست
دعائم، وأرسل ابن الزبير إلى صنعاء فأتى من رخام بها يقال له البلق، فجعله في
الروازن التي في سقفها للضوء، وكان باب الكعبة قبل بناء ابن الزبير مصراعاً
واحداً، فجعل له ابن الزبير مصراعين طولهما أحد عشر ذراعاً من الأرض إلى منتهى أعلاهما
اليوم، وجعل الباب الآخر الذي في ظهرها بازائه على الشاذروان الذي على الأساس
مثله، وجعل ميزابها يسكب في الحجر، وجعل لها درجة في بطنها في الركن الشامي من خشب
معرجة يصعد فيها إلى ظهرها، فلما فرغ ابن الزبير من بناء الكعبة، خلقها من داخلها
وخارجها من أعلاها إلى أسفلها، وكساها القباطي، وقال: من كانت لي عليه طاعة فليخرج
فليعتمر من التنعيم، فمن قدر أن ينحر بدنة فليفعل، ومن لم يقدر على بدنة فليذبح
شاة، ومن لم يقدر فليتصدق بقدر طوله، وخرج ماشياً وخرج الناس معه مشاة حتى اعتمروا
من التنعيم، شكراً لله سبحانه، ولم ير يوماً كان أكثر عتيقاً ولا أكثر بدنة منحورة
ولا شاة مذبوحة ولا صدقة من ذلك اليوم، ونحر ابن الزبير مائة بدنة، فلما طاف
بالكعبة استلم الأركان الأربعة جميعاً، وقال: انما كان ترك استلام هذين الركنين
الشامي والغربي، لأن البيت لم يكن تاماً، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير إذا
طاف به الطائف استلم الأركان جميعاً، ويدخل البيت من هذا الباب ويخرج من الباب
الغربي، وأبوابه لاصقة بالأرض، حتى قتل ابن الزبير رحمه
الله ودخل الحجاج مكة، فكتب إلى عبد الملك بن مروان، إن ابن الزبير زاد في البيت
ما ليس منه، وأحدث فيه باباً آخر، فكتب إليه يستأذنه في رد البيت على ما كان عليه
في الجاهلية، فكتب إليه عبد الملك بن مروان إن سد بابها الغربي، الذي كان فتح ابن
الزبير، واهدم ما كان زاد فيها من الحجر، واكبسها به على ما كانت عليه، فهدم
الحجاج منها ستة أذرع وشبراً، مما يلي الحجر، وبناها على أساس قريش الذي كانت
استقصرت عليه، وكبسها بما هدم منها، وسد الباب الذي في ظهرها، وترك سائرها لم يحرك
منها شيئاً، فكل شيء فيها اليوم بناء ابن الزبير، إلا الجدر الذي في الحجر، فإنه
بناء الحجاج وسد الباب الذي في ظهرها، وما تحت عتبة الباب الشرقي الذي يدخل منه
اليوم إلى الأرض أربعة أذرع وشبر، كل هذا بناء الحجاج، والدرجة التي في بطنها
اليوم والبابان اللذان عليها اليوم هما أيضاً من عمل الحجاج، فلما فرغ الحجاج من
هذا كله، وفد بعد ذلك الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي على عبد الملك بن
مروان، فقال له عبد الملك: ما أظن أبا خبيب يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما كان
يزعم انه سمع منها في أمر الكعبة، فقال الحارث: أنا سمعته من عائشة، قال: سمعتها
تقول ماذا ? قال: سمعتها تقول: قال لي رسول الله )ص(: إن قومك استقصروا في بناء
البيت، ولولا حداثة عهد قومك بالكفر، أعدت فيه ما تركوا منه، فإن بدا لقومك أن
يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه، فأراها قريباً من سبعة أذرع، وقال رسول الله )ص(:
وجعلت لها بابين موضوعين على الأرض باباً شرقياً يدخل الناس منه، وباباً غربياً
يخرج الناس منه، قال عبد الملك بن مروان أنت سمعتها تقول هذا، قال: نعم يا أمير
المؤمنين أنا سمعت هذا منها، قال فجعل ينكت منكسا بقضيب في يده ساعة طويلة، ثم قال
وددت والله اني تركت ابن الزبير وما تحمل من ذلك، قال ابن جريج: وكان باب الكعبة،
