استمر حكم شبه الجزيرة الكورية من قبل
حكومة واحدة محافظة على استقلالها السياسي وتراثها الثقافي والعرقي بعد أن
قام ملك مملكة "شيلا" بتوحيدها في عام 668 على الرغم من الغزوات الأجنبية
المتلاحقة.
وبذلت كل من مملكتي " كو
ريو"(918-1392) و" تشو سون"(1392-1910) جهودهما لتعزيز قوتهما وازدهارهما
الثقافي بينما ظلت مملكة "كو ريو تصد الهجومات المستمرة من القيدان
والمغول واليابان. والمؤسس الأول لمملكة " كو ريو" هو الجنرال " وانغ كون"
الذي خدم كأمير ثائر من مملكة " شيلا". وأختير ملكاً " وانغ كون" لمدينة "
سونغ آك"(أي، مدينة " كاي سونغ" في كوريا الشمالية حاليًا) والتي ولد فيها
حيث جعلها عاصمة مملكة " كو ريو" وبذلك يعنى أن الملك " وانغ كون" قد أعلن
هدفه لاستعادة الأراضي السليبة من مملكة " كو غو ريو" في شمال شرق الصين.
وأطلق ملك "وانغ كون"على مملكته اسم "
كو ريو" الذي ينحدر منه اسم كوريا الحالي. وبالرغم من أن مملكة " كو ريو"
لم تتمكن من استعادة أراضيها السليبة، إلا أنها حققت منجزاتها الثقافية
الرائعة بما فيها الجرة الجزفية الزرقاء (أي " سيلادون" بالإنكليزية)
وازدهار التقاليد البوذية. ومن أشهر منجزاتها اختراع أول آلة طابعة متحركة
معدنية في عام 1234، أي قبل 200 سنة من "غوتنبيرغ" الذي اخترع آلة الطباعة
المعدنية في ألمانيا. وفي هذه الفترة، أكمل الفنانون الكورين المهرة
الإنجاز العملاق الخاص بنقش محتويات الكتب المقدسة للبوذية على لوحات
خشبية كبيرة يبلغ عددها أكثر من 80000 لوحة. وهذا لان شعب ممكلة " كو ريو"
رجا بهذا العمل استنصار بوذا لصد الهجوم المغولي. والآن هذه اللوحات
الخشبية محفوظة في معبد "هاي إن سا" التاريخي.
ومع مرور السنوات، ضعفت مملكة " كو
ريو" بسبب الصراع الدائر بين العلماء والمحاربين ،أي بين الكنفوشيوسيين
والبوذيين. وكذلك " أمام الهجوم المغولي الذي بدأ في عام1231 على الرغم من
مقاومة مواطني مملكة " كو ريو" المستميتة. وقد حكم المغول مملكة كوريو
قرناً من الزمن تقريباً.
مملكة " تشو سون"
أسس الجنرال " لي سونغ كيه" مملكة
جديدة اسمها " تشو سون" في عام 1392. ودعم ملوك مملكة " تشو سون"
الكنفوشيوسية كفلسفة ارشادية للمملكة في بداية عصرها. وذلك من أجل إزالة
التأثيرات البوذية المسيطرة خلال عصر مملكة " كو ريو".
وحكم ملوك مملكة " تشو سون" شعبهم
ومملكتهم باستخدام النظام السياسي المتوازن. وجرت الاختبارات كقناة رئيسية
لتعيين الموظفين الحكوميين. ولعبت هذه الاختبارات دور العمود الفقري لكل
الأنشطة الاجتماعية والفكرية خلال فترة مملكة " تشو سون". لكن مجتمع مملكة
" تشو سون" المبني على الكونفوشيوسية اهتم بالتربية الأكاديمية اهتمامًا
كبيرًا بينما ضعفت الأنشطة التجارية والإنتاجية عامة.
وشهد عصر ملك " سيه جونغ" العظيم
(1418-1450)، الملك الرابع في مملكة "تشو سون" ذروة الازدهار في مجالات
الثقافة والفن والسياسة. وفي هذا العصر، اخترع العلماء في معهد الأكاديمية
الملكية الحروف الكورية المسماة بـ "هان كول" تحت رعاية ملك " سيه جونغ"
العظيم والتي سميت "هون مين جونغ ووم" أو " نظام الأصوات الصحيحة لتربية
الشعب".
