وسراة الناس في حسن المآكل والملابس والمراكب وعلو الهمة،
وبها أعلام العلماء وسادات الفضلاء وأجلاء الغزاة وأمجاد الحروب؛ وهي في نفسها خمس
مدن يتلو بعضها بعضاً، وبين المدينة والمدينة سور حصين حاجز، وبكل مدينة منها ما
يكفيها من الأسواق والفنادق والحمامات والصناعات، وطولها ثلاثة أميال في عرض ميل
واحد، وهي في سفح جبل مطل عليها يسمى جبل القروش .
ومدينتها الثالثة وهي الوسطى، فيها باب القنطرة وبها الجامع
الذي ليس في معمور الأرض مثله، طوله ذراع في عرض ثمانين ذراعاً وفيه من السواري
الكبار ألف سارية، وفيه مائة وثلاث عشرة ثريا للوقود، أكبرها يحمل ألف مصباح، وفيه
من النقوش والرقوم ما لا يقدر أحد على وصفه، وبقبلته صناعات تدهش العقول، وعلى
فرجة المحراب سبع قسي قائمة على عمد طول كل قوس فوق القامة، تحير الروم والمسلمون
في حسن وضعها. وفي عضادتي المحراب أربعة أعمدة، اثنان أخضران واثنان لازورديان،
ليس لها قيمة. وبه منبر
([1]) ليس على
معمور الأرض مثله في حسن صنعته، وخشبه ساج وأبنوس وبقس وعود قاقلي. ويذكر في كتب
تواريخ بني أمية أنه أحكم عمله ونقشه في سبع سنين، وكان يعمل فيه ثمانية صناع، لكل
صانع في كل يوم نصف مثقال محمدي، وكان جملة ما صرف على المنبر أجرة لا غير عشرة
آلاف مثقال وخمسي مثقال. وفي الجامع حاصل كبير ملآن من آنية الذهب والفضة لأجل
وقوده. وبهذا الجامع مصحف فيه أربع ورقات من مصحف عثمان بن عفان(
[2]) رضي الله
تعالى عنه بخطه، أي بخط يده، وفيهن نقط من دمه. وله عشرون باباً مصفحات بالنحاس
الأندلسي، مخرمات تخريماً يعجز البشر، وفي كل باب حلق، في نهاية الصنعة والحكمة.
وبه الصومعة العجيبة التي ارتفاعها مائة ذراع بالملكي المعروف بالرشاشي، وفيها من
أنواع الصنائع الدقيقة ما يعجز الواصف عن وصفه ونعته. وبهذا الجامع ثلاثة أعمدة
حمر مكتوب على أحدها اسم محمد، وعلى الآخر صورة عصا موسى وأهل الكهف، وعلى الثالث
صورة غراب نوح. والجميع خلقة ربانية.
وبمدينة قرطبة القنطرة العجيبة(
[3]) التي فاقت
قناطر الدنيا حسناً وإتقاناً، وعدد قسيها سبعة عشر قوساً، كل قوس منها خمسون شبراً
وبين كل قوسين خمسون شبراً. ومحاسن هذه المدينة أعظم من أن يحيط بها وصف.
ومن أقاليم جزيرة الأندلس إقليم أشبونة(
[4])
. ومن مدنه
أشبونة وهي مدينة حسنة شمالي النهر المسمى باجة، الذي هو نهر طليطلة. والمدينة
ممتدة مع هذا النهر، وهي على بحر مظلم وبها أسواق قائمة وفنادق عامرة وحمامات
كثيرة، ولها سور منيع ويقابله على ضفة النهر حصن المعدن وسمي بذلك لأن البحر يمتد
عند سيحانه فيقذف بالذهب التبر(
[5]) إلى نحو
ذلك الحصن وما حوله، فإذا رجع الماء قصد أهل تلك البلاد نحو هذا الحصن فيجدون به
الذهب إلى أوان سيحانه أيضاً. ومن أشبونة هذه كان خروج المغرورين في ركوب البحر
المظلم الذي في أقصى بلاد الغرب وهو بحر عظيم هائل غليظ المياه كدر اللون شامخ
الموج صعب الظهر، لا يمكن ركوبه لأحد من صعوبته وظلمة متنه وتعاظم أمواجه وكثرة
أهواله وهيجان رياحه وتسلط دوابه. وهذا البحر لا يعلم أحد قعره ولا يعلم ما خلفه
إلا الله سبحانه وتعالى، وهو غور المحيط ولم يقف أحد من خبره على الصحة ولا ركبه
أحد ملججاً أبداً، إنما يمر مع ذيل الساحل لأن به أمواجاً كالجبال الشوامخ، ودوي
هذا البحر كعظم دوي الرعد لكن أمواجه لا تنكسر، ولو تكسرت لم يركبه أحد، لا ملججاً
ولا مسوحلاً
حكاية: اتفق جماعة من أهل
أشبونة، وهم ثمانية أنفس وكلهم بنو عم، فأنشئوا مركباً كبيراً وحملوا فيه من الزاد
والماء ما يكفيهم مدة طويلة وركبوا متن هذا البحر ليعرفوا ما في نهايته ويروا ما
فيه من العجائب، وتحالفوا أنهم لا يرجعون أبداً حتى ينتهوا إلى البر الغربي أو
يموتوا. فساروا فيه ملججين أحد عشر يوماً، فدخلوا إلى بحر غليظ عظيم الموج كدر
الريح مظلم المتن والقعر كثير القروش، فأيقنوا بالهلاك والعطب، فرجعوا مع البحر في
الجنوب اثني عشر يوماً فدخلوا جزيرة الغنم وفيها من الأغنام ما لا يحصي عددها إلا
الله تبارك وتعالى، وليس بها آدمي ولا بشر، ولا لها صاحب، فنهضوا إلى الجزيرة
وذبحوا من ذلك الغنم وأصلحوه وأرادوا الأكل فوجدوا لحومها مرة لا تؤكل: فأخذوا من
جلودها ما أمكنهم، ووجدوا بها عين ماء فملئوا منها وسافروا مع الجنوب اثني عشر
يوماً آخر، فوافوا جزيرة وبها عمارة فقصدوها، فلم يشعروا إلا وقد أحاط بهم زوارق،
بها قوم موكلون بها، فقبضوا عليهم وحملوهم إلى الجزيرة فدخلوا إلى مدينة على ضفة
البحر وأنزلوهم بدار، ورأوا بتلك الجزيرة والمدينة رجالاً شقر الألوان طوال
القدود، ولنسائهم جمال مفرط خارج عن الوصف، فتركوهم في الدار ثلاثة أيام. ثم دخل
عليهم في اليوم الرابع إنسان ترجمان وكلمهم بالعربي وسألهم عن حالهم فأخبروه
بخبرهم، فأحضروا إلى ملكهم فأخبره الترجمان(
[6]) بما أخبروه
من حالهم، فضحك الملك منهم وقال للترجمان: قل لهم إني وجهت من عندي قوماً في هذا
البحر ليأتوني بخبر ما فيه من العجائب، فساروا مغربين شهراً حتى انقطع عنهم الضوء
وصاروا في مثل الليل المظلم، فرجعوا من غير فائدة، ووعدهم الملك خيراً. وأقاموا
عنده حتى هبت ريحهم فبعثهم مع قوم من أصحابه في زورق وكتفوهم وعصبوا أعينهم
وسافروا بهم مدة لا يعلمون كم هي، ثم تركوهم على الساحل وانصرفوا. فلما سمعوا كلام
الناس صاحوا فأقبلوا إليهم وحلوا عن أعينهم وقطعوا كتافهم، وأخبروهم بخبر الجماعة،
فقال لهم الناس: هل تدرون كم بينكم وبين أرضكم ؟ قالوا: لا قالوا: فوق شهر. فرجعوا
إلى بلدهم. ولهم في أشبونة حارة مشهورة تسمى حارة المغرورين إلى الآن.