الذي عمله ابن الزبير، طوله في السماء أحد عشر ذراعاً، فلما كان الحجاج نقض من
الباب أربعة أذرع وشبراً، عمل لها هذين البابين وطولهما ستة أذرع وشبراً، فلما كان
في خلافة الوليد بن عبد الملك، بعث إلى واليه على مكة خالد بن عبد الله القسري
بستة وثلاثين ألف دينار، فضرب منها على بابي الكعبة، صفائح الذهب، وعلى ميزاب
الكعبة وعلى الأساطين التي في بطنها وعلى الأركان في جوفها، قال أبو الوليد قال
جدي فكلما كان على الميزاب وعلى الأركان في جوفها من الذهب، فهو من عمل الوليد ابن
عبد الملك، وهو أول من ذهب البيت في الاسلام، فأما ما كان على الباب من عمل الوليد
بن عبد الملك من الذهب، فإنه رق وتفرق، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين محمد بن الرشيد
في خلافته، فأرسل إلى سالم بن الجراح، عامل كان له على صوافي مكة، بثمانية عشر ألف
دينار ليضرب بها صفائح الذهب على بابي الكعبة، فقلع ما كان على الباب من الصفائح،
وزاد عليها من الثمانية عشر ألف دينار، فضرب عليه الصفائح التي هي عليه اليوم
والمسامير وحلقتا باب الكعبة، وعلى الفياريز والعتب وذلك كله من عمل أمير المؤمنين
محمد بن هارون الرشيد، ولم يقلع في ذلك بابي الكعبة، ولكن ضربت عليهما الصفائح
والمسامير وهما على حالهما، قال أبو الوليد: أخبرني المثنى بن جبير الصواف انهم
حين فرقوا ذهب باب الكعبة، وجدوا فيه ثمانية وعشرين ألف مثقال، فزادوا عليها خمسة
عشر ألف دينار، وإن الذي على الباب من الذهب ثلاثة وثلاثون ألف دينار، وقالوا
أيضاً انه لما قلع الذهب عن الباب البس الباب ثوباً أصفر؛ قال ابن جريج: وعمل
الوليد بن عبد الملك الرخام الأحمر والأخضر والأبيض الذي في بطنها مؤزراً به
جدراتها، وفرشها بالرخام وأرسل به من الشام، وجعل الجزعة التي تلقى من دخل الكعبة،
من بين يدي من قام يتوخى مصلى رسول الله )ص( في موضعها، وجعل عليها طوقاً من ذهب،
فجميع ما في الكعبة من الرخام فهو من عمل الوليد ابن عبد الملك، وهو أول من فرشها
بالرخام وأزر به جدراتها، وهو أول من زخرف المساجد.ودخل الحجاج مكة، فكتب إلى عبد
الملك بن مروان، إن ابن الزبير زاد في البيت ما ليس منه، وأحدث فيه باباً آخر،
فكتب إليه يستأذنه في رد البيت على ما كان عليه في الجاهلية، فكتب إليه عبد الملك
بن مروان إن سد بابها الغربي، الذي كان فتح ابن الزبير، واهدم ما كان زاد فيها من
الحجر، واكبسها به على ما كانت عليه، فهدم الحجاج منها ستة أذرع وشبراً، مما يلي
الحجر، وبناها على أساس قريش الذي كانت استقصرت عليه، وكبسها بما هدم منها، وسد
الباب الذي في ظهرها، وترك سائرها لم يحرك منها شيئاً، فكل شيء فيها اليوم بناء
ابن الزبير، إلا الجدر الذي في الحجر، فإنه بناء الحجاج وسد الباب الذي في ظهرها،
وما تحت عتبة الباب الشرقي الذي يدخل منه اليوم إلى الأرض أربعة أذرع وشبر، كل هذا
بناء الحجاج، والدرجة التي في بطنها اليوم والبابان اللذان عليها اليوم هما أيضاً
من عمل الحجاج، فلما فرغ الحجاج من هذا كله، وفد بعد ذلك الحارث بن عبد الله بن
أبي ربيعة المخزومي على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: ما أظن أبا خبيب
يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم انه سمع منها في أمر الكعبة، فقال الحارث:
أنا سمعته من عائشة، قال: سمعتها تقول ماذا ? قال: سمعتها تقول: قال لي رسول الله
)ص(: إن قومك استقصروا في بناء البيت، ولولا حداثة عهد قومك بالكفر، أعدت فيه ما
