بابل بابل Babylone مدينة قديمة مشهورة في العراق، وإحدى أكبر المدن في العالم
القديم. كانت عاصمة لكثير من الممالك والدول التي نسبت إليها (بابلية). وقد ارتبط
اسمها بالإنجازات الحضارية التي اكتسبت مع مرور الزمن صفة أسطورية كبرج بابل
والحدائق المعلقة.
أطلق السومريون على بابل اسم كا ـ دنغير ـ را KA.DINGIR.RA
وسماها الأكديون باب ـ إليم Bab-Ilim، ويعنيان كلاهما: باب الإله. شاع اسم باب ـ إليم في الألفين
الثاني والأول قبل الميلاد، وتحول إلى بابيلون Babylon عند الإغريق وإلى بابل Babil في التوراة (في النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد).
تقع خرائب المدينة القديمة اليوم وسط العراق
تقريباً شمال مدينة الحلّة على بعد نحو 90كم جنوب بغداد[ر]، على مجرى قديم للفرات.
التنقيبات والكشوف الأثرية فيهابدأت الحفريات الأثرية الفعلية في بابل عام 1899
على يد الألماني روبرت كولدوية R.Koldewey، بتكليف من جمعية الشرق
الألمانية Deutsche
Orient-Gesellschaft
واستمرت من دون انقطاع حتى عام 1917. و
كان قد سبق ذلك بوقت طويل قيام كثير من
الرحالة الأوربيين بزيارة الموقع (بيتروديلا فالي، نيبور، بوشامب، أوليفيه) وأعقبتها
محاولات بعض هواة
الآثار والقناصل الأجانب التنقيب في ذلك الموقع لكن من دون جدوى.
استطاع روبرت كولدوية الكشف عن أبنية تعود إلى العصر البابلي الحديث (القرنين
السابع والسادس ق.م)، ولكنه لم يتمكن من الكشف عن آثار العصور
الأقدم بسبب ارتفاع مستوى الماء الجوفي، وقد اتبع في حفرياته منهجاً علمياً دقيقاً
اقتدى به العلماء فيما بعد. وفي العقدين السابع والثامن من القرن العشرين، تابع
معهد الآثار الألماني في بغداد ومديرية الآثار العراقية أعمال الدراسة والترميم
لكثير من الأوابد البابلية الباقية.
التاريخترقى أقدم آثار
الاستطان البشري في بابل إلى الألف
الثالث قبل الميلاد، حيث عاش السومريون هناك في قرية صغيرة تحولت مع الزمن إلى
مدينة، وقد بنى فيها الملك الأكدي شركالي شري (2223-2198ق.م) معبداً
للإلهة عشتار، وبقيت مدينة مغمورة في عصر سلالة أور الثالثة، غير أنها أخذت
بالتحول إلى مدينة ذات مكانة مهمة مع وصول القبائل البدوية الأمورية إلى بلاد
الرافدين في موجاتٍ قادمة من جهة الغرب (بادية الشام) في بدايات الألف الثاني قبل
الميلاد وتأسيسها سلالات حاكمة في كثير من المدن مثل «لارسا» و«أشنونة» و«إيسن» و«بابل» التي
أسس فيها الأمير الأموري سَموآبو (سوموأبوم) (1894-1881ق.م) Sumuabum مملكة قوية توالى على حكمها أولاده
وأحفاده من بعده.