ومالقة(
[7])
: وهي مدينة
كبيرة واسعة الأقطار عامرة الديار، قد استدار بها من جميع جهاتها ونواحيها شجر
التين المنسوب إلى زيد، وهو أحسن التين لوناً وأكبره جرماً وأنعمه شحماً وأحلاه
طعماً، حتى إنه يقال ليس في الدنيا مدينة عظيمة محيط بها سور من حلاوة. عرض السور
يوم للمسافرين إلى مالقة، ويحمل منها التين إلى سائر الأقاليم حتى إلى الهند
والصين، وهو مسافة سنة لحسنه وحلاوته وعدم تسويسه ونقاء صحته. ولها ربضان عامران:
ربض عام للناس وربض للبساتين. وشرب أهلها من الآبار، وبينها وبين قرطبة حصون
عظيمة.
ومن أقاليم جزيرة الأندلس إقليم السيارات ومن مدنه المشهورة غرناطة(
[8]) وهي مدينة
محدثة. وما كان هناك مدينة مقصودة إلا البيرة (
[9])
فخربت
وانتقل أهلها إلى غرناطة. وحسن الصنهاجي هو الذي مدنها وبنى قصبتها وأسوارها ثم
زاد في عمارتها ابنه باديس بعده، وهي مدينة يشقها نهر الثلج المسمى سيدل وبدؤه من
جبل سمكير، والثلج بهذا الجبل لا يبرح .
ن المدن المشهورة
المرية(
[10]) وكانت
مدينة الإسلام في أيام التمكين، وكان بها من جميع الصناعات كل غريب، وكان بها لنسج
الطرز الحريرية ثمانمائة نول. ولحلل الحرير النفيسة والديباج(
[11]) الفاخر ألف
نول وللسفلاطون كذلك، وللثياب الجرجانية كذلك، وللأصبهاني مثل ذلك، وللعنابي
والمعاجر المذهبة الستور والمكللة بالشرج، وكان يصنع بها صنوف آلات الحديد والنحاس
والزجاج مما لا يوصف. وكان بها أنواع الفاكهة العجيبة التي تأتيها من وادي بجاية
ما يعجز عنه الواصف حسناً وطيباً وكثرة، وتباع بأرخص ثمن، وهذا الوادي طوله أربعون
ميلاً في مثلها، كلها بساتين مثمرة وجنات نضرة وأنهار مطردة وطيور مغردة. ولم يكن
في بلاد الأندلس أكثر مالاً من أهلها ولا أكثر متاجر ولا أعظم ذخائر، وكان بها من
الفنادق والحمامات ألف مغلق إلا ثلاثين، وهي بين جبلين بينهما خندق معمور، على
الجبل الواحد قصبتها المشهورة بالحصانة، وعلى الجبل الآخر ربضها. والسور محيط
بالمدينة والربض، وغربيهن ربض لها آخر يسمى ربض الحوض، ذو أسواق وحمامات وفنادق
وصناعات، وقد استدار بها من كل جهة حصون مرتفعة وأحجار أزلية وكأنما غربلت أرضها
من التراب، ولها مدن وضياع متصلة الأنهار.
قرطاجنة(
[12])
: مدينة
أزلية كثيرة الخصب، ولها اقليم يسمى القندوق، قليل مثله في طيب الأرض ونمو الزرع.
ويقال إن الزرع فيه يكتفي بمطرة واحدة. وكانت هذه المدينة في قديم الزمان من عجائب
الدنيا لارتفاع بنائها واظهار القدرة فيه، وبها أقواس من الحجارة المقرنصة، وفيها
من التصاوير والتماثيل وأشكال الناس وصور الحيوانات ما يحير البصر والبصيرة. ومن عجيب
بنائها الدواميس، وهي أربعة وعشرون داموساً على صف واحد من حجارة مقرنصة طول كل
داموس مائة وثلاثون خطوة في عرض ستين خطوة، وارتفاع كل واحد طول مائتي ذراع، بين
كل داموسين أثقاب محكمة تصل فيها المياه من بعضها إلى بعض في العلو الشاهق، بهندسة
عجيبة وإحكام بليغ، وكان الماء يجري إليها من شوتار وهي عين بقرب القيروان تخرج من
جانب جبل، وإلى الآن يحفر في هدمها من سنة ثلثمائة فيخرج منها من أنواع الرخام(
[13]) والمرمر(
[14]) والجزع
الملون ما يبهر الناظر، قاله الجواليقي. ولقد أخبرني بعض التجار أنه استخرج منها
ألواحاً من الرخام طول كل لوح أربعون شبراً في عشرة أشبار، والحفر بها دائم على
ممر الليالي والأيام لم يبطل أبداً، ولا يسافر مركب أبداً، في البحر في تلك
المملكة إلا وفيه من رخامها. ويستخرج منها أعمدة طول كل عامود ما يزيد على أربعين
شبراً. وغالب الدواميس قائمة على حالها.
شاطبة(
[15])
: وهي مدينة
حسنة يضرب بحسنها المثل، ويعمل بها الورق الذي لا نظير له في الأقاليم حسناً.
قنطرة السيف(
[16])
: وهي مدينة
عظيمة، وبها قنطرة عظيمة وهي من عجائب الدنيا، وعلى القنطرة حصن عظيم منيع الذرى.
طليطلة(
[17])
: وهي مدينة
واسعة الأقطار عامرة الديار، أزلية من بناء العمالقة الأولى العادية ولها أسوار
حصينة لم ير مثلها إتقاناً أو متاعاً، ولها قصبة عظيمة وهي على ضفة البحر الكبير
يشقها نهر يسمى باجة ولها قنطرة عجيبة وهي قوس واحد، والماء يدخل من تحته بشدة
جري، وفي آخر النهر ناعورة طولها تسعون ذراعاً بالرشاشي، يصعد الماء إلى أعلى
القنطرة فيجري على ظهرها ويدخل إلى المدينة.