تركوا منه، فإن بدا لقومك أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه، فأراها قريباً من
سبعة أذرع، وقال رسول الله )ص(: وجعلت لها بابين موضوعين على الأرض باباً شرقياً
يدخل الناس منه، وباباً غربياً يخرج الناس منه، قال عبد الملك بن مروان أنت سمعتها
تقول هذا، قال: نعم يا أمير المؤمنين أنا سمعت هذا منها، قال فجعل ينكت منكسا
بقضيب في يده ساعة طويلة، ثم قال وددت والله اني تركت ابن الزبير وما تحمل من ذلك،
قال ابن جريج: وكان باب الكعبة، الذي عمله ابن الزبير، طوله في السماء أحد عشر
ذراعاً، فلما كان الحجاج نقض من الباب أربعة أذرع وشبراً، عمل لها هذين البابين
وطولهما ستة أذرع وشبراً، فلما كان في خلافة الوليد بن عبد الملك، بعث إلى واليه
على مكة خالد بن عبد الله القسري بستة وثلاثين ألف دينار، فضرب منها على بابي
الكعبة، صفائح الذهب، وعلى ميزاب الكعبة وعلى الأساطين التي في بطنها وعلى الأركان
في جوفها، قال أبو الوليد قال جدي فكلما كان على الميزاب وعلى الأركان في جوفها من
الذهب، فهو من عمل الوليد ابن عبد الملك، وهو أول من ذهب البيت في الاسلام، فأما
ما كان على الباب من عمل الوليد بن عبد الملك من الذهب، فإنه رق وتفرق، فرفع ذلك
إلى أمير المؤمنين محمد بن الرشيد في خلافته، فأرسل إلى سالم بن الجراح، عامل كان
له على صوافي مكة، بثمانية عشر ألف دينار ليضرب بها صفائح الذهب على بابي الكعبة،
فقلع ما كان على الباب من الصفائح، وزاد عليها من الثمانية عشر ألف دينار، فضرب
عليه الصفائح التي هي عليه اليوم والمسامير وحلقتا باب الكعبة، وعلى الفياريز
والعتب وذلك كله من عمل أمير المؤمنين محمد بن هارون الرشيد، ولم يقلع في ذلك بابي
الكعبة، ولكن ضربت عليهما الصفائح والمسامير وهما على حالهما، قال أبو الوليد:
أخبرني المثنى بن جبير الصواف انهم حين فرقوا ذهب باب الكعبة، وجدوا فيه ثمانية
وعشرين ألف مثقال، فزادوا عليها خمسة عشر ألف دينار، وإن الذي على الباب من الذهب
ثلاثة وثلاثون ألف دينار، وقالوا أيضاً انه لما قلع الذهب عن الباب البس الباب
ثوباً أصفر؛ قال ابن جريج: وعمل الوليد بن عبد الملك الرخام الأحمر والأخضر
والأبيض الذي في بطنها مؤزراً به جدراتها، وفرشها بالرخام وأرسل به من الشام، وجعل
الجزعة التي تلقى من دخل الكعبة، من بين يدي من قام يتوخى مصلى رسول الله )ص( في
موضعها، وجعل عليها طوقاً من ذهب، فجميع ما في الكعبة من الرخام فهو من عمل الوليد
ابن عبد الملك، وهو أول من فرشها بالرخام وأزر به جدراتها، وهو أول من زخرف
المساجد.

وحدثني جدي قال لما جرد حسين بن حسن الطالبي الكعبة في سنة مايتين، في الفتنة، لم
يبق عليها شيئاً مما كان عليها من الكسوة، فجئت فاستدرت بجوانبها وعددت مداميكها
فوجدتها سبعة وعشرين مدماكاً، ورأيت موضع الصلة التي بنى الحجاج، مما يلي الحجر،
أثر لحم البناء فيها، بين بناء ابن الزبير القديم وبين بناء الحجاج بن يوسف، شبه
الصدع، وهو منه كالمتبري بأقل من الاصبع من أعلاها بين، ذلك لمن رآه، ورأيت موضع
الباب الذي سده الحجاج في ظهر الكعبة على الحجر الأخضر الذي في الشاذروان، تبين
حداته من أعلاه إلى أسفله، ورأيت السد الذي في الباب الشرقي الذي يدخل منه اليوم
من العتبة إلى الأرض، وحجارة سد الباب الذي في ظهرها وما بني من هذا الباب الشرقي،
ألطف من حجارة مداميك جدران الكعبة بكثير، وكل ذلك بالمنقوش.
