أحداث لبنان 1868 والإستقلال الذاتيبعد فشل حملة إبراهيم باشا
بن محمد علي والي مصر على بلاد الشام في عام 1841 م بدأ تنافس حاد بين
الفرنسيين والانكليز أسفرت عنه حوادث دامية بين (1845 ـ 1860 م).ونشأت هذه
الحوادث عندما عمد كل من قناصل الدول الأربع (إنكلترا وروسيا والنمسا
وفرنسا) إلى نشر الدسائس بين السكان كل لمصلحته، واتخاذ الدين وسيلة لذلك،
فقد اعتمد قنصل إنكلترا على الطائفة الدرزية، واعتمد ممثل روسيا على
الطائفة الأرثوذكسية، وممثل النمسا على الموارنة الكاثوليك منافساً بذلك
الفرنسيين الذين كانوا يعتمدون على هؤلاء. أما الدولة العثمانية فقد بسطت
سيطرتها المباشرة على المنطقة ولكنها على الأرض كانت ضعيفة، ونتيجة تأريث
البغضاء بين الدروز والمسيحيين قامت بعض الاضطرابات المؤسفة، فأقيم نظام
إداري جديد في جبل لبنان قضى على ما كان سائداً من أن يكون حاكم الجبل أحد
أمراء الإقطاع هناك، وأصبح يتولى السلطة بدلاً منه حاكم تركي يعين
تعييناً، وقسم الجبل إلى قائمقاميتين، وازدادت المنافسة بين إنكلترا إلى
جانب الدروز وفرنسا إلى جانب الموارنة ونشبت الاضطرابات ثانية عام 1845،
وعمد وزير الخارجية العثماني وقتها شكيب أفندي على الإبقاء على هذا النظام
مع تغيير في الإدارة انتقص من قوة زعماء الإقطاع.وفي عام 1857 م نشبت ثورة
الفلاحين الموارنة (ضد الإقطاع) في كسروان وبعض مناطق شمالي جبل لبنان،
دعمها رجال الدين الموارنة، وامتدت إلى المناطق الدرزية في عام 1860 م حيث
تحولت إلى فتنة طائفية، وامتدت موجتها إلى دمشق كانت ضحاياها في جبل لبنان
مروعه، وكادت أن تتزايد لولا تدخل بعض العقلاء والمخلصين من الطرفين
(المسيحيين والمسلمين).هذه الأحداث حفزت الباب العالي والدول الكبرى إلى
العمل لإنهائها. فأبحرت السفن الحربية الأجنبية إلى المياه السورية. وقام
الوالي العثماني بفصل جبل لبنان عن بقية بلاد الشام بأن وضع له نظام حكم
جديد تميز بأنه اعتمد على أسس واسعة من الحكم الذاتي. وأعلنت الدول
الأجنبية (فرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا وإيطاليا) ضمانها لهذا
النظام وبدأت كل منها تعمل على بسط نفوذها السياسي والثقافي فيه، سواء عن
طريق الإرساليات التبشيرية والتعليمية أو الامتيازات الاقتصادية.وهكذا قامت متصرفية جبل لبنان بموجب بروتوكول 1861 والمعدل عام 1864 م وقد تألفت هذه المتصرفية من سبعة أقضية هي:الكورة ـ البترون ـ كسروان ـ المتن ـ الشوف ـ جزين ـ زحلة ـ بالإضافة إلى مديريتي دير القمر والهرمل.ـ ولاية
بيروت: فقد كانت ولاية عثمانية ملحقة بسوريا ويتبعها صيدا وصور ومرجعيون
ثم تبعها أيضاً طرابلس واللاذقية في الشمال وعكا ونابلس في الجنوب.
ـ البقاع: كان ملحقاً
بولاية دمشق. وكان مكوناً من أربعة أقضية: بعلبك ـ راشيا ـ حاصبيا ـ
البقاع الغربي. أما موقف اللبنانيين من الدولة العثمانية فقد انقسم عبر
الجمعيات الثقافية التي أنشأت. وكان بعض هذه الجمعيات يعمل سراً كالجمعية
العربية الفتاة والقحطانية، وبعضها الآخر يعمل علناً كجمعية بيروت
الإصلاحية، وحزب اللامركزية الادارية العثماني وجمعية العهد. وقد ظهر
اتجاهان متبانيان هما:
ـ اتجاه يدعو إلى اللامركزية، أي منح لبنان استقلالاً ذاتياً مع بقاء ارتباطه بالدولة العثمانية.
ـ اتجاه يدعو إلى الإستقلال التام عن الدولة العثمانية.
إلا أن حكم الإستقلال
الذاتي الذي منح لمتصرفية الجبل سرعان ما ألغي بقرار من الدولة العثمانية
عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى في 5 آب 1914، وجمع جميع الرجال
للمشاركة في الحرب إلى جانب الدولة العثمانية.
فازدادت النقمة على الدولة
العثمانية وخاصة عقب انتهاء الحرب وهزيمة الألمان وحلفاءهم الأتراك الأمر
الذي أدى إلى ازدياد الضائقة الاقتصادية وانتشار الأمراض والأوبئة. ثم
قيام محكمة عالية ودمشق العرفية التي شكلها جمال باشا بحملة اعتقالات
واسعة تلتها أحكام بالإعدام على رموز المعارضة في 20 آب 1915 و6 أيار
1916، الأمر الذي سرع اندلاع الثورة العربية الكبرى.
الثورة العربية الكبرى
بعد شهر من تنفيذ أحكام
الإعدام في كل من بيروت ودمشق، كانت استعدادات الشريف حسين قد اكتملت في
مكة، بالاتفاق مع البريطانيين (حسب مراسلات حسين ومكماهون) وتفاهم الشريف
مع شيوخ القبائل، واستدعى ابنه الأمير فيصل من دمشق، واتفق على أن يوم
الاثنين في 5/حزيران/1916 موعداً لانطلاق الثورة من المدينة المنورة حيث
اعلن استقلال العرب عن الحكم العثماني.
فاندلعت الثورة في الموعد
المحدد، فسقطت مكة وصمدت المدينة، وراحت مدن الحجاز تسقط وسار فيصل إلى
الشمال صوب بلاد الشام بعد أن حرر شمالي الحجاز بالكامل ونودي بالشريف
حسين ملكاً على البلاد العربية في أوائل سنة 1917م.
دخل فيصل مدينة العقبة
وأرسل ابن عمه الشريف ناصر باتجاه سوريا فوصل في 30 أيلول 1918 إلى ضواحي
دمشق فاستقبلته حكومة مؤقتة كانت قد تألفت برئاسة الأمير سعيد الجزائري
للمحافظة على الأمن واستمرت ثلاثة أيام فقط ورفعت الأعلام العربية في
دمشق. وكلف فيصل رضا الركابي بتأليف أول حكومة وبعث الفريق شكري الأيوبي
إلى بيروت ممثلاً وحاكماً، فعين حبيب باشا السعد حاكماً على لبنان بعد قسم
اليمين ولاءً للشريف حسين، وارتفع العلم العربي فوق سراي بعبدا وفوق بعبدا
وفوق سراي بيروت.
إلا أن الأمور لم تطل على
هذه الحالة إذ في 8 تشرين الأول كانت القوات الفرنسية تنزل على شواطىء
بيروت لتنزل علم الحكومة العربية وترفع العلم الفرنسي وهكذا دخلت المنطقة
تحت الحكم الأجنبي تنفيذاً للاتفاقية التي جرى توقيعها بين فرنسا
وبريطانيا (سايكس بيكو) والتي تقسم البلاد العربية إلى دويلات مستعمرة
لكلتا الدولتين.
الاحتلال الفرنسي
في
8 تشرين الأول 1918 أنزل الأسطول الفرنسي في بيروت بقيادة الكولونيل «دي
بياباب» فتسلم مقاليد الأمور في بيروت وأنزل العلم العربي عن سراي بعبدا
وبيروت، ورفع العلم الفرنسي.
وقد قسم الفرنسيون سوريا إلى 3 مناطق هي:
أ ـ المنطقة الجنوبية: وتمثل فلسطين من حدود مصر جنوباً إلى الناقورة شمالاً ونهر الأردن شرقاً ويديرها الانكليز.
بـ ـ المنطقة الشرقية: وتشمل ولاية سوريا ومعان، وتمتد إلى الفرات شمالاً. ويديرها الأمير فيصل (ابن الشريف حسين).
حـ ـ المنطقة الغربية: وتضم متصرفية جبل لبنان وولايات بيروت وطرابلس واللاذقية والإسكندرون، ويديرها الفرنسيون.
وراح الفرنسيون يسعون إلى ترسيخ الخلافات الطائفية وبث روح العداء بين الطوائف.
وقد أدى هذا الأمر إلى
تباين في موقف اللبنانيين بالنسبة لتقرير مصير بلادهم: فالأكثرية الساحقة
من المسلمين والأرثوذكس طالب بالانضمام إلى الوحدة السورية بقيادة الأمير
فيصل.
والأكثرية الساحقة من المسيحيين وخاصة الموارنة كانت تطالب باستقلال لبنان الموسع بحدوده التاريخية ورفض الوحدة مع سوريا.
وكان الأمير فيصل في مؤتمر الصلح يتحدث باسم الفريق الأول.
أما الفريق الثاني فقد تحرك عن طريق إرسال وفد إلى مؤتمر الصلح لطرح مطالبة بالإستقلال التام والمساعدة الفرنسية (عبر الانتداب).
هذه الخلافات الواسعة بين
الطرفين أدت إلى أرسال لجنة من مؤتمر الصلح عرفت بلجنة كينغ ـ كراين
للوقوف على الأراء الصحيحة للأكثرية رغم معارضة الفرنسيين والإنكليز الذين
لم ينتظروا نتائج هذه اللجنة بل أسرعوا بتطبيق اتفاقية سايكس بيكو. وعين
الجنرال غورو قائداً للجيش الفرنسي بالشرق ومفوضاً سامياً في بيروت فنزل
فيها في 18 تشرين الثاني 1919.
وفي 8 أذار 1920 اجتمع
المؤتمر السوري وأعلن قيام الملكية واستقلال سوريا ومن ومن ضمنها لبنان
الذي يحتفظ بحدوده السابقة، فأغضب ذلك الفرنسيين.
مؤتمر سان ريمو
سارع
الفرنسيين مع الإنكليز، وعقدوا مؤتمراً في مدينة سان ريمو الإيطالية بين
18 و 26 نيسان 1920 إلى جانب إيطاليا واليابان وصدر في 5 أيار 1920
المقررات التالية:
ـ إقرار الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.
ـ إقرار الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين وشرقي الأردن.
ـ إعطاء إيطاليا نفوذاً في جنوب غربي الأناضول.
ـ إعطاء حصة من نفط الموصل في العراق لفرنسا(5%)
ـ الالتزام بتنفيذ وعد بلفور الصادر عن الحكومة البريطانية في 2 تشرين الثاني سنة 1917.
فعمل
الجنرال غورو بعد هذه القرارات على القضاء على الحكومة الفيصلية في دمشق
ووجه إنذاراً لها في 20 تموز 1920 للدخول إلى سوريا، ولم ينتظر الجنرال
الفرنسي رد الأمير فيصل بل أمر قواته بالتوجه إلى دمشق فتصدى له وزير
الحربية السورية في الحكومة المستسلمة يوسف العظمة يدعمه بعض الوزراء
والحركات الشعبية. والتقى الجيشان في ميسلون على بعد 35 كم من دمشق وكانت
معركة غير متكافئة انتهت باستشهاد يوسف العظمة ومئات المقاتلين معه في 24
تموز 1920 ودخل الفرنسيون دمشق. أما الأمير فيصل فقد غادر إلى حيفا ومن
هناك أقلته باخرة إنكليزية إلى إيطاليا ومنها إلى بريطانيا حيث مكث حتى
عام 1921 عندما عوض عليه الانكليز خسارته لسوريا بتعيينه ملكاً على العراق.
إعلان دولة لبنان الكبير 31 آب 1920
استعملت
فرنسا في الدول العربية المستعمرة سياسة (فرق تسد). فأصدر الجنرال غورو في
31 آب 1920 عدة قرارات هدفت إلى إنشاء دويلات صغيرة كانت ضمن بلاد الشام
الموحدة سابقاً وهي:
دولة دمشق ـ دولة العلويين
ـ دولة الدروز ـ دوحة حلب ـ دولة لبنان الكبير وذلك بعد توسيع متصرفية جبل
لبنان بضم الأقضية الأربعة إليها وهي: حاصبيا ـ راشيا ـ بعلبك ـ البقاع.
وولاية بيروت وملحقاتها وتقسيم هذه الدولة إلى أربع متصرفيات ومدينتين
ممتازتين:
ـ متصرفية لبنان الشمالي ومركزها زغرتا.
ـ متصرفية جبل لبنان ومركزها بعبدا.ـ متصرفية البقاع ومركزها زحلة.
ـ متصرفية لبنان الجنوبي ومركزها صيدا.
ـ مدينة بيروت الممتازة.
ـ مدينة طرابلس الممتازة.
وأصبحت مساحة لبنان الكبير 10452كم2 بعد أن كانت المساحة أيام المتصرفية 3500كم2.
وقد تولى حكم لبنان في هذه الفترة ثلاثة مفوضين عسكريي
نـ الجنرال غورو (1920 ـ
1923 م) وقد واجهته الثورات، وخاصة في جبل عامل وحوران، وقد تعرض لمحاولة
اغتيال على يد أحد أبطال المقاومة (أدهم خنجر) وطلب من حكومته مده بالقوة
اللازمة فرفض طلبه، فاستقال من منصبه.
ـ الجنرال ويغان (1923 ـ 1924 م): هدأت الأحوال في عهد بعض الشيء خاصة وأنه وعد اللبنانيين بدراسة مطالبهم.
ـ الجنرال ساراي (1924 ـ
1925 م): سنة 1924 تسلم اليساريون الحكم في فرنسا فعزلوا ويغان وعينوا
بدلاً عنه الجنرال «ساراي». وفي عهده نشبت الثورة في سوريا سنة 1925 في
جبل الدروز، مما أدى إلى إنهاء عهده ووعهد الحكم العسكري لتبدأ مرحلة
جديدة من الحكم عين لها مفوض سامي جديد غير عسكري هو: ـ هنري دي جوفنيل
وذلك سعياً لتهدئة الأوضاع. وقد كانت سلطته مطلقة ويهيمن على السلطة
القضائية والتشريعية.
وقد استبد هذا المفوض في تطبيق الأحكام وتعسف في فرض القرارات.
المجلس التمثيلي والدستور الجديد وأول رئيس للبلاد
عام
1921 أجرت المفوضية الفرنسية إحصاء سكانياً واتخذته كأساس لتوزيع مقاعد
نيابية بين الطوائف، وفي 8 أذار سنة 1922 صدر قرار عن المفوضية الفرنسية
بإنشاء مجلس تمثيلي منتخب يتمتع بحق التشريع. وقد تألف من 30 عضواً.
وتعاقب على رئاسته كل من حبيب باشا السعد ثم نعوم لبكي (1923) وإميل إده
(1924).
وفي أوائل سنة 1925 أقدم
الجنرال ساراي على حل المجلس التمثيلي مسايرة للمعارضة اللبنانية وعين
موعداً لإجراء الانتخابات في شهر تموز. وجرت الانتخابات في 28 حزيران 12
تموز سنة 1925 وتألف المجلس الجديد من 30 عضواً. وشهد هذا المجلس ولادة
الدستور اللبناني، وقد تحول في 25 أيار 1926 إلى مجلس للنواب تنفيذاً
للدستور اللبناني كما شهد هذا المجلس ولادة الجمهورية اللبنانية التي كانت
أول جمهورية لبنانية كما كانت أول جمهورية عربية.
أما كيفية وضع الدستور
اللبناني؟ فقد انتخب مجلس النواب لجنة تألفت من 12 عضواً ستة من النواب
وستة من الأعيان. وقامت هذه اللجنة باستشارة عدد كبير من رجال الفكر
والسياسة والدين والموظفين حول الأسس التي يجب أن تعتمد في وضع الدستور
(ما شكل الحكومة ـ البرلمان من مجلس أو مجلسين ـ ....)
وبعد ثلاثة أيام من إعلان
الدستور في 23 أيار، دعي مجلس النواب ومجلس الشيوخ لانتخاب رئيس للجمهورية
في 26 أيار 1926، وكانت سلطات الانتداب قد أعدت مرشحها سلفاً وهو أحد
الذين أشرفوا على ولادة الدستور، مدير العدل آنذاك شارل دباس وهو مسيحي
أرثوذكسي، ثم جدد له لثلاث سنوات أخرى حتى عام 1931، وظهرت منافسة قوية
بين المرشحين إميل إده وبشارة الخوري وكان الخوري يتمتع بتأييد نيابي
واسع. فلما أيقن إده أن المعركة خاسرة صرح بتأييد الشيخ محمد الجسر، حيال
هذا الوضع وإزاء تخوف سلطات الانتداب من تطور الأمور صدر قرار عن المفوض
السامي بوقف العمل بموجب الدستور وحل المجلس النيابي، إقالة الوزارة، وعين
الدباس من جديد رئيساً للبلاد. وأواخر سنة 1933 استقال شارل دباس فعين
المفوض السامي الجديد دي مارتيل حبيب باشا السعد رئيساً للبلاد لمدة سنة
ثم جدد له من جديد، ودعي مجلس نيابي استثنائي لانتخاب رئيس جديد للبلاد
عهد إميل إده
ترشح لمنصب الرئاسة ثلاثة: حبيب السعد وإميل إده وبشارة الخوري وفاز إده بأغلبية ضئيلة، وتزعم الخوري المعارضة.
وعلى عهده وقع لبنان مع
فرنسا معاهدة عام 1936 والتي تعترف فيها فرنسا باستقلال لبنان وتساعده
خلال 3 سنوات لدخول عصبة الأمم، مقابل أن تحتفظ بحاميات عسكرية على
الأراضي اللبنانية وتشرف على السياسة الخارجية. وفي 4 كانون الثاني 1937
صدر قرار عن المفوض السامي بالعودة إلى العمل بالدستور. وعقب اندلاع الحرب
العالمية الثانية 1939 علق الدستور من جديد وأقيلت حكومة عبد الله اليافي
وثبت إده رئيساً بالتعيين لا بالانتخاب فتقلصت صلاحياته.
لبنان وحكومة فيشي
بعد
أقل من عام (10 أيار 1940) دخلت إيطاليا في الحرب إلى جانب ألمانيا التي
زحفت بسرعة فائقة واحتلت فرنسا، وتشكلت حكومة فيشي الموالية للألمان وترأس
المعارضة الجنرال ديغول الذي انتقل إلى إنكلترا وأعلن من هناك قيام حكومة
فرنسا الحرة ومواصلة الحرب ضد الألمان. وترأس المعارضة الجنرال ديغول الذي
انتقل إلى إنكلترا وأعلن من هناك قيام حكومة فرنسا الحرة ومواصلة الحرب ضد
الألمان. أما في لبنان فقد انحاز المفوض الفرنسي بيو إلى جانب حكومة فيشي.
وعين كاترو ممثلاً لديغول
بالقاهرة الذي راح يعد اللبنانيين بالإستقلال في حال مساعدتهم لحكومة
فرنسا الحرة. وعينت حكومة فيشي دانتز بدلاً من بيو، وكان دانتز من
المتشددين على اللبنانيين، وقد أدت سياسته هذه إلى استقالة إميل إده أوائل
نيسان 1941، فعين دانتز القاضي ألفرد نقاش رئيساً للدولة.
أقنع الجنرال كاترو
البريطانيين بضرورة مواجهة حكومة فيشي في سوريا ولبنان (بعد ما عملت هذه
الحكومة على تقديم المساعدات لثورة الكيلاني في العراق ضد الانكليز) ووضع
الخطة لذلك وبدأ الزحف في أواسط حزيران 1941. وقد استطاعت هذه القوات
الانتصار على دول المحور وحكومة فيشي بعد معارك ضارية في بيروت ومرجعيون
والدامور.
