الموسوعة العاترية للبحوث
يا باحثا عن سر ما ترقى به الامم .. و مفتشا عمّا به يتحقق الحلم
السر في عزماتنا نحن الشباب ولا تخبو العزائم عندما تعلو بها الهمم
•••••
نحن المشاعل في طريق المجد تسبقنا انوارنا ولوهجها تتقهطر الظلم
نحن النجوم لوامع والليل يعرفنا .. والكون يعجب من تألقنا ويبتسم
•••••
في الروح اصرار و في اعماقنا امل .. لا يعتري خطواتنا يأس و لا سأم
و اذا الحياة مصاعب سنخوضها جلدا .. و اذا الجبال طريقها فطموحنا القمم
•••••
طاقاتنا قد وجهت للخير و انصهرت .. اطيافنا في وحدة والشمل ملتئم
في ظل حبكِ يا جدة تآلفت زمر .. ولصنع مجدكِ يا جدة تحالفت همم
•••••
الموسوعة العاترية للبحوث
يا باحثا عن سر ما ترقى به الامم .. و مفتشا عمّا به يتحقق الحلم
السر في عزماتنا نحن الشباب ولا تخبو العزائم عندما تعلو بها الهمم
•••••
نحن المشاعل في طريق المجد تسبقنا انوارنا ولوهجها تتقهطر الظلم
نحن النجوم لوامع والليل يعرفنا .. والكون يعجب من تألقنا ويبتسم
•••••
في الروح اصرار و في اعماقنا امل .. لا يعتري خطواتنا يأس و لا سأم
و اذا الحياة مصاعب سنخوضها جلدا .. و اذا الجبال طريقها فطموحنا القمم
•••••
طاقاتنا قد وجهت للخير و انصهرت .. اطيافنا في وحدة والشمل ملتئم
في ظل حبكِ يا جدة تآلفت زمر .. ولصنع مجدكِ يا جدة تحالفت همم
•••••
الموسوعة العاترية للبحوث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة العاترية للبحوث

موسوعة تشمل كم هائل من البحوث مرتبة أبجديا
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أخبار الدولة العباسية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار الدولة العباسية Empty
مُساهمةموضوع: أخبار الدولة العباسية   أخبار الدولة العباسية Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 12:40 pm

أخبار الدولة العباسية






الكتاب : أخبار الدولة العباسية
أخبار الدولة العباسية وفيه أخبار العباس وولده لمؤلف من القرن الثالث الهجري
(عن مخطوط فريد من مكتبة مدرسة أبي حنيفة - بغداد) تحقيق الدكتور عبد العزيز
الدوري الدكتور عبد الجبار المطلبي
دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت
مصدر الكتاب : موقع يعسوب
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]





أخبار الدولة العباسية- مؤلف مجهول
أخبار الدولة العباسية
مؤلف مجهول



(1/)








أخبار الدولة العباسية وفيه أخبار العباس وولده


(1/1)








أخبار الدولة العباسية وفيه أخبار العباس وولده لمؤلف من القرن الثالث الهجري
(عن مخطوط فريد من مكتبة مدرسة أبي حنيفة - بغداد) تحقيق الدكتور عبد العزيز
الدوري الدكتور عبد الجبار المطلبي دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت



(1/3)








حقوق الطبع محفوظة مطابع دار صادر بيروت 7 / 9 / 1971


(1/4)








حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: حدثني قريش بن أنس، قال: سمعت
الخليل بن أحمد صاحب النحو قال: إذا نسخ الكتاب ثلث مرار تحول بالفارسية.
قال أبو يعقوب: يعني يكثر سقطه.
[ الطبري - المنتخب من كتاب ذيل المذيل ]



(1/5)








مقدمة 1 - قبل حوالي عشرين سنة، عثرنا في مكتبة مدرسة أبي حنيفة، في الاعظمية،
على مخطوط دون عنوان.
ويحوط صفحتي فاتحة المخطوط زخرف جميل، يتخلل أعلاه وأسفله ما يلي: " كتاب فيه
أخبار العباس وفضائله ومناقبه، وفضائل ولده ومناقبهم، رضوان الله عليهم أجمعين
"، إلا أن وسط الصفحتين خال من الكتابة.
والتعريف بالمخطوط دون ذكر العنوان أمر يدعو للتساؤل خاصة حين يلاحظ محتواه.
ومع أننا نميل إلى أن عنوان الكتاب هو " أخبار الدولة العباسية " كما
سنبين فيما بعد، إلا أننا أبقينا " أخبار العباس وولده " كما جاء في
التعريف وكما توحي خطة الكتاب.
إن التعريف المذكور يشعر بأن الكتاب يتناول تاريخ الخلافة العباسية، إلا أنه - كما
وصل - ينتهي قبيل قيامها.
فالمخطوط يتحدث عن العباس، وعبد الله بن العباس، وعلي بن عبد الله، ومحمد بن علي
ثم عن إبراهيم الامام ابن محمد بن علي، ونهايته، وهرب أخيه أبي العباس إلى الكوفة
قبيل دخول القوات الخراسانية هذه المدينة.
وحين يتناول المخطوط سيرة العباس بن عبد المطلب وأولاده المذكورين، يجعل محور
حديثه قضية الامامة وموقف العباسيين منها وتطلعهم إليها وعملهم في سبيلها.
فهو في حقيقته تاريخ موسع للدعوة العباسية.
وقد كتب المخطوط بخط نسخي حسن، ويقع في أربعمائة صفحة وثلاث



(1/7)








صفحات، من قياس 18 - 25 سم، وتحوي كل صفحة منها خمسة عشر سطرا بمعدل 11 - 12
كلمة في السطر الواحد.
ولم يصلنا المخطوط كاملا، إذ
تنقصه الاوراق الاولى التي تحوي الديباجة وسيرة العباس إلى خبر وفاته.
وينتهي المخطوط بقائمتين: الاولى ب " تواريخ الخلفاء من بني أمية "،
والثانية ب " تواريخ الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم ".
وواضح أن القائمتين ألحقتا بالكتاب، دون أن تكونا منه، إتماما للفائدة.
ولكن القائمة الثانية تدلنا على فترة نسخ المخطوط، ذلك أنها تقف عند " تاريخ
خلافة الامام المتوكل على الله أبي (1) عبد الله محمد سنة ثلثة وستين وسبعمائة.
وهو الخليفة القوام بعصرنا ".
وهذا يحدد زمن كتابة المخطوط بين 763 - 779 ه / 1362 - 1377 م.
2 إن نسخة المخطوط الذي ننشره فريدة، وقد سبق لنا أن عرفنا به قبل عدة سنين 2.
ثم نشر الاستاذ بطرس غريازنيويج قطعة مصورة من مخطوط بعنوان " نبذة من كتاب
التاريخ للمؤلف المجهول من القرن الحادي عشر ".
مع ترجمة وتعليقات بالروسية 3، ثم نشر المخطوط كله مصورا بعنوان " تاريخ
الخلفاء للمؤلف المجهول من القرن الحادي عشر " (4).
ويهمنا هذا الكتاب لصلته الوثيقة بمخطوطنا، وللضوء الذي يلقيه على بعض مشكلاته.
ويتكون تاريخ الخلفاء من قسمين، يتناول القسم الاول منه تاريخ الخلفاء الراشدين،
ثم التاريخ الاموي.
ويهمنا منه القسم الثاني، وهو ما نشر بعنوان
__________
(1) في الاصل: " أبا ".
(2) عبد العزيز الدوري ضوء جديد على الدعوة العباسية، مجلة كلية الآداب والعلوم،
بغداد 1957 ص 64 - 82.
(3) من منشورات: معهد الدراسات الشرقية، آثار الآداب الشرقية، السلسلة الكبرى
للنصوص (6)، موسكو 1960.
(4) نشر ضمن السلسلة المذكورة أعلاه رقم (11)، موسكو 1967.
[ * ]



(1/Cool








" نبذة من كتاب التاريخ "، ويقع هذا القسم بين ص 475 (235 ب من
المخطوط) وص 592 (294 أ من المخطوط) من " تاريخ الخلفاء "، ويختص
بالعباسيين.
يبدأ المؤلف هذا القسم بالبسملة، ويقدم له بديباجة في فضائل الدولة العباسية، ثم
يعرف بصلته بالعباسيين، وهي صلة ولاء تعود إلى جده الاكبر (وثاب)، والد المقرئ
يحيى بن وثاب، وكان مولى مكاتبا لعبد الله بن العباس (1).
وهذه المقدمة تلفت النظر، إذ إن المؤلف اكتفى، حين تناول تاريخ الامويين، بعنوان
بسيط وهو " خلافة بني أمية وبني مروان "، وكأنه يشعرنا بأن القسم الخاص
بالعباسيين هو كتاب ثان، وهو ينعت هذا القسم مرة ب " أخبار الدولة المباركة
العباسية " (2) وأخرى ب " أخبار الدولة الهاشمية العباسية " (3)،
مما يوحي بأن عنوانه هو " أخبار الدولة العباسية ".
ومع أن المؤلف يلتزم في هذا القسم ب " الايجاز والاختصار " كما فعل في
القسم الاول (4)، إلا أنه يضيف إلى ذلك بعدئذ أنه تجنب " التطويل بحديث
الاسانيد وذكر أسماء الرجال " (5)، فيلمح إلى أنه يوجز مؤلفا بعينه، وأنه لم
يأخذ من " الكتب الكبار والمصنفات الاصول " (6)، كما فعل في تاريخ
الراشدين والامويين.
وهو يعترف بذلك ضمنا في معرض حديثه عن أبي مسلم، إذ يقول " وله أحاديث
وحكايات جرت عليه بمرو ونسا ونيسابور والري،
__________
(1) ص 236 ب من صورة المخطوط.
وسنشير إلى صفحات المخطوط لتسهل الاشارة إلى الكتابين المذكورين.
(2) ص 235 ب.
(3) ص 236 أ.
(4) انظر ص 236 أ.
(5) ص 237 ب.
(6) تاريخ الخلفاء ص 159.
[ * ]



(1/9)








يشتمل عليها التاريخ الكبير وليس يحتملها هذا المختصر " (1).
ويتأكد هذا الاستنتاج بمقارنة هذا القسم بمخطوطنا، إذ نرى أن المؤلف اعتمد على
" أخبار العباس وولده " وحده واختصره، ولكن عملية الاختصار لم تعد حذف
الاسانيد وبعض الروايات، وأما الباقي فأورده عادة بالنص.
وهناك اختلافات بسيطة في بعض التعابير أو الكلمات، لا ندري إن كانت من تصرف المؤلف
أو من أثر النسخ، ولكننا نرجح الاحتمال الثاني.
وقد مر بنا أن المؤلف يسمي هذا القسم " أخبار الدولة العباسية " في حين
أن عنوان الكتاب هو " تاريخ الخلفاء " والفرق واضح ومهم بين "
أخبار " و " تاريخ " في علم التاريخ عند العرب.
إن ما ذكرنا يجعلنا نتساءل عن أصل مقدمة القسم الخاص بالعباسيين من " تاريخ
الخلفاء " أهي ديباجة مؤلف هذا الكتاب، أم انها اقتباس لديباجة " أخبار
العباس وولده " شأن باقي الكتاب.
ونحن نرجح الاحتمال الثاني، إذ إن من يختصر كتابا بعينه لا يحتاج إلى توضيح لطبيعة
الاخبار التي أخذها جملة عن غيره.
ويعزز هذا الرأي أن الديباجة تشير إلى حداثة الدولة العباسية حين تنص " مع أن
قرب العهد بها واتصال السماع خلفا عن سلف يحملان على زيادة الشرح " (2)، وهو
قول يصدق على القرن الثالث الهجري، بالنسبة للكتابة التاريخية، لانه عصر جمع
الروايات وتمحيصها على نطاق واسع من قبل الجيل الاول من المؤرخين الكبار، كما فعل
مؤلف " أخبار العباس وولده "، ولكنه لا يرد بالنسبة للقرن الخامس الهجري،
وهو فترة كتابة تاريخ
الخلفاء (3).
3 وبضوء ما مر، فإننا نرجح أن عنوان المخطوط الذي ننشره هو
__________
(1) ص 261 ب.
(2) ص 2 36 أ.
(3) انظر مقدمة غريازنيويج (بالانگليزية) لتاريخ الخلفاء ص 52، وص 53 أمنه.
[ * ]



(1/10)








" أخبار الدولة العباسية ".
ونحن نلاحظ أن كلمة " دولة " هنا لا تعني بالضرورة الكيان السياسي
المفهوم، بل إن مؤلف " أخبار العباس وولده " استعملها بمعني " دعوة
" إذ يقول: " إن إبراهيم الامام بن محمد أوصى أبا العباس عبد الله بن
محمد بالقيام بالدولة، وأمره بالجد والحركة، وأن لا يكون له بالحميمة لبث ولا عرجة
حتى يتوجه إلى الكوفة " (1).
ويذكر الازدي أن عبد الله بن علي كان يشجع المسودة قبيل معركة الزاب قائلا: "
إنها الدولة التي لا يباريها أحد إلا صرعه الله " (2)، ولا تعني كلمة "
دولة " هنا إلا " دعوة " أو حركة مباركة.
وينسب الازدي، في رواية، إلى مروان بن محمد قوله لاحد قادته حين استهان بالمسودة:
" دع عنك هذا، على ودي أن دولتهم لنا، وأن عسكري معهم " (3).
وبصرف النظر عن قيمة الرواية، فإن كلمة " دولة " في هذا النص تقرب في
المعني مما ذكر، وقد تعني " الدور ".
هذا إلى أن صاحب تاريخ الخلفاء يستعمل كلمة " دولة " مرادفة لكلمة
" دعوة " في أكثر من موضع (4).
وهذا يعزز رأينا في أن عنوان الكتابة هو " أخبار الدولة العباسية "، ما
دامت كلمة دولة تعني دعوة أو حركة.
4 - إن عنوان المخطوط، ومقارنته بالقسم الثاني من " تاريخ الخلفاء "
تدل على أنه يبدأ بأخبار العباس بن عبد المطلب (5).
ولما كان المختصر كما -
__________
(1) أخبار العباس وولده (الاخبار) ص 409.
(2) الازدي تاريخ الموصل ج 2 ص 112.
(3) نفس المصدر ص 131.
قارن بالبلاذري أنساب الاشراف ص 242 (الرباط)، حيث يستعمل " دولة "
بمعنى العصر الجديد.
(4) قارن ص 289 و 363 من الاخبار ب ص 264 ب و 280 ب من تاريخ الخلفاء على التوالي.
(5) تاريخ الخلفاء ص 237 ب.
[ * ]



(1/11)








ورد في تاريخ الخلفاء يوازي ربع الاصل وهو " أخبار العباس وولده "،
فإن المقارنة بينهما تعطينا فكرة عن الاوراق المفقودة من أول المخطوط.
ففي تاريخ الخلفاء تشغل ترجمة العباس أربع صفحات (1)، وهذا يعني أن " أخبار
العباس وولده " ترجم للعباس بحوالي ست عشرة صفحة، بقي منها في المخطوط ثلاث
صفحات، وهذا يعني أن ما فقد يقع في حدود ثلاث عشرة صفحة.
أما نهاية المخطوط فتبدو مبتورة، ولكن الدلائل لا تؤكد ذلك.
فمقارنة المخطوط بتاريخ الخلفاء تضعف احتمال النقص، ذلك أن روايات مخطوطنا تنتهي
عند الصفحة 290 أ س 10 من تاريخ الخلفاء حيث يبدأ الخبر التالي بالعبارة الآتية:
" وروي من عدة وجوه أن أبا العباس..الخ "، وهذا يعني أن مختصر "
أخبار العباس وولده " انتهي، وأن مؤلف تاريخ الخلفاء عاد إلى طريقته في الاخذ
من عدة مصادر.
كما أن مؤلف " الاخبار " في حديثه عن تهيؤ مروان لمواجهة المسودة يقول
" وأقام يحشد يريد أن ينهض إلى
الهاشمية، وقد أيقن بزوال ملك بني أمية، حتى ظهر أبو العباس (رض) فإنه أول خلفاء
بني العباس.." (2)، ولا محل للتعريف بأبي العباس لو تناول المؤلف تاريخ
الخلفاء العباسيين.
هذا إلى أن إضافة قائمة بأسماء الخلفاء العباسيين، وهي متأخرة، تؤكد أن المؤلف لم
يتناول الخلفاء.
ويبدو أن النسابين الاولين، مثل ابن الكلبي، لم يتناولوا الخلفاء العباسيين في
كتاباتهم، فابن الكلبي يقف في " جمهرة النسب " عند أولاد علي بن عبد
الله ولا يتناول أولاد محمد بن علي (3)، وباثنين منهم بدأت الخلافة العباسية، وهذا
يجعل وقوف
__________
(1) نفس المصدر ص 237 ب 239 ب.
(2) الاخبار ص 379.
(3) انظر هشام بن محمد بن السائب الكلبي - جمهرة النسب [ مخطوط المتحف البريطاني ]
ص 15 - 16.
[ * ]



(1/12)








مخطوطنا - وهو موضوع في إطار كتب الانساب - عند نهاية الدعوة أمرا مألوفا.
وحين نفحص القسم الاخير من مخطوطنا (ص 189 ب - 202 ب) نراه يبدأ في ص 189 ب،
بالبسملة، وأول عنوان يصادفنا هو " جود إبراهيم الامام "، وهو عنوان
مكرر ولا صلة له بالمحتوي، ويتبعه بمقتل إبراهيم الامام، وولده، ووصيته لابي
العباس وسير هذا ببعض أهله إلى الكوفة.
وهذا يشير إلى أن القسم الاخير هو إضافة إلى المسودة الاولى للكتاب تتم أخبار
إبراهيم الامام حتى نهايته.
وهكذا فإننا نرجح أن المخطوط تام في آخره ولم يسقط منه شئ.
5 إن فقد الاوراق الاولى من المخطوط حرمنا كما يبدو من اسم المؤلف.
ولكن دراسة أسلوب الكتاب ومصادره تدل على أنه كتب في أواسط القرن الثالث الهجري.
فهو في الاساس كتاب أخبار يعنى بإيراد الاسانيد ويلتفت
إلى اختلاف الروايات.
ومع أنه يراعي تسلسل النسب في إطاره إلا أنه لم يحافظ بدقة على خط كتب الانساب، إذ
إنه لا يعنى إلا بالابن الاكبر.
كما أن الاهتمام الخاص بالاسناد يبين الاثر الواضح لمدرسة أهل الحديث في الاسلوب.
وتتنوع مصادر معلومات الكتاب حسب طبيعة الموضوع، وتدل على جهد واسع في جمع
الروايات.
فقد أخذ المؤلف جل معلوماته عن الدعوة من روايات شفوية (1)، وأخذ من مؤرخين سابقين
ومعاصرين، وانفرد بإيراد وثائق ومعلومات هامة.
أخذ مؤلف " الاخبار " عن مؤلفين معروفين سبقوه - من إخباريين، مثل أبي
مخنف (ت، 157 ه / 774 م)، وعوانة بن الحكم (ت، 147 ه /
__________
(1) انظر بصورة خاصة ص 257 وما بعدها من الاخبار.
[ * ]



(1/13)








819 م)، والهيثم بن عدي (ت، 206 - 7 ه / 821 - 2 م)، والمدائني (ت، 235 ه /
850 م)، وعن مؤرخين كالواقدي (ت، 207 ه / 823 م) ونسابين مثل هشام بن محمد بن
السائب الكلبي (ت، 204 - 206 ه / 819 - 821 م)، ومصعب الزبيري (ت، 235 ه / 850 م)
وغيرهم مثل محمد بن سلام (ت، 231 ه / 845 م).
واتصل بمعاصرين وأخذ عنهم مثل محمد بن شبة (ت، 262 ه / 875 م) والعباس بن محمد
الدوري (ت، 271 ه / 881 م)، والمبرد (ت، 285 ه / 898 م)، ومحمد بن يحيى بن جابر
البلاذري (ت، 279 ه / 293 م).
وقد أخذ روايات المعاصرين بأسانيدها، وخير مثل لذلك ما رواه عن البلاذري فهو يعطي
رواياته بإسناد متصل، ولذا تختلف سلسلة الاسناد أحيانا عما جاء
في كتاب أنساب الاشراف للبلاذري (1)، أو يعطي إسنادا حين لا يوجد إسناد في رواية
أنساب الاشراف (2)، أو يورد نصا يختلف لحد ما عن النص الوارد في أنساب الاشراف (3)
مما يدل على أنه روى عنه مباشرة.
وانفرد المؤلف بمعلومات عن بداية الدعوة (حتى سنة 100 ه)، وعن بعض أحداثها
وأسرارها، كما أورد قوائم مفصلة بأسماء النقباء والدعاة في خراسان ومراتبهم
وتنظيماتهم.
ويبدو أنه أخذها من الحلقات الداخلية لرجال الدعوة، إذ استقى الكثير منها من رؤساء
الدعوة ومن الدعاة البارزين فيها، مثل سالم الاعمى عن ميسرة النبال (4) وبكير بن
ماهان، وموسى السراج،
__________
(1) قارن الاخبار ص 143، بالانساب ق 1 ص 561 (اسطنبول)، والاخبار 228 بالانساب ق 1
ص 566.
(2) قارن الاخبار ص 163 بالانساب ق 1 ص 568.
(3) قارن الاخبار ص 164 بالانساب ق 1 ص 566، والاخبار 229، بالانساب ق 1 ص 566.
(4) الاخبار ص 186 وص 188 وص 189.
[ * ]



(1/14)








وأبي مسلم الخراساني، وإبراهيم بن سلمة (1).
والظاهر أن أخباره عن نشاط أبي مسلم في خراسان وعن نشاط المسودة العسكري بقيادة
قحطبة وانتصاراتهم، تعتمد على هذه المصادر وعلى أناس متصلين بالحلقة العباسية مثل
أبي إسحق بن الفضل الهاشمي (2)، كما أخذ بعض معلوماته عن أفراد من الاسرة العباسية
مثل عيسى بن عبد الله وعيسى بن موسى وعيسى بن علي وإبراهيم بن المهدي والرشيد (3).
وأعطى المؤلف صورة داخلية لطبيعة الدعوة وأحاديثها، وكشف عن جذور الغلو فيها، مما
لا يناسب العباسيين بعد مجيئهم للحكم، وهذا يجعل
بعض محتويات الكتاب أقرب إلى الوثيقة السرية منها إلى كتاب للجمهور.
وكل هذا يشير إلى صلة خاصة للمؤلف بالعباسيين وبأتباعهم، وهو أمر يذكرنا بما جاء
في مقدمة القسم الثاني من " تاريخ الخلفاء "، حيث يوضح المؤلف صلة
الولاء التي تربطه بالعباسيين، وهي خير صلة للاطلاع على الروايات والاخبار
العباسية المباشرة.
6 - إن مصادر كتابنا هذا، تجعلنا نحدد زمن تأليفه بأواسط القرن الثالث الهجري.
وحين ننظر إلى من كتب عن الدولة العباسية في هذا القرن (4)، فإننا نميل إلى نسبة
الكتاب إلى محمد بن صالح بن مهران " ابن النطاح " (ت، 252 ه / 868 م)
(5).
ومع أن الاشارات إلى ابن النطاح تجعله أول من صنف كتابا في
__________
(1) انظر الاخبار ص 189 - 192، 242، 186، 203، 183، 238، 285، 382.
(2) الاخبار ص 178.
(3) الاخبار ص 149، 156، 160، 173، 385، 395.
(4) انظر (1967 ,
F.
Sezgin - Geschichte der Arabischer Schrifttums) Lieden.
321 , 316 , 310.
I.
P (5) انظر كتاب أنساب الخيل لابن الكلبي، باعتناء أحمد زكي باشا (دار
الكتب 1946) ص 5 وص 135.
[ * ]