وكانت طليطلة دار مملكة الروم، وكان فيها قصر مقفل أبداً، وكلما تملك فيها ملك من
الروم أقفل عليه قفلاً محكماً؛ فاجتمع على باب القصر أربعة وعشرون قفلاً، ثم ولي
الملك رجل ليس من بيت الملك، فقصد فتح تلك الأموال على عدم فتحها فلم يرجع، وأزال
الأقفال وفتح الباب فوجد فيها صور وحذروه وجهدوا به، فأبى إلا فتحها، فبذلوا له
جميع ما بأيديهم من نفائس الأموال على عدم فتحها فلم يرجع، وأزال الأقفال الباب
فوجد فيها صور العرب على خيلها وجمالها وعليهم العماثم المسبلة متقلدين السيوف
وبأيديهم الرماح الطوال والعصي، ووجد كتاباً فيه: إذا فتح هذا الباب تغلب على هذه
الناحية قوم من الأعراب على صفة هذه الصور، فالحذر من فتحه الحذر
قال ففتح في تلك السنة الأندلس طارق بن زياد(
[18]) في خلافة
الوليد بن عبد الملك(
[19]) من بني
أمية، وقتل ذلك الملك شر قتلة ونهب ماله وسبى من بها وغنم أموالها، ووجد بها ذخائر
عظيمة، من بعضها مائة وسبعون تاجاً من الدر والياقوت والأحجار النفيسة، وإيوناً
تلعب فيه الرماحة بأرماحهم قد ملئ من أواني الذهب والفضة مما لا يحيط به وصف، ووجد
بها المائدة(
[20]) التي لنبي
الله سليمان(
[21]) بن داود
عليهما السلام(
[22])، وكانت على
ما ذكر من زمرد أخضر. وهذه المائدة إلى الآن في مدينة رومية باقية، وأوانيها من
الذهب وصحافها من اليشم والجزع. ووجد فيها الزبور(
[23]) بخط يوناني
في ورق من ذهب مفصل بجوهر، ووجد مصحفاً محلى فيه منافع الأحجار والنبات والمعادن
واللغات والطلاسم وعلم السيمساء والكيمياء.
ووجد مصحفاً فيه صناعة أصباغ الياقوت والأحجار وتركيب السموم والترياقات، وصورة
شكل الأرض والبحار والبلدان والمعادن والمسافات، ووجد قائمة كبيرة مملوءة من
الأكسير، يرد الدرهم(
[24]) منه ألف
درهم من الفضة ذهباً إبريزاً.
ووجد مرآة مستديرة عجيبة من أخلاط قد صنعت لسليمان عليه السلام، إذا نظر الناظر
فيها رأى الأقاليم السبعة فيها عياناً ورأى مجلساً فيه من الياقوت والبهرمان وسق
بعير. فحمل ذلك كله إلى الوليد بن عبد الملك، وتفرق العرب في مدنها. وبطليطلة
بساتين محدقة وأنهار مغدقة ورياض وفواكه مختلفة الطعوم والألوان، ولها من جميع
جهاتها أقاليم رفيعة ورساتيق(
[25]) مريعة
وضياع وسيعة وقلاع منيعة، وشمالها جبل عظيم معروف بجبل الإشارات، به من البقر
والغنم ما يعم البلاد كثرة وغزراً.
* *
* *
ذكر الغرب الأدنىوهو الواحات وبرقة
وصحراء الغرب والإسكندريةفأما الواحات: فإن بها قوماً من
السودان يسمون البربر، وهم في الأصل عرب مخضرمون وبها كثير من القرى والعمائر
والمياه وهي أرض حارة جداً، وهي في ضفة الجبل الحائل بين أرض مصر والصحارى، وينتج
بهذه الأرض وما اتصل بها من أرض السودان حمر وحشية منقوشة ببياض وسوداء بزي عجيب
لا يمكن ركوبها، وإن خرجت عن أرضها ماتت في الحال. وكان في القديم يزرع بأرضها
الزعفران(
[26]) كثيراً
وكذلك البليلج(
[27]) والعصفر(
[28]) وقصب
السكر، وبها حيات في رمال تضرب الجمل في خفة فلا ينقل حدوة حتى يطير وبره من ظهره
وينهري.
شنترية: بها قوم من البربر(
[29]) وأخلاط العرب، وبها معدن الحديد والبريم،
وبينها وبين الإسكندرية برية واسعة. يقولون: إن بها مدناً عظيمة مطلسمة من أعمال
الحكماء والسحرة، ولا تظهر إلا صدفة.
فمنها ما حكي أن رجلاً أتى
عمر بن عبد العزيز(
[30]) رحمه الله
تعالى، وعمر رضي الله عنه يومئذ عامل
([31]) على مصر
وأعمالها، فعرفه أنه رأى في صحراء الغرب بالقرب من شنترية، وقد أوغل فيها في طلب
جمل له ند منه، مدينة قد خرب الأكثر منها وأنه قد وجد فيها شجرة عظيمة بساق غليظ
تثمر من جميع أنواع الفواكه، وأنه أكل منها كثيراً وتزود. فقال له رجل من القبط
([32]): هذه إحدى
مدينتي هرمس الهرامسة وبها كنوز عظيمة. فوجه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مع
ذلك الرجل جماعة من ثقاته واستوثقوا من الزاد والماء عن شهر، وطافوا تلك الصحارى
مراراً فلم يقفوا على شيء من ذلك.
ويُحكى: إن عاملاً من عمال العرب جار على قوم من الأعراب فهربوا من عنفه
وجوره ودخلوا صحراء الغرب ومعهم من الزاد ما يكفيهم مدة، فسافروا يوماً أو بعض يوم
فدخلوا جبلاً فوجدوا فيه عنزاً كثيرة وقد خرجت من بعض شعاب الجبل، فتبعوها فنفرت
منهم فأخرجتهم إلى مساكن وأنهار وأشجار ومزارع وقوم مقيمين في تلك الناحية قد تناسلوا
وهم في أرغد عيش وأنزه مكان، وهم يزرعون لأنفسهم ويأكلون ما يزرعون بلا خراج ولا
مقاسمة ولا طلب. فسألوهم عن حالهم فأخبروهم أنهم لم يدخلوا إلى بلاد العرب ولا
عرفوها. فرجع هؤلاء القوم الذين هربوا من العامل إلى أولادهم وأهليم ودوابهم
فساقوها ليلاً وخرجوا بهم يطلبون ذلك المكان، فأقاموا مدة طويلة يطوفون في ذلك
الجبل فلم يقفوا لهم على أثر، ولا وجدوا لهؤلاء من خبر
ويحكى أن موسى بن نصير(
[33]) لما قلد
الغرب ووليها في زمان بني أمية، أخذ في السير على ألواح الأقصى بالنجوم والأنواء
وكان عارفاً بها فأقام سبعة أيام يسير في رمال بين مهبي الغرب والجنوب، فظهرت له
مدينة عظيمة لها حصن عظيم بأبواب من حديد، فرام أن يفتح باباً منها فلم يقدر
وأعياه ذلك لغلبة الرمل عليها، فأصعد رجلاً إلى أعلاه فكان كل من صعد ونظر إلى
المدينه صاح ورمى بنفسه إلى داخلها ولا يعلم ماذا يصيبه ولا ما يراه، فلم يجد له
حيلة، فتركها ومضى.