وأبدى الملك " سيه جونغ" العظيم
اهتماماته الخاصة في العلوم الفلكية حيث أنه أشرف على اختراع كثير من
الآلات العلمية بما فيها الساعة الشمسية والساعة المائية والكرة السماوية
والخارطة الفلكية وغيرها. وتنازل عن العرش لابنه الملك " مون
جونغ"(1450-1452) إلا أن ولي العهد البالغ من العمر 11 عامًا فقط " تان
جونغ" تولى العرش بعد وفاة أبيه الملك " مون جونغ" في عام 1452.
وفي عام 1455، اغتصب الأمير " سو يانغ
تاي كون" وهو عم الملك " تان جونغ" العرش من الملك الصغير السن وأصبح
ملكًا باسم " سيه جو". قام الملك " سيه جو"(1455-1468) بتأسيس الإطار
التنفيذي للحكومة وبسنّ مجموعة القوانين المسماة بـ " كيونغ كوك داي جون".
في عام 1592، قامت اليابان بغزو مملكة
" تشو سون" كي تمهد الطريق إلى الصين. وقام أمير البحر " لي سون
سين"(1545-1598) وهو أحد أهم الشخصيات البارزة في تاريخ كورية بشنّ
مناورات بحرية عديدة ضد اليابان وباستخدام سفينة " كيو بوك سون(سفينة
السلحفاة)" التي تعتبر أول سفينة حربية مصفحة بألواح من الحديد في تاريخ
العالم.
وبالنسبة للهجوم البري، قاتل العديد من
الرهبان البوذيين والمحاربين المتطوعين ومعظمهم من الفلاحين الأشداء
بالبسالة والشجاعة. وبدأت اليابان في انسحاب قواتها من كوريا بعد موت
قائدها الحربي " تويوتومي هيديوسي". وأخيرًا انتهت هذه الحرب في عام 1598
لكنها أثرت على المملكتين المتحاربتين " تشو سون" الكورية و" مينغ"
الصينية في الوقت نفسه. وخلال هذه الحرب، تم إرسال العديد من الفنانين
والفنيين إلى جانب الخزافين إلى اليابان إجباريًا.
ظهرت حركة علم " سيل هاك(أي ، مذهب
التعليم العلمي)" في أوائل القرن السابع عشر واحتلت مكانة عالية بين
العلماء الحكوميين الليبراليين كوسيلة لبناء دولة حديثة.
وأكدت هذه الحركة ضرورة القيام
بإصلاحات في المجالات الزراعية والصناعية وبخاصة كإصلاح جذري في توزيع
الأراضي. إلا أن الحكومة الأربتقراطية المحافظة لم تكن مستعدة للتأقلم مع
هذه التغيرات الشديدة.
وفي أواخر عصر مملكة " تشو سون" شهدت
الحكومة التنفيذية والطبقات العليا ظاهرة التحزب المستمر. وأخيرًا تبنى
ملك "يونغ جو"(1724-1776) سياسة العدالة والنزاهة لتصحيح هذه الأوضاع
السياسية الأمر الذي يقدّره على تدعيم السلطة الملكية وإحراز الاستقرار
السياسي.
أما الملك "جونغ جو"(1776-1800) فقام
وباستمرار في سياسة العدالة والنزاهة وإنشاء مكتبة ملكية لحفظ الوثائق
والسجلات الملكية. كما قام بإصلاح المجالات الثقافية والسياسية. وشهدت
فترة الملك "جونغ جو" ازدهاراً علمياً " سيل هاك" حيث أن العديد من
العلماء البارزين ألفوا كثيرًا من الكتب التي تشجع الإصلاحات الزراعية
والصناعية. لكن الحكومة لم تتخذ هذه الأفكار إلا قليلا.