وقد انحصر اهتمام ملوك هذه المملكة البابلية
القديمة بتوسيع منطقة نفوذهم في وسط بلاد الرافدين وبإقامة بعض الأبنية ولاسيما
الدينية منها كمعبد الإله مردوخ، وبتشييد التحصينات والأسوار وتدعيمها لحماية
المدينة من الاعتداءات الخارجية. وكان من أشهر ملوكهم سادسهم حمورابي[ر] (1792-1750ق.م) الذي استطاع التغلب على جميع خصومه من ملوك الممالك
المجاورة (لارسا وماري وأشنونة(، وبسط سلطته على
بلاد الرافدين كلها منهياً بذلك حقبة طويلة من الانقسام والفرقة امتدت منذ أواخر
العصر الأكدي. ونتيجة لشهرة بابل في تلك الحقبة صار القسم الجنوبي من بلاد
الرافدين يسمى بلاد بابل نسبة إليها. وبقيت مملكة بابل هذه قائمة حتى عام 1595ق.م
حين سقطت بيد الحثيين الذين انسحبوا منها بعد نهبها واستولى على السلطة جماعات
هندية ـ أوربية عرفت باسم الكاشيين الذين حكموا بلاد بابل حتى منتصف القرن الثاني
عشر قبل الميلاد. ونتيجة للضعف الذي عانته بابل في أواخر العصر الكاشي استطاع العيلاميون
عام 1160ق.م احتلالها ونهب كنوزها. وبعد ذلك بمدة قصيرة (1137ق.م) قامت سلالة
حاكمة في مدينة
إيسن Isin (سلالة
إيسن الثانية) استطاعت أن تقود المقاومة في وجه العيلاميين
وتحرر بلاد بابل كلها من احتلالهم. واشتهر من هذه السلالة نبوخذ نصّر الأول (1124-1103ق.م) الذي قام بحملتين ناجحتين على عيلام، لكن خلفاءه من بعده
لم يستطيعوا الحفاظ طويلاً على قوة بابل فخضعت في العهود اللاحقة لسيادة ملوك آشور،
وتعرضت عام 689ق.م للتخريب والتدمير على يد سنحريب نتيجة ثورتها عليه. غير أن ابنه
وخليفته أسر حدّون[ر] أعاد بناءها استرضاءً لأهلها ولكون أمه بابلية.
عادت بابل إلى الظهور مرة أخرى في أواخر القرن
السابع قبل الميلاد عاصمة امبراطورية كبيرة شملت بلاد الرافدين وبلاد الشام وقوة
عظمى لها وزنها في تقرير سير الأحداث في الشرق القديم. وقد أحرزت هذه المكانة بعد
أن تمكن نابوبولاصَر Nabupolassar من السيطرة على تلك المنطقة وتنصيب نفسه ملكاً في بابل عام
625ق.م. وبعد أن استتب له الأمر هناك دخل في تحالف مع الميديين
كان من نتائجه
القضاء على الامبراطورية الآشورية الحديثة.
بلغت المملكة البابلية الحديثة (أو الكلدانية) أوج
قوتها وازدهارها في عهد ابنه نبوخذ نصّر الثاني (605-562ق.م)
الذي أنشأ كثيراً من الأبنية في بابل مثل برج بابل (زقورة الإله مردوخ) وشارع المواكب
وبوابة
عشتار وحدائق بابل المعلقة وبعض الق
صور والمعابد. ولكن مع عظمة بابل
وازدهارها فإن قوتها أخذت تتراجع في عهد خلفاء نبوخذ نصّر الثاني إلى أن سقطت في
عهد نابونيد Nabunid آخر ملوكها (555-539ق.م) بيد قورش
الثاني ملك
الفرس الذي حافظ عليها من التخريب والنهب وأمَّن سكانها على حياتهم
مكافأة لهم على عدم مقاومتهم له وعلى فتحهم أبواب مدينتهم لجيوشه. و
كان مرد ذلك
كرههم ملكهم الذي حاول إحلال عبادة إله القمر سين محل عبادة الإله مردوخ معبودهم
الرئيس. وصارت بابل مركز الولاية التاسعة وإحدى العواصم الثلاث للامبراطورية
الفارسية الأخمينية العالمية التي امتدت من الصغرى حتى وادي السند، و
آسيا كان يحكم
فيها الملوك
الأخمينييون عدة أشهر في السنة. ولما تولى
داريوس الأول الحكم ثارت
عليه بابل مرتين (522 و521ق.م) في محاولة للتخلص من الحكم الأجنبي واسترداد
حريتها، غير أن هذه المحاولة باءت بالإخفاق. وفي عام 482ق.م ثارت مرة أخرى على إحشويرش
Xerxes
الذي انتقم منها بهدم أسوارها ومعابدها وزقورتها.