حدثني جدي قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال حدثنا عبد الله ابن أبي بكر
بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة أم
المؤمنين عن النبي )ص( انه قال لها: يا عائشة لولا حداثة قومك بالكفر لرددت في
الكعبة ما نقصوا منها، ولجعلت لها باباً آخر.
حدثني جدي قال حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا حسين بن عبد الله ابن عبيد الله بن
عباس عن عكرمة عن ابن عباس، إن النبي )ص( قال لعائشة: إذا فتح الله لي إن شاء
الله، رددت الكعبة على ما كانت عليه على عهد إبراهيم، فادخلت من الحجر فيها، وجعلت
لها باباً بالأرض، وجعلت لها باباً آخر، فإن قريشاً انما جعلوا الدرجة، لأن لا
يدخل الناس إلا باذن، حدثني جدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن داود بن سابور عن
مجاهد، قال: لما عزم ابن الزبير على هدم الكعبة، خرجنا إلى منى ننتظر العذاب
ثلاثاً، وأمر ابن الزبير الناس أن يهدموا، فلم يجترئ أحد على هدمها، فلما رآهم لا
يقدمون عليها، أخذ هو بنفسه المعول ثم ارتقى فوقها فهدم، فلما رأى الناس انه لم
يصبه شيء اجترءوا على هدمها، قال: فهدموا وادخل عامة الحجر فيها، فلما ظهر الحجاج،
رد الذي كان ابن الزبير ادخل من الحجر، فقال عبد الملك بن مروان، وددنا أنا تركنا
أبا خبيب وما تولى من ذلك يعني ابن الزبير .
وحدثني جدي قال حدثنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: رأيت ابن الزبير
هدم الكعبة وأراهم أساساً داخلاً في الحجر أخذ بعضه بعضاً، كلما حرك منه شيء تحرك
كله، فبنى عليه الكعبة.
حدثني مهدي بن أبي المهدي عن عيسى بن يونس عن عبد الله بن مسلم ابن هرمز، قال
حدثني يزيد مولى ابن الزبير قال: شهدت ابن الزبير احتفر في الحجر، فأصاب أساس
البيت حجارة حمر كأنها الخلايق، تحرك الحجر فيهتز له البيت، فأصاب في الحجر من
البيت ستة أذرع وشبراً، وأصاب فيه موضع قبر، فقال ابن الزبير: هذا قبر إسماعيل،
فجمع قريشاً ثم قال لهم اشهدوا ثم بنى.
حدثني محمد بن واضح عن سليم بن مسلم عن عمر بن قيس عن سعيد بن مينا وكان على سوق
مكة لابن الزبير قال: لما أراد ابن الزبير بناء الكعبة عالج الأساس، فإذا وضع
الباني العتلة في حجر ارتجت جوانب البيت، فأمسك عنه، حدثني إبراهيم بن محمد
الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله ابن أبي يزيد قال: رأيت ابن الزبير، حين
هدم الكعبة، فأراهم أساساً آخذاً بعضه ببعض، كلما حرك منه شيء تحرك كله، قال:
فرأيت فضل البيت في الحجر، قال سفيان: فذكر نحواً من ستة أذرع.
حدثني جدي قال حدثنا مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن سليمان بن مينا عن عبد الله
بن عمرو بن العاص، قال: إذا رأيت قريشاً هدموا البيت لم بنوه فزوقوه، فإن استطعت
أن تموت فمت.