الاحتلال الياباني وحركة الاستقلال الكورية
في القرن التاسع عشر ما زالت كوريا
مملكة مغلقة على نفسها ولم تفتح بابها أمام مطالب الغرب بتشكيل العلاقات
الدبلوماسية والتجارية. ومع مرور الوقت تنافس العديد من الدول الأوروبية
والآسيوية ذات الأطماع الإمبرالية للحصول على قوة التأثيرات في شبه
الجزيرة الكورية. واحتلت اليابان التي فازت على الصين وروسيا في هذه
التنافسات كوريا بالقوة وبدأت الحكم الاستعماري في كوريا من عام 1910-1945.
استنفر هذا الحكم الاستعماري الياباني
وطنية الكوريين. وأثارت سياسة الاستيعاب المفكرين الكوريين التي اتخذتها
اليابان رسميًا لانها أرغمت الكوريين على التخلي عن تربية الطلاب الكوريين
بالكورية في المدارس الكورية. وفي 1 مارس عام 1919 بدأ الكوريون في
مظاهرات وطنية واسعة النطاق ضد الاحتلال الياباني في كل أنحاء شبه الجزيرة
الكورية الأمر الذي أسفر عن آلاف الضحايا فيها.
وعلى الرغم من فشل حركة الاستقلال في 1
مارس عام1919، إلا أنها عززت الهوية القومية والوطنية بين الكوريين.
وأسفرت هذه الحركة عن تشكيل الحكومة المؤقتة في مدينة شانغهاي الصينية إلى
جانب النضال المسلح المنظم ضد المستعمرين اليابانيين في منشوريا. وما زالت
روح حركة الاستقلال هذه مخلدة بين الكوريين من حيث أن اليوم الأول من مارس
أصبح عطلة وطنية.
كان مستوى معيشة الكوريين منخفضًا تحت
الحكم الاستعماري الياباني حتى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية
عام 1945. خلال فترة الحكم الاستعماري قامت اليابان باستغلال الاقتصاد
الكوري.
تأسيس جمهورية كوريا
تلقى الشعب الكوري خبر هزيمة اليابان
في الحرب العالمية الثانية بابتهاج وسرور. ولكن لم يستمر ابتهاج الشعب
الكوري طويلا. لأن التحرر لم يسفر مباشرة عن الاستقلال الذي ناضل الكوريون
من أجله.
وذلك لان شبه الجزيرة الكورية قد انقسم
إلى قسمين بسبب الاختلافات الإيديولوجية الناتجة عن الحرب الباردة. وفشلت
جهود الكوريين لإنشاء حكومة مستقلة عندما احتلت قوات الولايات المتحدة
الشطر الجنوبي في شبه الجزيرة الكورية وبدأ الاتحاد السوفيتي يسيطر على
الشطر الشمالي.
وفي نوفمبر 1947، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى إجراء انتخابات في كوريا تحت رعاية الأمم المتحدة.
لكن الاتحاد السوفيتي أظهر رفضه بشأن
تنفيذ القرار ودخول لجنة الأمم المتحدة إلى الشطر الشمالي من شبه الجزير
الكورية. وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى إجراء
انتخابات في المناطق التي يمكن للجنة الأمم المتحدة من دخولها. وفي 10
مايو 1948، جرت الانتخابات الأولى في كوريا وبخاصة في مناطق جنوب خط عرض
38 وأصبح هذا الخط خطًا يقسم شبه الجزيرة الكورية إلى شمال وجنوب.
وتم انتخاب د. لي سونغ مان كأول رئيس
لجمهورية كوريا في عام 1948. بينما أسس نظام حكم شيوعي في منطقة شمال خط
عرض 38 تحت قيادة الزعيم كيم إيل سونغ.
وفي 25 يونيو 1950، شنت كوريا الشمالية
غزوا مباغتا شاملا على كوريا الجنوبية وبدأت حرب استمرت ثلاث سنوات الأمر
الذي أدى إلى دمار شامل على شبه الجزيرة الكورية. ووقعتا الكوريتان
الجنوبية والشمالية اتفاقية على هدنة الحرب في يوليو عام 1953.