(1/15)







أخبار الدولة (1)، فإن هذا فيه نظر إذ تذكرنا كتاب
الدولة للمدائني (2) وكتاب الدولة للحسن بن ميمون النصري، خاصة وإن ابن النديم
يذكر أن ابن النطاح روى عن الحسن هذا (3)، وربما كانت أهمية كتاب ابن النطاح سببا
لهذه الاشارات (4).
ويدفعنا إلى هذا الافتراض عدة أمور.
فابن النطاح مولى جعفر بن سليمان ابن علي بن عبد الله بن عباس، وهذا الولاء يجعله
على صلة وثيقة بأخبار العباسيين (5)، ويذكرنا بما جاء في مقدمة القسم الثاني من
تاريخ الخلفاء.
وكان " ابن النطاح " إخباريا، ناسبا، راوية للسنن "، وهي عين
المؤهلات التي يكشف عنها أسلوب " أخبار العباس وولده " (6).
وكان بين من روى عنهم ابن النطاح الواقدي والمدائني (7).
هذا إلى أن عنوان كتابه هو " أخبار الدولة العباسية " (Cool وهو ما نراه
عنوان كتابنا هذا.
ومع ذلك يتعذر البت في الموضوع، فنحن لم نجد معلومات عن أحفاد يحيى بن وثاب لنري إن
كان لابن النطاح صلة نسب به.
يتبع..............



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار الدولة العباسية Empty
مُساهمةموضوع: تكملة   أخبار الدولة العباسية Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 12:42 pm

كما أننا لا نجد إشارة
__________
(1) انظر الفهرست لابن النديم (ط.
دي خوية) ص 107، المسعودي - مروج الذهب (باعتناء باربييه دي مينار) ج 1 ص 12،
الخطيب البغدادي - تاريخ بغداد ج 5 ص 357، السمعاني - الانساب (ط.
)
G.
M.
S ص 564.
(2) ياقوت - معجم الادباء (باعتناء مرجليوث) ج 5 ص 315.
(3) ابن النديم ص 108.
(4) انظر.
89.
Rosenthal - nd Ed Muslim Historiography 2.
p و.
216.
Brockelmann s.
l.
p (5) أنساب الخيل لابن الكلبي ص 5.
(6) انظر، إضافة للمصادر السابقة، ابن حجر - تهذيب التهذيب ج 9 ص 227، الذهبي -
ميزان الاعتدال ص 74.
(7) ابن حجر - تهذيب ج 940 ص 227.
(Cool انظر السخاوي - الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، باعتناء صالح العلي (بغداد
1963) ص 181، وكشف الظنون لحاجي خليفة (ط.
استانبول) ج 1 ص 283.
[ * ]



(1/16)








إلى هذا الكتاب في المؤلفات التالية، مع أننا نرى بعض الشبه أحيانا.
فابن أبي الحديد يورد معلومات تماثل ما أورده كتابنا دون أن يذكر مصدره (1).
والذهبي يورد نص عبارة كتابنا عن صلة أبي هاشم بمحمد بن علي (2).
وقد عثرنا على إشارتين في التواريخ لابن النطاح.
فالطبري روى عنه رواية أسطورية عن بناء بغداد (3).
والازدي ينسب إليه رواية عن أصل أبي مسلم (4) ولكنها لا ترد في كتابنا.
أما الاخبار الكثيرة الواردة في الاغاني برواية ابن النطاح (5) فهي أدبية ولا تتصل
بموضوع الكتاب هذا، ومع ذلك فإن أبا الفرج الاصفهاني لا يشير إلى أي من مؤلفات ابن
النطاح (6)، ولعل ابن النطاح روى أخبارا كثيرة خارج نطاق هذه المؤلفات.
7 - إن ميول المؤلف عباسية واضحة، ولكن الكتاب لا يمثل النظرة العباسية في فترة
كتابته، بل يعطي النظرة العباسية في الفترة الاولى لدولتهم وخاصة ما قبل أيام
المهدي.
وربما كان هذا سبب إغفال الحديث عن خداش الداعية العباسي الذي يمثل خط الغلو في
خراسان، والتوسع في أخبار تنكر محمد بن علي العباسي له بعد مقتله وجهوده في معالجة
إثارة المربكة في خراسان.
وقد يقال إن المؤلف أشار إلى التغيير الذي أحدثه المهدي وهو نسبة الامامة العباسية
إلى العباس بن عبد المطلب والتخلي عن نسبتها إلى العهد من ابي هاشم كما كان الحال
قبله، ولكنها إشارة عابرة.
كما أن المؤلف نسب للعباس التبكير في
__________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (القاهرة 1329) ج 2 ص 211، 212.
(2) الذهبي - دول الاسلام ج 4 ص 20 - 21، قارن صفحة 206 - 207 من هذا الكتاب.
(3) الطبري س 3 ص 276.
انظر أيضا س 3 ص 551، 552، 556، 560.
(4) الازدي - تاريخ الموصل ج 2 ص 121.
(5) انظر 321.
F.
Sezgin , op.
cit.
p وفهارس أجزاء الاغاني، ط.
دار الكتب.
(6) انظر ابن النديم ص 107.
[ * ]