حدثني جدي عن مسلم بن خالد الزنجي، عن يسار بن عبد الرحمن، قال: شهدت ابن الزبير
حين فرغ من بناء البيت، كساه القباطي، وقال: من كانت لي عليه طاعة فليخرج فليعتمر
من التنعيم، قال: فما رأيت يوماً كان أكثر عتيقاً ولا أكثر بدنة مذبوحة من يومئذ،
أخبرني محمد بن يحيى عن الواقدي عن موسى بن يعقوب عن عمه، قال: هدم ابن الزبير
البيت حتى وضعه بالأرض، وبناها من أسها وأدخل الحجر عنده، وكان قد احترق، واحترق
الخشب والحجارة، وانصدع الركن بثلاث فرق، فرأيته منكسراً، حتى شده ابن الزبير
بالفضة، ثم أدخل الحجر في البيت، ونصب الخشب حول البيت، ثم سترها، وبنوا من وراء
الستر، حتى بلغ الركن الأسود، فوضعه وشده بالفضة، ثم رد البيت على بنائه، وزاد في
طولها فجعلها سبعة وعشرين ذراعاً، وخلق جوفها، ولطخ جدرها بالمسك حين فرغ منها،
وجعل لها بابين موضوعين بالأرض، باباً في وجهها، وباباً بازائه من خلفها، يدخل من
هذا الذي في وجهها ويخرج من الآخر، واعتمر حين فرغ من الكعبة، ماشياً مع رجال من
قريش وغيرهم، منهم عبد الله بن صفوان وعبيد بن عمير، حدثني محمد بن يحيى عن
الواقدي عن موسى بن يعقوب عن عمه عن الحارث بن عبد الله بن وهب بن زمعة، قال:
ارتحل الحصين ابن نمير من مكة، لخمس ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين،
وأمر ابن الزبير بالخصاص التي كانت حول الكعبة فهدمت، وبالمسجد فكنس مما فيه من
الحجارة والدماء، فإذا الكعبة متوهنة ترتج من أعلاها إلى أسفلها، فيها أمثال جيوب
النساء من حجارة المنجنيق، وإذا الركن قد اسود واحترق وتفلق من الحريق، فرأيته
ثلاث فرق، فشاور ابن الزبير الناس في هدمها، فأشار عليه جابر بن عبد الله، وعبيد
بن عمير بهدمها، وأبى ذلك عليه ابن عباس، وقال: أنا أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها،
فلا تزال تهدم وتبنى، فيتهاون الناس بحرمتها، فلا أحب ذلك، أخبرني محمد بن يحيى عن
الواقدي عن شرحبيل عن أبي عون عن أبيه قال: رأيت الحجر قد انفلق واسود من الحريق،
فانظر إلى جوفه أبيض كأنه الفضة، وقد كان شاور المسور بن مخرمة بن نوفل قبل أن
يموت، بهدمها وبنائها، فأشار عليه بذلك.
حدثنا محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد الله بن محمد عن أبيه عن جده، انه سمع عبد
الله بن عمر، يسأل نايل بن قيس الجذامي عن الأساس، فقال نايل اتبعنا الأساس في
الحجر، فوجدنا أساس البيت وأصلاً بالحجر، كأنه أصابعي هذه، وشبك بين أصابعه، فسمعت
ابن عمر يكبر ويحمد الله عز وجل على ذلك، أخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن محمد
بن عمرو عن أبي الزبير، قال: سمعت عبد الرحمن بن سابط يقول: دعانا ابن الزبير،
خمسين رجلاً من قريش، فنظرنا إلى الأساس، فإذا هو واصل بالحجر، مشبك كاصابع يدي
هاتين، وشبك بين أصابعه، فقال ابن الزبير: اشهدوا ثم بنى. قال عبد الرحمن بن سابط:
فجلست مع ابن عباس فأخبرته، فقال ابن عباس: ما زلنا نعلم ان من البيت في الحجر.
حدثنا محمد بن يحيى، عن الواقدي عن إبراهيم بن موسى عن عكرمة ابن خالد المخزومي،
قال: هدم ابن الزبير البيت حتى سواه بالأرض، وحفر أساسه وادخل الحجر فيه، وكان
الناس يطوفون من وراء الستر ويصلون إلى موضعه، وجعل الركن في تابوت، في سرقة من
حرير، فأما ما كان من حلي البيت وما وجد فيه من ثياب أو طيب، فانه جعله عند الحجبة
في خزانة الكعبة، حتى أعاد بناءها، قال عكرمة: فرأيت الحجر الأسود، فإذا هو ذراع أو
يزيد، وأخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن شرحبيل بن أبي عون عن أبيه، قال: لما
هدم عبد الله بن الزبير البيت، ندم كل من كان أشار عليه واعظموا ذلك.
حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي عن سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن عكرمة عن
ابن عباس، انه أبى على ابن الزبير هدمها، وقال: أخاف أن يأتي بعدك من يهدمها، ثم
يأتي بعد ذلك آخر، فإذا هي تهدم أبداً وتبنى، فسكت عبد الله بن الزبير، ولم يقرب
ابن عباس مكة حتى فرغ منها.
انتهى الموضوع
أرجوا الدعاء الصالح لي ولوالدي



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
 
أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أخبار الدولة العباسية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الموسوعة العاترية للبحوث  :: منتدى حرف الألف-
انتقل الى: