أفيقوا يا مسلمين
قال
الله تعالى:
+يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ". سورة التحريم آية (6)
وقال
تعالى: +
وَالَّذِينَ
كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا
يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ
يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي
كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ
وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ". سورة
فاطر آية (36-37).
ijkإنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه، ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن
يُضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ
محمداً عبده ورسولُه.
أما بعد:
فإن
خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ×، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة
ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قال الله تعالى:
+وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ
فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا
أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ
عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ" .
تجد بعض الناس بل الكثير منهم ساهون لاهون غارقون في المعاصي، ثم بعد
الانتقال إلى أول منـزل من منازل الآخرة، وهو القبر حيث يأتيهم منكر ونكير فيسألانهم
عن ربهم، ونبيهم، ودينهم، فلا يجيبون جوابا ينجيهم فيحلون بهم النقمة، وتزول عنهم
الرحمة، ثم يوم القيامة حين تسوقهم الملائكة إلى النار ثم يسلمونهم لخزنة جهنم
الذين يتولون عذابهم ويباشرون عقابهم، فهذا الذي اقترحوه وهذا الذي طلبوه إن
استمروا على إجرامهم لا بد أن يروه ويلقوه، وحينئذ يتعوذون من الملائكة ويفرون
ولكن لا مفر لهم.
+يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ
وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا
يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ
السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ". قال السعدي: يقول تعالى:
+يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ
وَعْدَ اللَّهِ"بالبعث والجزاء على
الأعمال،
+حَقٌّ" أي: لا شك فيه، ولا مرية، ولا تردد، قد دلت على ذلك
الأدلة السمعية والبراهين العقلية، فإذا كان وعده حقا، فتهيئوا له، وبادروا
أوقاتكم الشريفة بالأعمال الصالحة، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع،
+فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا" بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية، فتلهيكم عما
خلقتم له،
{وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" الذي هو
{الشَّيْطَانُ} الذي هو عدوكم في الحقيقة
{فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} أي: لتكن منكم عداوته على بال، ولا تهملوا محاربته
كل وقت، فإنه يراكم وأنتم لا ترونه، وهو دائما لكم بالمرصاد.
+إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ
لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" هذا غايته ومقصوده ممن تبعه، أن يهان غاية الإهانة
بالعذاب الشديد.ثم ذكر أن الناس انقسموا بحسب طاعة الشيطان وعدمها إلى قسمين، وذكر
جزاء كل منهما، فقال:
{الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: جحدوا ما جاءت به الرسل، ودلت عليه الكتب
{لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في نار جهنم، شديد في ذاته ووصفه، وأنهم خالدون
فيها أبدا.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم، بما دعا اللّه إلى الإيمان به
{وَعَمِلُوا}بمقتضى ذلك الإيمان،
بجوارحهم، الأعمال
{الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} لذنوبهم، يزول بها عنهم الشر والمكروه
{وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} يحصل به المطلوب.
+وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ
نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ
مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ
نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ
فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ".فاطر (36038). قال الطبري: يقول تعالى ذكره {والذين كفروا} بالله ورسوله {لهم نار جهنم} يقول: لهم نار جهنم مخلدين فيها، لاحظ
لهم في الجنة ولا نعيمها. وقوله {كذلك نجزي كل كفور} يقول تعالى ذكره: هكذا يكافئ كل جحود
لنعم ربه يوم القيامة بأن يدخلهم نار جنهم بسيئاتهم التي قدموها في الدنيا.وقوله {وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل
صالحا غير الذي كنا نعمل} يقول تعالى ذكره: هؤلاء الكفار يستغيثون ويضجون في النار
يقولون: يا ربنا أخرجنا نعمل صالحا: أي نعمل بطاعتك
+غير الذي كنا نعمل
".
وقال السعدي: لما ذكر
تعالى حال أهل الجنة ونعيمهم، ذكر حال أهل النار وعذابهم فقال:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا} أي: جحدوا ما جاءتهم به رسلهم من
الآيات، وأنكروا لقاء ربهم.
{لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} يعذبون فيها أشد العذاب، وأبلغ العقاب.
{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ} بالموت
{فَيَمُوتُوا} فيستريحوا،
{وَلَا
يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} فشدة العذاب وعظمه، مستمر عليهم في
جميع الآنات واللحظات.
+وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا" أي: يصرخون ويتصايحون ويستغيثون ويقولون:
{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا
نَعْمَلُ} فاعترفوا بذنبهم، وعرفوا أن اللّه عدل فيهم، ولكن سألوا الرجعة
في غير وقتها، فيقال لهم:
{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا}أي: دهرا وعمرا
{يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}أي: يتمكن فيه من أراد التذكر من العمل، متعناكم في الدنيا، وأدررنا عليكم
الأرزاق، وقيضنا لكم أسباب الراحة، ومددنا لكم في العمر، وتابعنا عليكم
الآيات، وأوصلنا إليكم النذر، وابتليناكم بالسراء والضراء، لتنيبوا إلينا وترجعوا
إلينا، فلم ينجع فيكم إنذار، ولم تفد فيكم موعظة، وأخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا
انقضت آجالكم، وتمت أعماركم، ورحلتم عن دار الإمكان، بأشر الحالات، ووصلتم إلى هذه
الدار دار الجزاء على الأعمال، سألتم الرجعة؟ هيهات هيهات، فات وقت الإمكان، وغضب
عليكم الرحيم الرحمن، واشتد عليكم عذاب النار، ونسيكم أهل الجنة، فامكثوا فيها
خالدين مخلدين، وفي العذاب مهانين، ولهذا قال:
{فَذُوقُوا
فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} ينصرهم فيخرجهم منها، أو يخفف عنهم من
عذابها.تفسير السعدي.
روي عن علي بن أبي طالب
> أنه رأى رجلاً قد فرغ من صلاته وقال: اللهم
إني أستغفرك وأتوب إليك سريعاً، فقال له:يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة
الكذابين وتوبتك تحتاج إلى توبة, قال يا أمير المؤمنين: وما التوبة؟
قال: اسم يقع على ستة معان:
1- على الماضي من الذنوب:
الندامة.
2-
وتضييع الفرائض: الإعادة, ورد المظالم إلى
أهلها.
3-
وإدئاب النفس في الطاعة كما أدأبتها في
المعصية.
4-
وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة
المعصية.
5-
وأن تزين نفسك في طاعة الله كما زينتها في
معصيته.
6-
والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.
قال مغفل لابن مسعود
>: أسمعت رسول الله × يقول: «إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله عز وجل تاب الله عليه؟»
فقال: نعم سمعته يقول: «الندم توبة» أخرجه ابن ماجه وأحمد.
وعن عائشة
< قالت: سمعت رسول الله × يقول:«إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه». أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة
>قال: قال رسول الله ×: «الصلوات الخمس
والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» أخرجه
مسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة.
قال تعالى:}إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم
سيئاتكم{ [النساء:31].دلت هذه الآية والحديث
الذي قبلها على أن الذنوب كبائر وصغائر وأن الصغائر كاللمسة والنظرة تُكفر باجتناب الكبائر مع
إقامة الفرائض وذلك بوعده الصدق وقوله الحق, لا أنه يجب عليه ذلك. والكبائر هي
الذنوب التي ورد الوعيد على مرتكبها باللعن أو الغضب أو النار في القرآن والسنة أو في
أحدهما،وما عدا الكبائر فالذنوب صغائر ولا بد لتكفير الكبائر من التوبة منها
والإقلاع عنها.
من أسباب عذاب القبرعن أبي هريرة
> عن النبي × قال: «
أكثر عذاب القبر من البول» أخرجه ابن أبي شيبة.وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي × على قبرين فقال:
«إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير وإنه لكبير،أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما
الآخر فكان لا يستنـزه من بوله».أخرجه البخاري ومسلم.
¶ ¶ ¶ ¶ ¶ ¶الاستعاذة من القبر ومن
عذاب النارعن أبي هريرة
> قال: كان
رسول الله × يدعو:
«اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر،ومن عذاب النار،ومن فتنة المحيا والممات، ومن
فتنة المسيح الدجال». أخرجه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله× وعندي امرأة من
اليهود وهي تقول: إنكم تفتنون في القبور, فارتاع رسول
الله× وقال: «إنما
يفتن يهود»، قالت عائشة فلبثنا ليالي،
ثم قال رسول الله×: «هل شعرت أنه أوحي إلي: أنكم تفتنون في القبور؟ قالت
عائشة فسمعت رسول الله يستعيذ من عذاب
القبر». أخرجه النسائي.
¶ ¶ ¶ ¶ ¶ ¶عذاب القبر هو عذاب
البرزخعذاب القبر ينال من هو
مستحق له، ومما ينبغي أن يُعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ فكل من مات وهو مستحق
للعذاب ناله نصيبه منه،سواء أقبر أم لم يقبر فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار
رماداً نسف في الهواء أوصُلب أو غرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل
إلى القبور.
¶ ¶ ¶ ¶ ¶ ¶الأرواح منعمة أو
معذبةالأرواح قسمان : منعمة
أو معذبة، فالمنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في
الدنيا وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها
والأرواح المعذبة فهي في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي.
¶ ¶ ¶ ¶ ¶ ¶القصاص يوم القيامة
بين الناسعن أبي هريرة
> أن رسول
الله × قال: «لتؤدن
الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» أخرجه
مسلم.
وعنه
أن رسول الله × قال: «من
كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار
ولا درهم, وإن كان له عمل صالح أخذه منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له حسنات أخذ من
سيئات صاحبه فحمل عليه». أخرجه البخاري.
وعنه أن رسول الله × قال: «أتدرون
من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع, قال: إن المفلس من أمتي,
من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي قد شتم هذا, وقذف هذا, وأكل مال
هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته
قبل انقضاء ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار». أخرجه
مسلم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ×: «من
مات وعليه دينار أو درهم قضى من حسناته, ليس ثَم دينار ولا درهم, من ترك ديناً أو
ضياعاً فعلى الله ورسوله» أخرجه ابن ماجه.
فما أشد فرح بعض الناس
اليوم بالمضمضة بأعراض المسلمين وأخذ أموالهم, وما أشد حسرتهم غداً عندما يأخذ
حسناتهم الخصوم عندما يقف الظالم والمظلوم على بساط العدل والعاقل من عمل الصالحات
كما قال عمر بن الخطاب
>: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن
توزنوا, وحساب النفس يكون بالتوبة وتدارك التقصير في فرائض الله وبرد الحقوق إلى
أهلها أو التحلل «المسامحة» منهم.
¶ ¶ ¶ ¶ ¶ ¶أول ما يقضى بين
الناس، وأول ما يحاسب عليه العبدعن عبد الله بن مسعود
> قال: قال
رسول الله ×: « أول ما
يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء». أخرجه البخاري، ومسلم.
وعنه أن رسول الله × قال: «أول
ما يحاسب عليه العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس: الدماء». أخرجه النسائي.
وعن
علي بن أبي طالب
>أنه قال: «أنا أول من يجثو يوم القيامة بين يدي الرحمن للخصومة» أخرجه
البخاري, يريد قصته في مبارزته هو وصاحباه الثلاثة من كفار قريش في غزوة بدر. قال
أبو ذر: وفيهم نزلت: }هذان خصمان
اختصموا في ربهم{. الحج 19.
وعن أنس
>، عن النبي
$ أنه قال: "أول
ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد
سائر عمله". صحيح الجامع (2573) .
(أول ما يحاسب
به العبد يوم القيامة الصلاة) أي المفروضة وهي الخمس لأنها أول ما فرض عليه بعد
الإيمان وهي علم الإيمان وراية الإسلام (فإن صلحت) بأن كان قد صلاها متوفرة
الشروط والأركان وشملها القبول (صلح له سائر عمله) يعني سومح له في جميع
أعماله ولم يضايق في شيء منها في جنب ما واظب من إدامة الصلاة التي هي علم الدين
(وإن فسدت) أن لم تكن كذلك (فسد سائر عمله) أي ضويق فيه واستقصى فحكم بفساده، وأخذ
منه الأئمة أن حكمة مشروعية الرواتب قبل الفرائض وبعدها تكميلها بها إن عرض نقص،
قال الطيبي: الصلاح كون الشيء على حالة استقامته وكماله والفساد ضد ذلك وذلك لأن
الصلاة بمنـزلة القلب من الإنسان فإذا صلحت صلحت الأعمال كلها وإذا فسدت فسدت.
وهذا مخرج مخرج الزجر
والتحذير من التفريط فيها، واعلم أن من أهمّ أو أهمّ ما يتعين رعايته في الصلاة
الخشوع فإنه روحها، ولهذا عدّه الغزالي شرطاً وذلك لأن الصلاة صلة بين العبد وربه،
وما كان كذلك فحق العبد أن يكون خاشعاً فيه لصولة الربوبية على العبودية.
وعن حذيفة
> أنه رأى
رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده, فلما قضى صلاته قال له حذيفة: "ما صليت ولو مت،
مت على غير سنة محمد ×" أخرجه
البخاري.