(1/17)








اعتناق الاسلام، فاعتبر البداية في بيعة العقبة، وظهور إسلامه بعد بدر (1)،
ولكنه كما يبدو من المختصر لا يورد من الحجج التي عرضت زمن المنصور والمهدي في
تأكيد أفضلية العباس وجدارته للامامة إلا إشارة عابرة إلى أنه عم النبي وصنو أبيه
(2).
إننا نرى التأكيد في الكتاب على عبد الله بن العباس، وعلى تبشيره بانتقال الملك
لاولاده، إلا أن الصورة القوية له هي في ظهوره بمظهر ممثل الهاشميين، يؤكد حقهم في
الامامة، ويعرض هذا الحق بجرأة واندفاع، في محاورات طويلة مع الامويين من جهة ومع
الزبيريين من جهة أخرى.
وهذه النبرة الهاشمية (مقابل العباسية فيما بعد) تظهر في قول ينسب للرسول في جماعة
آل البيت وبحضور العباس يتنبأ فيه بانتقال الملك إلى العباسيين ويوصي " اتقوا
الله في عترتي أهل بيتي " (3).
8 - نخلص مما مر إلى أن عنوان الكتاب الذي ننشره هو " أخبار الدولة العباسية
" وإن كلمة " دولة " هنا تعني " دعوة " أو " دور
".
وينتسب المؤلف إلى العباسيين بالولاء وهذا مكنه من الاطلاع على أخبار الدعوة
العباسية وأسرارها من رجالات الدعوة ومن بعض العباسيين، فانفرد بمعلومات ووثائق
هامة.
وقد كتب الكتاب في أواسط القرن الثالث الهجري، في عصر ظهور المؤرخين الكبار وتوفر
روايات وأخبار تاريخية واسعة، مما مكن المؤلف من التوسع في أخبار الدعوة.
ومع أنه كتاب " أخبار " إلا أنه وضع في إطار النسب، واعتني بالاسناد
نتيجة توسع أثر مدرسة الحديث.
وقد اقتصر الكتاب على أخبار الدعوة العباسية، وعرض وجهة العباسيين
أثناء الدعوة والفترة العباسية الاولى، وانتهى قبيل قيام الدولة العباسية.
ثم
__________
(1) انظر تاريخ الخلفاء ص 238 أ - 239 أ.
(2) ن.
م.
238 ب.
(3) ن.
م.
ص 239 ب.
[ * ]



(1/18)








إن أسلوب الكتاب وفترة تأليفه وطبيعة أخباره من جهة، وما لدينا من معلومات عن
محمد بن صالح بن مهران " ابن النطاح " من جهة أخرى، تجعلنا نميل إلى أن
الكتاب لابن النطاح.
9 ولقد هدفنا إلى ضبط نص الكتاب، ولكن الاعتماد على مخطوط واحد يجعل التحقيق غاية
في الصعوبة، خاصة حين يكون الناسخ ضعيفا كما هو حال ناسخ مخطوطنا.
لذا رجعنا إلى تاريخ الخلفاء، إذ إن القسم الثاني منه بمثابة نص ثان لبعض أقسام
" أخبار العباس وولده "، ومع ذلك يبقى القسم الاكبر من النص معتمدا على
مخطوطنا وحده.
وهذا الوضع تطلب الرجوع إلى المصادر الاولية بحثا عن الروايات والاخبار والاشعار
الواردة فيها والتي جاءت في هذا الكتاب لتقويم النص أو للتنبيه إلى الاختلاف في نص
رواية جاءت في الحالين عن نفس الراوي.
إلا أننا في الوقت ذاته لم نرد أن نثقل الكتاب بالاضافات الكثيرة واكتفينا، في بعض
الاحيان، بالاشارة إلى الروايات في مظانها دون إيراد النصوص.
إن " أخبار العباس وولده " يمثل جهدا مبكرا وأصيلا في جمع الروايات
والاخبار عن الدعوة العباسية كما يتبين من المصادر الواسعة لمعلوماته.
ثم إن عنايته بالاسناد، وقيمة مصادره، وغنى معلوماته وخطورتها، تضعه في منزلة خاصة
بين مؤرخي الدعوة العباسية إضافة إلى أنه أوسع مصدر عنها.
ويسرنا هنا أن نعرب عن شكرنا للاستاذ الدكتور إحسان عباس على ملاحظاته القيمة في
التحقيق، وللاستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي على ملاحظات مفيدة في تدقيق بعض
الكلمات.