وفي عام 331ق.م احتل الاسكندر المقدوني بابل،
فحياه سكانها بوصفه محرراً لهم من
الفرس واعترفوا بحكمه. وفي محاولة منه لكسب ودهم
قدَّم الأضاحي لمردوخ وأمر بإعادة بناء المعابد التي هدمها إحشويرش ووضع المخطط
لإعادة بناء الزقورة وإقامة ميناء على الفرات لربط المدينة ب
الخليج العربي.
وإدراكاً منه لأهمية بابل التاريخية والحضارية أراد أن يجعلها عاصمة لامبراطوريته
العالمية، لكن المنية وافته قبل تحقيق خططه إذ توفي فيها عام 323ق.م.
فقدت بابل في المراحل اللاحقة أهميتها بعد تأسيس
سلوقس الأول عام 300ق.م مدينة سلوقية (نحو 90كم شمال بابل على
نهر دجلة) واتخاذها
عاصمة له، فانتقل قسم من س
كان بابل إليها وتحولت الطرق التجارية إلى المدينة
الجديدة، ولم يأت القرن الأول الميلادي حتى تحولت بابل إلى مدينة مهجورة.
العمران والآثارلم يتمكن المنق
بون إلا من الكشف عن آثار مدينة
بابل في العصر البابلي الحديث. فقد كانت تشغل مساحة تقدر باثني عشر كيلومتراً
مربعاً ومركزها له شكل مستطيل بعداه 2600×1500م، وكان
يعيش فيها نحو مئتي ألف إنسان، وتتألف من قسمين، قسم قديم يضم المباني وقصر نبوخذ
نصّر الثاني ويقع شرق الفرات، وقسم حديث يقع غرب الفرات. ويرتبط هذان القسمان
بوساطة جسر من عهد نابوبولاصَر، طوله 123م وعرضه 10.5م. وكانت
المدينة محاطة بسور مزدوج، خارجي ثخانته نحو 4م، وداخلي ثخانته نحو 6.5م، ويبعد أحدهما
عن الآخر 7.20م في
المتوسط. أما من ناحية الفرات ف
كان هناك جدار يحمي المدينة من مياه ال ثخانته
نحو 8م. كما
نهركان هناك ثماني بوابات تقود إلى المدينة القديمة سميت بأسماء الآلهة
البابلية المشهورة وأكثرها روعة بوابة
عشتار.
ومن
الآثار الأخرى المكتشفة في بابل شارع
المواكب الذي
كان يبدأ عند بوابة
عشتار ويقود إلى المنطقة المقدسة ويبلغ عرضه 16م.
وهو مرصوف ببلاط مستورد من
لبنان ومحاط من الجانبين بجدار ثخانته 7م، تزينه صور
حيوانات من الطوب المزجج، وهو اليوم في متحف
برلين.
ومن معالم بابل الأخرى الزقورة (برج بابل) ومعبد
إيزاجيلا Isagel الذي يعد أقدم أبنية بابل، إذ يرقى تاريخه إلى الألف الثالث قبل
الميلاد، و
كان مخصصاً لعبادة مردوخ. وهناك معابد أخرى كثيرة ل ونينورتا وغيرهما.
أما
قصور العشتار فأشهرها قصر نبوخذ نصّر الثاني وأبعاده 322×190م ويحوي
قاعة عرش ضخمة (52×17م) مزينة بتزيينات جميلة. وهناك أخيراً حدائق
بابل المعلقة التي أقامها
نبوخذ نصر الثاني إكراماً لزوجته الميدية، وكانت تعد
إحدى عجائب العالم القديم السبعة، حتى قال عنها المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي زار
خرائبها «إنها لا تضاهيها في عظمتها وسعتها مدينة أخرى».