وعادت سلطة الانتداب
الفرنسي من جديد للمندوب السامي كاترو الذي حدد يوم 26 تشرين الثاني 1941
موعداً للاستقلال. وفي الموعد المحدد أعاد كاترو تعيين النقاش واعتبر
لبنان دولة ذات سيادة مستقلة.
المعارضة اللبنانية
اعتبرت
المعارضة اللبنانية وخاصة (الكتلة الدستورية برئاسة بشارة الخوري) أن هذا
الإستقلال مزيفا ومجحفاً، وتوالت الاعتراضات من رياض الصلح ومن البطرك
عريضة والذي أغضب كاترو مساندة الدول العربية لمطلب الإستقلايين وخاصة
مصطفى النحاس باشا. وبعد معركة العلمين، وتراجع رومل قرر الجنرال كاتروا
إجراء انتخابات نيابية فعمد إلى إقالة النقاش ورئيس حكومته سامي الصلح،
وعين أيوب ثابت رئيساً للدولة في 18 أذار 1943 وكانت مهمته الأساسية
الاعداد لانتخابات نيابية.
وأصدر ثابت مرسوماً
تشريعياً حدد فيه المقاعد النيابية بـ54 مقعد وأصر على إعطاء المهاجرين حق
التصويت ومعظمهم من المسيحيين فاختل توزيع المقاعد بين الطوائف فجرت
احتجاجات عنيفة من الطوائف الإسلامية، فأقيل أيوب ثابت واختير خلفاً له
بترو طراد (21 تموز 1943). وتوسط رئيس الوزارة المصرية مصطفى النحاس باشا
فصدر قرار بتحديد عدد المقاعد بـ55 (30 للمسيحيين و25 للمسلمين).
انتخاب بشارة الخوري وعهد الإستقلال
في
21 أيلول 1943 جرت الانتخابات النيابية وأسفرت عن فوز بشارة الخوري لرئاسة
الجمهورية فكلف رياض الصلح لتشكيل الحكومة، وبدأت الأزمة مع الفرنسيين
بعدم قيام الوزارة الجديدة بزيارة المندوب السامي. كما قدم رئيس الوزراء
برنامج عمل الوزارة الذي تضمن تعديل الدستور، وجعل التشريع من حق المجلس
النيابي وحده، وجعل اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة فيه. وقد أقر
المجلس هذا البرنامج رغم تحذيرات المندوب الفرنسي فما كان منه إلا أن
اعتقل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأودعهما في قلعة راشيا، وعين رئيساً
جديداً إلا أن بعض أعضاء الحكومة الذين نجوا من الاعتقال (حبيب أبو شهلا
ومجيد أرسلان) اجتمعوا في قرية بشامون وشاركهم رئيس المجلس النيابي صبري
حمادي وعدد من النواب وعملوا على تمثيل الحكومة الشرعية ودعوا الناس إلى
العصيان المدني، فسقط العديد من القتلى والجرحى نتيجة الصدامات بين
الطرفين وأحتجت البلاد العربية، فتراجعت فرنسا وأعادت الحكومة الشرعية إلى
الحكم في 22 تشرين الثاني 1943 وعدَّ هذا اليوم العيد الوطني للبنان. وبعد
مفاوضات بين الحكومة اللبنانية الوطنية وبين سلطة الانتداب تقرر سحب
القوات الفرنسية وإعلان استقلال لبنان في 31 كانون الأول 1946م.
عهد بشارة الخوري (1943 ـ 1952 م)
أهم
إنجازات هذا العهد هو «الميثاق الوطني» الذي قرب بين مشاعر الوطنيين
المسلمين والمسيحيين ممثلين برياض الصلح وبشارة الخوري فتبلور هذا الاتفاق
في عزم المسلمين عن ترك فكرة الوحدة مع سوريا وكذلك المسيحيين ترك فكرة
الوصاية الفرنسية. والتشديد على جعل لبنان وطناً مستقلاً حراً ذا وجه عربي
يتساوى فيه الجميع. وفي 22 أيار 1949 تم تعديل المادة 49 من الدستور
والتمديد للرئيس بشارة الخوري مدة ثانية.