وحكي أن رجلاً من صعيد مصر أتاه رجل آخر وأعلمه أنه يعرف مدينة في أرض الواحات بها
كنوز عظيمة. فتزودا وخرجا، فسافرا في الرمل ثلاثة أيام ثم أشرفا على مدينة عظيمة
بها أنهار وأشجار وأثمار وأطيار ودور وقصور، وبها نهر محيط بغالبها وعلى ضفة النهر
شجرة عظيمة، فأخذ الرجل الثاني من ورق الشجرة ولفها على رجليه وساقيه بخيوط كانت
معه وفعل برفيقه كذلك، وخاضا النهر فلم يتعد الماء الورق ولم يجاوزه، فصعدا إلى
المدينة فوجدا من الذهب وغيره ما لا يكيف ولا يوصف، فأخذا منه ما أطاقا حمله ورجعا
بسلامة وتفرقا؛ فدخل الرجل الصعيدي إلى بعض ولاة الصعيد وعرفه بالقصة وأراه من عين
الذهب، فوجه معه جماعة وزودهم زاداً يكفيهم مدة، فجعلوا يطوفون في تلك الصحارى ولا
يجدون لذلك أثراً، وطال الأمر عليهم فسئموا ورجعوا بخيبة.
وأما أرض برقة فكانت في قديم الزمان مدناً عظيمة عامرة، وهي الآن خراب ليس بها إلا
القليل من الناس والعمارة، وبها يزرع من الزعفران شيء كثير.
وأما الإسكندرية (
[34])فهي آخر مدن
الغرب، وهي على ضفة البحر الشامي وبها الآبار العجيبة والروم الهائلة التي تشهد
لبانيها بالملك والقدرة والحكمة. وهي حصينة الأسوار عامرة الديار كثيرة الأشجار
غزيرة الثمار؛ وبها الرمان والرطب والفاكهة والعنب، وهي من الكثرة في الغاية، ومن
الرخص في النهاية. وبها يعمل من الثياب الفاخرة كل عجيب، ومن الأعمال الباهرة كل
غريب، ليس في معمور الأرض مثلها؛ ولا في أقصى الدنيا كشكلها، يحمل منها إلى سائر الأقاليم
في الزمن الحادث والقديم، وهي مزدحم الرجال ومحط الرحال ومقصد التجار من سائر
القفار والبحار، والنيل يدخل إليها من كل جانب، من تحت أقبية إلى معمورها، ويدور
بها وينقسم في دورها بصنعة عجيبة وحكمة غريبة، يتصل بعضها ببعض أحسن اتصال لأن
عمارتها تشبه رقعة الشطرنج في المثال.
وإحدى عجائب الدنيا فيها وهي المنارة التي لم ير مثلها في
الجهات والأقطار،
وبين المنارة(
[35]) والنيل ميل
واحد وارتفاعه مائة ذراع بالشاشي لا بالساعدي، جملته مائتا قامة إلى القبة. ويقال
إنه كان في أعلاها مرآة ترى فيها المراكب من مسيرة شهرة، وكان بالمرآة أعمال
وحركات لحرق المراكب في البحر، إذا كان عدواً، بقوة شعاعها. فأرسل صاحب الروم يخدع
صاحب مصر ويقول: إن الإسكندر قد كنز بأعلى المنارة كنزاً عظيماً من الجواهر
واليواقيت واللعب والأحجار التي لا قيمة لها خوفاً عليها، فإن صدقت فبادر إلى
استخراجه، وإن شككت فأنا أرسل لك مركباً موسوقاً من ذهب وفضة وقماش وأمتعة، ولا
يقوم، ومكني من استخراجه ولك من الكنز ما تشاء. فانخدع لذلك وظنه حقاً فهدم القبة
فلم يجد شيئاً مما ذكر، وفسد طلسم المرآة؛ ونقل أن هذه المنارة كانت وسط المدينة؛
وأن المدينة كانت سبع قصبات متوالية وإنما أكلها البحر ولم يبق منها إلا قصبة
واحدة وهي المدينة الآن، وصارت المنارة في البحر لغلبة الماء على قصبة المنارة.
ويقال إن مساجدها حصرت في وقت من الأوقات فكانت عشرين ألف مسجد.
وذكر الطبري(
[36]) في تاريخه
أن عمرو بن العاص(
[37]) رضي الله عنه لما
افتتحها أرسل إلى عمر بن الخطاب(
[38]) رضي الله
عنه، يقول: قد افتتحت لك مدينة فيها أثنا عشر ألف حانوت تبيع البقل.
وكان يوقد في أعلى هذه المنارة ليلاً ونهاراً لاهتداء المراكب القاصدة إليها.
ويقولون: إن الذي بنى المنارة هو الذي بنى الأهرام .
وبهذه المدينة المثلثان وهما حجران مربعان وأعلاهما ضيق حاد،
طول كل واحد منها خمس قامات وعرض قواعدهما في الجهات الأربع كل جهة أربعون شبراً،
عليها خط بالسرياني، حكي أنهما منحوتان من جبل برسم الذي هو غربي ديار مصر،
والكتابة التي عليهما: أنا يعمر بن شداد، بنيت هذه المدينة حين لا هرم فاش، ولا موت
ذريع، ولا شيب ظاهر، وإذا الحجارة كالطين وإذا الناس لا يعرفون لهم رباً، وأقمت
أسطواناتها وفجرت أنهارها وغرست أشجارها، وأردت أن أعمل فيها شيئاً من الآثار
المعجزة والعجائب الباهرة فأرسلت مولاي البتوت بن مرة العادي ومقدام بن عمرو بن
أبي رغان الثمودي خليفة إلى جبل بريم الأحمر، فاقتطعا منه حجرين وحملاهما على
أعناقهما فانكسرت ضلع من أضلاع البتوت، فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له، وهما
هذان. وأقامهما إلى القطن بن جارود المؤتفكي في يوم السعادة، وهذه المثلثة الواحدة
في ركن البلد من الجهة الشرقية والمثلثة الأخرى ببعض المدينة.
ويقال إن المجلس الذي بجنوب المدينة المنسوب إلى سليمان بن داود عليهما السلام،
بناه يعمر بن شداد المذكور، وأسطواناته وعضاداته باقية إلى الآن، وهو سنة(
[39]) خمس
وثمانين وثلاثمائة وهو مجلس مربع في كل رأس منه ست عشرة سارية، وفي الجانبين
المتطاولين سبع وستون سارية، وفي الركن الشمالي أسطوانة عظيمة ورأسها عليها، وفي
أسفلها قاعدة من الرخام مربعة، جرمها ثمانون شبراً، وطولها من القاعدة إلى الرأس
تسع قامات، ورأسها منقوش مخروم بأحكم صنعة، وهي مائلة من تقادم الدهور ميلاً
كثيراً، لكنها ثابتة، وبها عمود يقال عمود القمر، عليه صورة طير يدور مع الشمس.
أرض مصر: وهي غربي جبل جالوت، وهو إقليم العجائب ومعدن الغرائب، وأهله
كانوا أهل ملك عظيم وعز قديم، وكان به من العلماء عدة كثيرة وهم متفننون في سائر
العلوم مع ذكاء مفرط في جبلتهم وكانت مصر خمساً وثمانين كورة، ومنها أسفل الأرض
خمس وأربعون كورة وفوق الأرض أربعون كورة، ونهرها يشقها، والمدن على جانبيه وهو
النهر المسمى بالنيل، العظيم البركات المبارك الغدوات والروحات، وهو أحسن الأقاليم
منظراً وأوسعها خيراً وأكثرها قرى، وهو من حد أسوان إلى الإسكندرية.
وفي أرض مصر كنوز عظيمة، ويقال إن غالب أرضها ذهب مدفون، حتى قيل إنه ما فيها موضع
إلا وهو مشغول بشيء من الدفائن. وبها الجبل المقطم وهو شرقيها، ممتد من مصر إلى
أسوان في الجهة الشرقية، يعلو في مكان وينخفض في مكان. وتسمى تلك التقاطيع منه
اليحاميم وهو سود، ويوجد فيها المغرة والكلس، وفيه ذهب عظيم، وذلك أن تربته إذا
دبرت استخرج منها ذهب خالص، وفيه كنوز وهياكل وعجائب غريبة. ومما يلي البحر الجبل
المنحوت المدور الذي لا يستطيع أحد أن يرقاه لملاسته وارتفاعه، وفيه كنوز عظيمة
لمقطم الكاهن(
[40]) الذي نسب
إليه هذا الجبل، ولملوك مصر القديمة أيضاً من الذهب والفضة والأواني والآلات
النفسية والتماثيل الهائلة والتبر والإكسير وتراب الصنعة ما لا يعلمه إلا الله
تعالى.
ومن مدنه المشهورة الفسطاط(
[41]) وهو فسطاط
عمرو بن العاص، وهي مدينة عظيمة وبها جامع(
[42]) عمرو بن
العاص رضي الله عنه، وكان مكانه كنيسة للروم فهدمها عمرو بن العاص وبناها مسجداً
جامعاً، وحضر بناءه جماعة من الصحابة. وشرقي الفسطاط خراب، وذكر أنها كانت مدينة
عظيمة قديمة ذات أسواق وشوارع واسعة وقصور ودور وفنادق وحمامات، يقال إنها كان بها
أربعمائة حمام فخربها
شاور(
[43])، وهو وزير
العاضد(
[44])، خوفاً من
الفرنج أن يملكوها.
وسمي الفسطاط فسطاطاً لأن عمرو بن العاص نصب فسطاطه أي خيمته هنا مدة إقامته، ولما
أراد الرحيل وهدم الفسطاط أخبر أن حمامة باضت بأعلاه فأمر بترك الفسطاط على حاله
لئلا يحصل التشويش للحمامة بهدم عشها وكسر بيضها، وأن لا يهدم حتى تفقس عن فراخها
وتطيرهم، وقال: والله ما كنا لنسيء لمن لجأ بدارنا واطمأن إلى جانبنا .
وقبالة الفسطاط الجزيرة المعروفة بالروضة(
[45])، وهي جزيرة
يحيط بها بحر النيل من جميع جهاتها، وبها فرج ونزه ومقاصف وقصور ودور وبساتين،
وتسمى هذه الجزيرة دار المقياس، وكانت في أيام بعض ملوك مصر، يجتاز إليها على جسر
من السفن فيه ثلاثون سفينة وكان بها قلعة عظيمة فخربت، وبها المقياس يحيط به أبنية
دائرة على عمد، وفي وسط الدار فسقية عميقة ينزل إليها بدرج من رخام دائرة وفي
وسطها عمود رخام قائم وفيه رسوم أعداد الأذرع والأصابع يعبر إليه الماء من قناة
عريضة. ووفاء النيل ثمانية عشر ذراعاً وهذا المبلغ لا يدع من ديار مصر شيئاً إلا
رواه، وما زاد على ذلك ضرر ومحل لأنه يميت الشجر ويهدم البنيان. وبناء مصر كلها
طبقات بعضها فوق بعض يكون خمساً وستاً وسبعاً، وربما سكن في الدار الواحدة الجامعة
مائة من الناس ولكل منهم منافع ومرافق مما يحتاج إليه. وأخبر الجواليقي أنه كان
بمصر على أيامه دار تعرف بدار ابن عبد العزيز بالموقف، يصب لمن فيها من السكان في
كل يوم أربعمائة راوية وفيها خمسة مساجد وحمامات وفرنان.
القاهرة المعزية: حرسها الله تعالى وثبت قواعد أركان دولة سلطانها وجعلها
دار إسلام إلى يوم القيامة آمين. وهي مدينة عظيمة أجمع المسافرون غرباً وشرقاً
وبراً وبحراً على أنه لم يكن في المعمورة أحسن منها منظراً ولا أكثر ناساً ولا أصح
هواء ولا أعذب ماء ولا أوسع فناء، وإليها يجلب من أقطار الأرض وسائر الأقاليم من
كل شيء غريب، ونساؤها في غاية الحسن والظرف، وملكها عظيم ذو هيبة وصيت كثير الجيوش
حسن الرأي لا يماثله ملك في زيه وترتيبه، تعظمه ملوك الأرض وتخشى بأسه وترغب في
مودته وتترضاه وهو سلطان الحرمين الزاهرين والحاكم على البحرين الزاخرين؛ وهي
مدينة يعبر عنها بالدنيا، وناهيك من إقليم يحكم سلطانه على مواطن العبادة في الأرض
المشرفة والمدينة الشريفة وبيت المقدس؛ ومواطن الأنبياء ومستقر الأولياء وأهل هذه
المدينة في غاية الرفاهية والعيشة الهنية والهيئة البهية، وقد ورد في الخبر: مصر
كنانة الله ما رماها أحد بسوء إلا أخرج من كنانته سهماً فرماه به وأهلكه.
عين شمس(
[46])
وهي شرق
القاهرة،
وكانت في القديم دار مملكة لهذا الإقليم، وبها من الأعمال والأعلام الهائلة
والآثار العظيمة، وبها البستان(
[47]) الذي لا
ينبت شيء من الأرض إلا وهو فيه، وهو بستان طوله ميل في ميل(
[48])، والسر في
بئره لأن المسيح عليه السلام اغتسل فيه.