وأسفرت الحرب عن قتل أكثر من 3 ملايين
نسمة بين قتيل وجريح وملايين من المشردين والعوائل المقسمة واستمر
الاضطراب الاجتماعي الخطير تحت حكومة الرئيس لي سونغ مان.
لم تكن ديمقراطية كوريا ناضجة في ذلك
الوقت وواجهت كوريا الجنوبية العديد من الصعوبات السياسية والاقتصادية.
وتخلى الرئيس لي سونغ مان عن الحكم في إبريل 1960 نتيجة للمظاهرات التي
قادها الطلبة. وتم تأسيس الجمهورية الكورية الثانية في حين شكل الحزب
الديمقراطي الذي يترأسه تشانغ ميون حكومة في أغسطس 1960.
لكن الجمهورية الثانية لم تستمر طويلا
بسبب الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال" بارك جونغ هي" في 16 مايو 1961.
الذي تولى رئاسة المجلس الأعلى لإعادة البناء القومي برئاسة الجنرال "
بارك جونغ هي" وظائف السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية للحكومة.
وأصبح بارك رئيسًا من خلال انتخاب تم
في عام 1963. واهتمت حكومة بارك بالتصنيع السريع ونجحت في النمو الاقتصادي
المتقدم خلال الستينات والسبعينات وذلك يسمى بـ "المعجزة على نهر هان
كانغ". إلا أن حكمه أسفر عن الحدود القاسية على الحقوق السياسية والحرية
المدنية.
أدى اغتيال الرئيس بارك في اكتوبر 1979
إلى فترة الحكم الانتقالي تحت القانون العسكري. وتم استقالة الرئيس تشوي
كيو ها في أغسطس 1980 والذي يعتبر رئيسًا أمينًا. ثم انتخب المؤتمر القومي
للوحدة القائد جون دو هوان لفرقة مكونة من كبار الضباط رئيسًا لجمهورية
كوريا.
توحدت الحركات الرامية إلى الديمقراطية خلال الثمانينات وأخيرًا تمت إعادة ضمان حق الانتخاب المباشر في الدستور في عام 1987.
وانتخب الجنرال السابق روه تاي وو
كرئيس لجمهورية كوريا تحت مظلة الدستور الجديد وفتحت الديمقراطية التي
أحرزت في فترة حكم الرئيس روه تاي وو بابًا لانتخاب أول رئيس مدني منذ 32
عامًا.
وفي عام 1992، تم انتخاب السياسي الديمقراطي كيم يونغ سام رئيسًا لجمهورية كوريا.
وفي الانتخابات الرئاسية عام 1997،
انتخب القائد كيم داي جونغ لحزب معارض رئيسي باسم "حزب الموتمر القومي
للسياسات الجديدة(ncnp) رئيسًا لجمهورية كوريا وتسمى إدارته بـ "حكومة
الشعب". وتولت حكومة الرئيس كيم داي جونغ الحكم من خلال أول انتقال سلمي
للسلطة في تاريخ كوريا من حزب حاكم إلى حزب معارض.
بدأت إدارة روه مو هيون التي تسمى بـ "
حكومة المشاركة" في 25 فبراير 2003. تهدف إدارة روه التي تعتبر الإدارة
السادسة عشرة في تاريخ جمهورية كوريا إلى ثلاث سياسات كما
يلي:"الديمقراطية مع الشعب" و"إنشاء المجتمع على أساس التنمية المتوازنة"
و"عهد السلام والازدهار في شمال شرق آسيا"
أما حكومة الرئيس روه مو هيون التي
انثبقت على أساس قوة الشعب. وأدت حملات الانتخابات إلى رصد مبالغ
المتطوعين التي ترأسها مواطنون مؤمنون بمبادئ وأفكار صحيحة عامة إلى نصرة
روه مو هيون في الانتخابات الرئاسية
والأهم أنه تم إنشاء حكومة الرئيس روه
مو هيون على أساس قوة مشاركة الجماهير. ومن المتوقع أن تلعب مشاركة
الجماهير دورًا مهمًا في أنشطة الحكومة المستقبلية كما عملت في بداية
ولادة حكومة الرئيس روه مو هيون.