محاولة انقلاب فاشلة
في
تموز 1949 صدر عن أنطون سعادة رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي
بالانقلاب وبالسيطرة على مقدرات الدولة، لكن الدولة أحكمت قبضتها على
الانقلابيين، وهرب سعادة إلى سوريا غير أن الرئيس السوري حسني الزعيم سلم
سعادة للدولة اللبنانية التي اعدمته مع ستة من أنصاره.
وأواخر عهد الرئيس
الخوري عم الفساد والمحسوبيات في الإدارات العامة. ومني العهد بنكسة تجلت
في اغتيال الرئيس رياض الصلح في عمان على يد أحد القوميين السوريين (16
تموز 1951 م) ففقد بشارة الخوري نصيراً قوياً. ووعد الشيخ بشارة بتنفيذ
برنامج اصلاحي ووالى رئيس وزراءه سامي الصلح المعارضة، وتفجر الوضع
باستقالة رئيس الحكومة في 9 أيلول 1952 وعجز الرئيس الخوري عن تأليف وزارة
جديدة، وتحت ضغط المعارضة والإضرابات الشعبية قدم استقالته في 18 أيلول
1952.
عهد الرئيس كميل شمعون (1952 ـ 1958 م)
عمل
كميل شمعون منذ انتخابه على تحقيق الإصلاحات الإدارية، ونالت حكومته
الأولى برئاسة خالد شهاب سلطات استثنائية لوضع قوانين. إصلاحية. إلا أن
نفوذ شمعون كان دائماً يطغى على رئيس الحكومة، فلم يسمح لأحد بمشاركته في
القرار فانقطع حبل تفاهمه مع كمال جنبلاط الذي كان يطالب بالمشاركة في وضع
سياسة العهد ولم تنقض بعض السنوات على عهد شمعون حتى عادى جميع الزعماء
المسلمين والمسيحيين الأمر الذي سرع بإشعال ثورة 1958، خاصة أن العالم
العربي كان يعيش فورة عربية لا سابق لها على عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
وذلك عقب خروج مصر من العدوان الثلاثي عليها منتصرة. ورفض شمعون مسايرة
مصر في قطع العلاقات مع بريطانيا وفرنسا فاستاء رئيس الحكومة عبد الله
اليافي ووزير الدولة صائب سلام واستقالا من الحكم. فمال شمعون إلى جهة
العراق والأردن للانضمام إلى حلف بغداد، إلا أن الأوضاع الداخلية قد
اشتعلت ضد الحكم وخاصة عقب ثورة تموز بالعراق وتسلم الضباط الوطنيين الحكم
الأمر الذي أدى إلى إنزال الولايات المتحدة قواتها على السواحل اللبنانية
في 15 تموز 1958.
عهد اللواء فؤاد شهاب (1958 ـ 1964 م)
استطاع
قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب أن يبقي الجيش بعيداً عن الصراعات التي حدثت
في عهد شمعون وهذا ما رفع رصيده للرئاسة. وقد أتى انتخاب شهاب حلاً مرضياً
لمختلف الفئات وشكل رشيد كرامي حكومته الأولى من أقطاب المعارضة السابقة
والمحايدين، وأعلن البدء بقطف ثمار ثورة 58. فحاول الطرف المقابل القيام
بحركة مضادة فتدخل الرئيس شهاب واستطاع (بعد عدة مشاكل) أن يرأب الصدع.
فشكل رشيد كرامي وزارة اتخذت شعار «لا غالب ولا مغلوب» فاستكانت الأمور.
وقد عمل هذا العهد على الاهتمام بالمناطق النائية، واستطاع القيام بما عجز عنه العهدان السابقان من (الإصلاح الإداري).
أما سياسة شهاب الخارجية فقد بدأها باجتماع مع الرئيس جمال عبد الناصر على الحدود