وغربيها مدينة قليوب وهي مدينة عظيمة يقولون إنه كان بها ألف وسبعمائة
بستان، ولكن لم يبق إلا القليل. وبها من أنواع الفاكهة شيء كثير في غاية الرخص،
وبها السردوس(
[49]) الذي هو
أحد نزه الدنيا، يسار فيه يومان بين بساتين مشتبكة وأشجار ملتفة وفواكه فاخرة
ورياض ناضرة، وهي حفير هامان(
[50]) وزير فرعون(
[51]). يقال إنه
لما حفرها جعل أهل البلاد يخرجون إليه ويسألونه أن يجريها إليهم ويجعلون له على
ذلك ما شاء من المال، ففعل وحصل من أهل البلاد مائة ألف ألف دينار(
[52]) فحملها إلى
فرعون؛ فسأله من أين هذا المال الكثير؛ فأخبره أن أهل البلاد سألوا منه اجراء
الماء إلى بلادهم وجعلوا هذا المال مقابلة لذلك فقال فرعون: بئس ما صنعت من أخذ
هذه الأموال، أما علمت أن السيد المالك ينبغي له أن يعطف على عبيده ولا يأخذ منهم
على إيصال منفعة أجراً ولا ينظر إلى ما بأيديهم ؟ اردد المال إلى أربابه ولا تأت
بمثلها
الجيزة(
[53])
: وهي مدينة
عظيمة على ضفة النهر الغربية ذات قرى ومزارع، وبها خصب كثير وخير واسع، وبها
القناطر التي لم يعمل مثلها وهي أربعون قوساً على سطر واحد، وبها الأهرام التي هي
من عجائب الدنيا لم يبن على وجه الأرض مثلها في إحكامها وإتقانها وعلوها، وذلك
أنها مبنية بالصخور العظام وكانوا حين بنوها يثقبون الصخر من طرفيه ويجعلون فيه
قضيباً من حديد قائم ويثقبون الحجر الآخر وينزلونه فيه ويذيبون الرصاص ويجعلونه في
القضيب بصنعة هندسية حتى كمل بناؤها، وهي ثلاثة أهرامات، ارتفاع كل هرم منها في
الهواء مائة ذراع بالملكي، وهو خمسمائة ذراع بالذراع المعهود بيننا، وضلع كل هرم
من جهاته ذراع بالملكي. وهي مهندسة من كل جانب محددة الأعالي من أواخر طولها على
ثلثمائة ذراع. يقولون إن داخل الهرم الغربي ثلاثين مخزناً من حجارة صوان ملونة
مملوءة بالجواهر النفيسة والأموال الجمة والتماثيل الغريبة والآلات والأسلحة
الفاخرة التي قد دهنت بدهان الحكمة فلا تصدأ أبداً إلى يوم القيامة. وفيه الزجاج
الذي ينطوي ولا ينكسر، وأصناف العقاقير المركبة والمفردة والمياه المدبرة. وفي
الهرم الشرقي الهيئات الفلكية والكواكب، منقوش فيها ما كان وما يكون في الدهور
والأزمان إلى آخر الدهر(
[54]). وفي الهرم
الثالث أخبار الكهنة
([55]) في توابيت
صوان مع كل كاهن لوح من ألواح الحكمة وفيه من عجائب صناعاته وأعماله. وفي الحيطان
من كل جانب أشخاص كالأصنام تعمل بأيدها جميع الصناعات على المراتب. ولكل هرم منها
خازن. وكان المأمون(
[56]) لما دخل
الديار المصرية أراد هدمها فلم يقدر على ذلك فاجتهد وأنفق أموالاً عظيمة حتى فتح
في أحدها طاقة صغيرة، يقال إنه وجد خلف الطاقة من الأموال قدر الذي أنفقه لا يزيد
ولا ينقص، فتعجب من ذلك وقال:
انظر إلى الهرمين واسمع منهما |
| ما يرويان عن الزمان الغابـر |
لو ينطقان لخبّـرانـا بـالـذي |
| فعل الزمان بـأوّلٍوبـآخـر |
التهميش
([1] ) المنبر : شرفة
يعتليها الخطيب أو من يتلو المراسيم ويكون إما من الرخام أو الحجر المدهون أو
الخشب القيم.
([2] ) عثمان بن
عفان ( 47 ق هـ ــ 35 هـ) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص . قرشي أموي . أمير
المؤلفين ،وثالث الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة من السابقين إلى
الإسلام . كان غنياً شريفاً في الجاهلية ، وبذل من ماله نصرة الإسلام . زوجه النبي
صلي اله علية وسلم بنته رقية ، فلما ماتت
زوجة بنته الأخرى أم كلثوم ، فسمى ذا
النورين بويع بالخلافة بعد أمير المؤمنين عمر . واتسعت رقعة الفتوح في
أيامه . أتم جمع القرآن . وأحرق ماعدا نسخ مصحف الإمام . نقم علية بعض الناس تقديم
بعض أقاربه في الولايات . قتله بعض الخارجين علية بداره يوم الأضحى وهو يقرأ القرآن . [ الأعلام للزركلي 4/371؛
و(عثمان بن عفان) لصادق إبراهيم عرجون ؛ والبدء والتاريخ 5/79 ] .
([3] ) وفي ذلك قال
الشاعر : بأربع فاقت الأمصار قرطبة .... منهن قنطرة الوادي وجامعها
هاتان ثنتان والزهراء
ثالثة ..... والعلم أعظم شئ وهو رابعها .
([4] ) أشبونة :
يصفها الحميري كالآتي : " بالأندلس من كور باجة المختلطة بها، وهي مدينة
الاشبونة، والأشبونة بغربي باجة، وهي مدينة قديمة على سيف البحر تنكسر أمواجه في سورها، واسمها قودية، وسورها رائق البنيان، بديع الشأن، وبابها الغربي قد عقدت عليه حنايا
فوق حنايا على عمدٍ من رخام مثبتةٍ على حجارة من رخام وهو أكبر
أبوابها، ولها باب غربي أيضاً يعرف بباب الخوخة مشرف على سرح فسيح يشقه جدولا ماء يصبان في البحر، ولها باب قبلي يسمى باب
البحر تدخل أمواج البحر فيه عند مده
وترتفع في سوره ثلاث قيم، وباب شرقي يعرف بباب الحمة، والحمة على مقربةٍ منه ومن البحر ديماس ماءٍ حارٍ وماءٍ باردٍ، فإذا مد البحر واراهما؛ وباب شرقي أيضاً يعرف بباب المقبرة.والمدينة في ذاتها حسنة ممتدة مع النهر، لها سور وقصبة منيعة؛ والأشبونة على نحر البحر المظلم؛ وعلى ضفة البحر
من جنوبه قبالة مدينة الأشبونة حصن المعدن؛ ويسمى بذلك لأن
عند هيجان البحر يقذف بالذهب التبر هناك؛ فإذا كان الشتاء
قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء، وهو من عجائب الأرض.ومن مدينة الأشبونة كان خروج المغرورين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى
أين انتهاؤه، ولهم بأشبونة موضع بقرب الحمة منسوب إليهم يعرف
بدرب المغرورين، وذلك أن ثمانية رجال، كلهم أبناء عمٍ، اجتمعوا فابتغوا مركباً وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهرٍ،
ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية، فجروا بها نحواً
من إحدى عشر يوماً؛ فوصلوا إلى بحرٍ غليظ الموج، كدر
الروائح، كثير التروش، قليل الضوء، فأيقنوا بالتلف، فردوا قلعهم في اليد الأخرى، وجروا في البحر في ناحية اثنى عشر
يوماً؛ فخرجوا " .