على المسلم المحافظة
على الفروض من إتمام ركوع وسجود وحضور قلب فإن غفل عن شيء من ذلك اجتهد في نفله
ولا يتساهل فيه ومن لا يحسن صلاة الفرض فلن يحسن النفل لتهاون الناس فيه ونقره
كنقر الديك وإذا كانت الصلاة بهذه الصفة دخل صاحبها في معنى قوله تعالى: }فخلف من بعدهم خلف
أضاعوا الصلاة{ والتضييع للصلاة هو عدم مراعاة حدودها من وقت وطهارة وتمام ركوع
وسجود ونحو ذلك وهو مع ذلك يصليها, ولا يمتنع من القيام بها في وقتها وغير وقتها,
وأما من تركها أصلاً فهو كافر.
¶ ¶ ¶ ¶ ¶ ¶عقوبة مانع الزكاة
والغلول والغدرعن أبي هريرة
> قال: قام
فينا رسول الله ذات يوم فذكر الغلول وعظم أمره،
ثم قال: «لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول
الله, أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة
على رقبته فرس له حمحمة, يقول يا رسول الله, أغثني
فأقول: لا أملك لك شيئاًً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته
شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك لا
ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح, يقول يا رسول الله: أغثني,
فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته
رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاًً قد أبلغتك
لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله, أغثني فأقول:
لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك». أخرجه البخاري ومسلم.
هذا عن الغلول، وهو
أخذ المجاهد من الغنيمة قبل قسمتها فهو وإن كان له سهم منها فلا يجوز له أن يأخذ
سوى الحصة المخصصة له بعد القسمة، كما لا يجوز للموظف ولا لغيره الأخذ من مال
الدولة سوى ما خصص له من راتب ونحوه، كما لا يجوز استخدام سيارات الدولة – أثناء الدوام
أو بعده - للأغراض الخاصة.
عن ابن عمر
> قال: قال
رسول الله ×: «إذا جمع
الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء، فيقال: هذه غدرة فلان ابن
فلان». أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة
> قال: قال
رسول الله×: «ما من
صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار
فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم
كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى
النار قيل
يا رسول
الله فالإبل؟ قال: «ولا صاحب
إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم ورودها إلا
إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد
منها فصيلاً واحداً ، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها ،رد
عليه أخراها ،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله
إما إلى الجنة وإما إلى النار ....الخ ». أخرجه
مسلم.
أي أن الله سبحانه
يجمع الفضيحة مع العذاب لكل من مانع الزكاة والغال والغادر.أجارنا الله وجميع
المسلمين من هذه الذنوب ومن غيرها وأعاننا على طاعته إنه سميع مجيب.
¶ ¶ ¶ ¶ ¶ ¶من دخل النار من الموحدين يحترق
ويموت ثم يخرج بالشفاعةعن أبي سعيد الخدري
> قال: قال
رسول الله ×: «أما أهل
النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناساً أصابتهم النار
بذنوبهم أو قال: بخطاياهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أُذن لهم في
الشفاعة فيجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا
عليهم فينبتون نبات الحِبة تكون في حميل السيل». أخرجه
مسلم.
أي أن العصاة يموتون
بعد أن يحترقوا ويصبحوا فحماً، أما الكفار فهم لا يموتون لأن الله تعالى قال عنهم:
}كلما نضجت
جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب{النساء56, وضبائر
ضبائر: أي جماعات جماعات, وبثوا: أي فُرقوا, والحِبة: بذر البقول, وحميل السيل: ما
احتمله من غثاء وطين.
أحبائي الكرام كان
سلفنا الصلح إذا تحدثوا عن النار آمنوا بها كأنهم يرونها رأي العين فتركوا صغائر
الذنوب فضلاً عن كبائرها، أما نحن فنتحدث عن النار فنضحك بدلاً من البكاء وكأننا
نتحدث عن موقد للتدفئة وربما انتقلنا من ارتكاب الصغائر إلى ارتكاب الكبائر
كالغيبة والنميمة إن لم يكن أكبر.
إذاً الفرق
بيننا وبينهم هو: نقص إيماننا وزيادة إيمانهم، ومن
العلاج المفيد لزيادة الإيمان - بعد توفيق
الله - الإكثار من ذكر ما نحن بصدده وهو الموت.
وفي مناقشة بين علي بن أبي طالب
> وبين
بعض المشركين، قال لهم: نأكل كما تأكلون، ونشرب كما تشربون، ونتزوج كما تتزوجون،
فإن كانت
(1) سورة آل عمران .
يتبع....................