[5] ) التبر :
فتات الذهب قبل أن يُصاغ ( المعجم الوسيط 1 / 84 ) .
([6] ) الترجمان :
المفسر للسان والذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة الى أخرى ( اللسان 1 / 426 ) .
([7] ) مالقة Malaga
: تقع جنوب شرق الأندلس وكانت مالقة مدينة ثانوية الأهمية في القرون الأولى بعد
الفتح الإسلامي ولم تصبح ميناء تجاريًا على جانب من الأهمية في البحر الأبيض
المتوسط سوى في عهد الموحدين ومملكة بني نصر. وكان الملك الزيري باديس بن حبوس هو
من بنى القصبة فوق القلعة القائمة آنذاك. دخلها المرابطون في خريف 1090 وألحقوها
بدائرة غرناطة. ويبرز من عمران المرابطين فيها تشييدهم للمساجد بصورة خاصة، كما
اكتشف في قصبة المرابطين حي مكون من ثمانية منازل اقيمت على الأغلب في القرن
الحادي عشر. وتتحدث المراجع عن قصر كان قائما في داخل القصبة. ثار قاضي المدينة
ابن حسون على المرابطين في سنة 1145 وأعلن نفسه أميرا عليها. وكان لاستياء ابناء
مالقة من حاكمهم أن طلبوا نجدة الموحدين الذي استجابوا للنداء وأقاموا حصارا على
القلعة-القصر انتهى بانتحار ابن حسون. ولعب
الموحدون الدور الأكبر في تطوير عمران المدينة إذ أنشأوا فيها البنى التحتية التي اعتمدها فيما بعد بنو
نصر. بدأت حروب الاستيلاء على منطقة مالقة من قبل القشتاليين في سنة 1482 . فقد
حاصر الملك فرناندو الكاثوليكي المدينة وحال دونها والتموّن وكانت مقاومة أهلها
شديدة الى درجة أنها أصبحت اكثر الوقعات دموية في تأريخ سقوط مملكة غرناطة. وتم
استسلام المدينة غير المشروط في 18 أغسطس من سنة 1487 ( راجع المقري : نفح الطيب ،
ج1 ، ص 186 ، ومعجم البلدان ج18 ، 376 ) .
8] ) غرناطة Granada : وتعني باللغة الأسبانية " الرمانة " وهي شعار الأندلس
التاريخي وتأريخ غرناطة حافل بالأساطير، ربما لأنها تحتضن قصور الحمراء ولأنها
كانت آخر معقل لحضارة الأندلس العربية في شبه الجزيرة الايبرية للمزيد أنظر ( محمد
عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس ، ج8 ، ص 160 ) .
([9] ) البيرة : Ilbira
: مدينة قديمة في الأندلس يرجع تاريخا الى العصر الروماني ، تقع على نهير شنيل
بالقرب من جبل يُرف باسمها وعلى مسيرة ميل وربع في الشمال الغربي لمدينة
غرناطة .ولعبت دوراً كبيرا في تاريخ
الدولة الأموية ونزل بها في عهد أبو الخطار حسام بن ضرار جند دمشق .
([10]
) ألمرية Almaria : كانت باب الأندلس عبر امتداد تاريخه ومن خلالها أقام
علاقات انسانية وتجارية مع العالم الاسلامي في القرون الوسطى. أسسها المسلمون عند
مرسى روماني الأصل مدركين حسنات خليجه الذي يتيح الرسو كيفما جرت الرياح. منحها
الخليفة عبد الرحمن الثالث صفة المدينة في سنة 955، فبني مسجدها الجامع الذي كان
يتسع لتسعة آلاف مصلي وأنشأ أسوارها. قلعتها ترجع الى عصر بني أمية وكانت مقرا
لامراء وملوك المرية وهي أفضل ما وصل الينا من صروحها، فموقعها فوق قمة متطاولة
لجبل منعزل يشرف على المدينة والخليج جعل منها معقلا حصينا بامتياز. أما أسوار
المدينة التي بنيت ما بين القرنين العاشر والحادي عشر فكان يتخللها ما لا يقل عن
ثلاثة عشر بابا. جعل المرابطون من ألمرية أهم مركز تجاري وصناعي وملاحي في
الأندلس، فالمدينة كانت تنتج آنذاك كميات كبيرة من الأنسجة لكثرة المناسج المنزلية
التي كانت تقوم عليها النسوة. وفي الآن ذاته قادت المرية التمرد الديني ضد
المرابطين وغدت مركزا للمتصوفة برز فيه ابو العباس احمد بن العارف الذي كان له شأن
كبير. سقطت المرية في سنة 1147 تحت سنابك جيش قشتالة بقيادة الملك الفونسو الثامن
وبمساعدة جيوش قدمت من نافارّا وبيزا وجنوة. واستعادة المسلمين للمدينة أعاد مجرى
الحياة اليها فعاودت الصلات التجارية مع شمال افريقيا والجمهوريات الايطالية، لكن
شبه الجزيرة بدأت تفقد دورها كموزع للمنتجات ما بين الشرق والغرب، غير أن عودة
المنفيين اليها مثّل دفعا مهما فرمّم المسجد الجامع والقيصرية والترسانات. تبعت
المرية في آخر عهودها الاندلسية لمملكة غرناطة قبل أن يستولي عليها النصارى
نهائيًا في سنة 1489. مر بالمدينة وأقام فيها رجالات الفكر والعلوم من قبيل الشاعر
ابن شرف والمتصوف ابن مسرّة الذي جعل من المدينة مركزا للنساك، والشيخ الأكبر ابن
عربي المرسي (1203-1165) الذي مر بها بعد اقامته في المغرب، والجغرافي احمد بن عمر
العذري المولود في بلدة دلاية Dallas من كورة المرية والبكري الولبي
الذي وضع في المدينة أعمالا مهمة والفيلسوف ابن باجة ( راجع الروض المعطار للحميري
، ص 183 – 184 ) .
([11]
) الديباج : مشتق من الدبج وهو النقش والتزيين وهو فارسي معرب وهو نوع من الأثواب
الحريرية ( المروج 1 / 312 ) .
([12]
) الرخام : ضرب من الحجر يتكون من كاربونات الكالسيوم المتبلورة الموجودة في
الطبيعة ويمكن صقل سطحه بسهولة ( المعجم الوسيط 1 / 349 ) .
([13]
) تعد قرطاجنة من أقدم ثغور إسبانيا الشرقية، أنشأها "هزدرويال" القائد
القرطاجني المعروف سنه (243 ق.م)، وتمتاز بمناعة موقعها البري والبحري، وهي تقع
جنوب مرسية على شاطئ البحر المتوسط، وظلت تتمتع بأهمية تجارية وبحرية في ظل الوجود
الإسلامي بإسبانيا، وكانت مركزًا من مراكز الجهاد والغزو، تخرج منها الحملات
الحربية، وبقيت تحت حكم المسلمين حتى سقطت نهائيًا في أيدي "خايمي
الأول" ملك أراجون سنة (675هـ = 1276م) ولأن أكثر من مدينة سميت بقرطاجنة،
فقد حرص العلماء على تسمية هذه المدينة بقرطاجنة الأندلس؛ تمييزًا عن أختها التي
توجد بتونس .
([14]
) المرمر : صخر رخامي جيري متحول يتركب من بلورات الكلسيت يُستعمل للزينة في
البناء ولصنع التماثيل ونحوها ( المعجم
الوسيط 2 / 900 ) .
[15]
) تقع شاطبة على سفح جبل فيرنيسا Vernissa
لتشرف على سهل خصب كان في أزمنة غابرة ثغرا حدوديا. ما زالت جدران قلعتها القديمة
بادية للعيان، وقد اعتبرت بعد سقوطها في يد النصارى من أمنع قلاع مملكة أراغون. في
الطرف الجنوبي من المدينة تصادفنا بعض آثار قصبتها الاسلامية كأجزاء من السور
والأبراج. أفل الاسلام في شاطبة سنة 1248 بعد أربع سنوات من سقوطها في يد ملك
أراغون خايمي الاول اذ أقدم النصارى على طرد أهلها من المدينة..
[16]
) يذكر الحميري عن حصنها " وهو حصن بينه وبين ماردة يومان وهو حصن منيع على
نهر القنطرة، وأهلها متحصنون فيه،
ولا يقدر لهم أحد على شيء، والقنطرة
لا يأخذها القتال إلا من بابها فقط، والقنطرة هذه قنطرة عظيمة على قوسٍ من عمل الأول، في أعلاها سيف معلق لم تغيره الأزمنة
ولا يدري ما تأويله.
([17]
) طليطلة (Toledo) : طليطلية مدينة قديمة للغاية، ويغلب أنها بنيت زمن
الإغريق. ازدهرت طليطلة في عهد الرومان، فحصنوها بالأسوار، وأقاموا فيها المسرح
والجسر العظيم. وعندما جاء الفتح الإسلامى لها على يد طارق بن زياد عام (712م) بعد
واقعة وادى لكة على القوط، وظلت طليطلة بعد الفتح تتمتع بتفوقها السياسى على سائر
مدن الأندلس. اسم طليطلة تعريب للاسم اللاتيني "توليدوث" (Tholedoth)
وكان العرب يسمون طليطلة مدينة الأملاك لأنها كانت دار مملكة القوط ومقر
ملوكهم.عبر مؤرخو العرب عن عظمة موقع طليطلة، من ذلك ما ذكره
الحميري في كتابه الروض المعطار في عجائب الأقطار إذ يقول: «وهي
على ضفة النهر الكبير، وقل ما يرى مثلها إتقانا وشماخة بنيان، وهى عالية الذرى،
حسنة البقعة»، ثم يقول في موضع آخر: «ولها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة، وقلاع
منيعة، وعلى بعد منها في جهة الشمال الجبل العظيم المعروف بالشارات».وفى عهد محمد
بن عبدالرحمن الأوسط عام (233هـ) خرجت عليه طليطلة فبرز إليها بنفسه وهزمهم،
وانتظمت في عهد خلافة عبد الرحمن الناصر، وازدهر فيها فن العمارة. استقل بنو ذي
النون بطليطة بعد سقوط الخلافة بقرطبة "وهم أسرة من البربر"، وتولى عبد
الملك بن متيوه أمر طليطلة، وأساء إلى أهليها فاتفقوا عليه، استقل ابنه إسماعيل
بها، وترك شئونها إلى شيخها أبى بكر الحديدى، وتوفى إسماعيل، وخلفه ابنه يحيى بن
إسماعيل الذى توفى، وتولى حفيده القادر بالله يحيى الذى ثار عليه أهل طليطلة لقتل
ابن الحديدى فاستعان بألفونسو السادس ملك قشتالة الذى دخلها عام (1085م). وبذلك
تكون قد سقطت طليطلة في أيدى النصارى.حكم بنو يعيش طليطلة بين عامي 1009 - 1028 حيث
كان قاضي المدينة أبو بكر يعيش بن محمد بن يعيش وهي حالياً مدينة بمنطقة كاستيا لا
منتشا في وسط أسبانيا . يبلغ عدد سكانها حوالي 73,000 نسمة. تقع على بعد 75 كيلو
متر من مدريد العاصمة الأسبانية. وتقع على مرتفع منيع تحيط به أودية عميقة وأجراف
عميقة، تتدفق فيها مياه نهر
تاجة. ويحيط وادي تاجة بطليطلة من ثلاث جهات مساهما بذلك في
حصانتها ومنعتها .
([18]
) طارق بن زياد الليثي : قائد مسلم في جيش الدولة الأموية من قبائل البربر التي
تعيش شمال أفريقيا، و قد فتح الأندلس سنة 711م. يعتبر طارق بن زياد من أشهر القادة
العسكرين في التاريخ و يحمل جبل طارق جنوب
أسبانيا أسمه حتى يومنا هذا و قد توفي في سنة 720م. ولد طارق بن
زياد فى القرن الأول من الهجرة وأسلم على يد موسى بن نصير، وكان من أشد رجاله،
فحينما فتح موسى بن نصير طنجة ولى عليها طارقا سنة 89 هـ، وأقام فيها إلى أوائل
سنة 92 هـ ولما أراد موسى بن نصير غزو الأندلس جهز جيشا من 12 ألف مقاتل معظمهم من
البربر المغربيون، وأسند قيادة الجيش إلى طارق بن زياد وتمكن من فتح الأندلس
بالتعاون مع موسي ابن نصير ، ولم يعرف بعد ذلك مصيره بعد ذلك .
([19]
) الوليد بن عبد الملك : هو الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم . ولد عام 50
هـ في خلافة معاوية بن أبي سفيان . بويع بولاية العهد في عهد أبيه وأصبح خليفة
للمسلمين عام 86 هـ بعد وفاة أبيه . ترك عبد الملك للوليد دولة مترامية الأطراف
هادئة مستقرة مما ساعده على القيام بالاصلاحات الكثيرة . َتوسعت الدولة الاسلامية
في الشرق والشمال والغرب ففتحت بلاد ما وراء النهر ( تركستان حاليا ) وأصبح
المسلمون على أبواب الصين واصبحت بلاد
الأندلستحت الحكم العربي ، وامتد الاسلام الى جنوب
آسيا الصغرى وتطلع المسلمون الى فتح
القسطنطينية . وكان الوليد
يرسل في كل غزوة لبلاد الروم أحد بنيه مما يدل على اهتمامه بهذه الجبهة . َاهتم
الوليد بالاصلاح الداخلي فواصل تعريب الدواوين واهتم بالمرضى والمقعدين فسهر على راحتهم وأكرم حفظة القرآن وقضى عنهم ديونهم .
ونالت حركة العمارة والبنيان اهتمام الوليد فبنى مسجد الصخرة المشرفة وأقام المسجد
الأموي في دمشق ووسع الحرم المكي والحرم النبوي. َواهتم باصلاح الطر