(1/19)








لقد استعملنا رموزا قليلة وهي: ن.
م.
= نفس المصدر.
كتاب التاريخ = تاريخ الخلفاء، باعتناء غريازنيويج، موسكو 1967 الاخبار = أخبار
العباس وولده.
ما بين قوسين كهذه = للاضافات التي يتطلبها سياق الخبر.
ما بين قوسين كهذه [ ] = للاضافات من مصدر آخر يروي نفس الخبر.
هذا ووضعنا أرقام صفحات المخطوط بين قوسين [ ] لتيسير الرجوع إليها.
عبد العزيز الدوري الجامعة الاردنية، حزيران 1970.



(1/20)








موت العباس بن عبد المطلب (1) رضي الله عنه [ 3 ب ] قال: دخل عثمان على العباس
في مرضه الذي مات فيه فقال: أوصني بما ينفعني به، وزودني، فقال: الزم ثلاث خصال
(2) تصب بها ثلاث عوام، فالخوص: ترك مصانعة الناس في الحق، وسلامة القلب، وحفظ
اللسان، تصب بها سرور الرعية، وسلامة الدين، ورضى الرب.
محمد بن عمر (3) قال: حدثنا يحيى بن العلاء عن عبد المجيد بن سهيل، عن نملة بن أبي
نملة عن أبيه قال: لما مات العباس بن عبد المطلب بعثت بنو هاشم مؤذنا يؤذن أهل
العوالي: رحم الله من شهد العباس، قال: فحشد الناس ونزلوا من العوالي.
محمد (4) بن عمر قال: حدثني ابن أبي سبرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن دويس (5) عن
عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة، قال: جاءنا مؤذن يؤذننا (6) بموت
__________
(1) انظر البلاذري - أنساب الاشراف ق 1 ص 526 - 532 (مخطوط اسطنبول) وص 210 - 214
(مخطوط الرباط)، ونهاية الارب للنويري (ط.
دار الكتب) ج 18 ص 216 - 220، وطبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 1 - 22.
(2) هكذا.
ولعله " ثلاث خواص ".
(3) ترد هذه الرواية بإسنادها في طبقات ابن سعد (باعتناء سخاو) ج 4 ق 1 ص 21.
(4) ترد هذه الرواية في طبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 21 - 22.
(5) في ابن سعد (ج 4 ق 1 ص 21): " رقيش ".
(6) في ن.
م.
ص 21 " يؤذنا ".
[ * ]



(1/21)








العباس بن عبد المطلب بقباء (1) على حمار، ثم جاءنا آخر على حمار، فقلت: من
الاول ؟ فقال: مولى لبني هاشم، والثاني رسول عثمان بن عفان، فاستقري (2) قرى
الانصار قرية قرية حتى انتهى إلى السافلة (3).
فقلت وأتينا (4) بني حارثة وما والاها، فحشد الناس فما غادرنا (5) النساء، فلما
أتي به إلى موضع الجنائز تضايق، فتقدموا (6) إلى البقيع، فقلت (7) ليتقدموا،
فصلينا عليه بالبقيع، وما رأيت مثل ذلك [ 4 أ ] الخروج على أحد من الناس قط وما
يستطيع أحد من الناس [ أن ] (Cool يدنو إلى سريره وغلب عليه بنو هاشم، فلما انتهوا
إلى
اللحد ازدحموا عليه، فأرى عثمان اعتزل، وبعث الشرط يضربون الناس عن بني هاشم، حتى
خلص بنو هاشم، وكانوا هم الذين نزلوا في حفرته ودلوه في اللحد، ولقد رأيت على
سريره برد حبرة قد تقطع من زحامهم.
محمد بن (9) عمر قال: حدثتني عبيدة بنت نائل (10) عن عائشة بنت سعد قالت: جاءنا
رسول عثمان ونحن بقصرنا على عشرة أميال من المدينة،
__________
(1) انظر ياقوت - معجم البلدان (ط.
صادر بيروت) ج 4 ص 301، وكتاب المناسك وأماكن طريق الحج، تحقيق حمد الجاسر
(منشورات دار اليمامة) ص 600 - 601 وص 636.
(2) في الاصل: " فاستقرأ " وفي ابن سعد: " فاستقبل " ص 21.
(3) في رواية ابن سعد: " حتى انتهى إلى سافلة بني حارثة وما ولاها " ص
21 محل " حتى انتهى..وما والاها.
(4) في الاصل: " رأيتنا ".
(5) في الاصل: " فما عادنا " والتصويب من ابن سعد ص 21.
(6) في ابن سعد: " فتقدموا به " ص 21.
(7) في ابن سإعد: " ولقد رأيتنا يوم صلينا عليه بالبقيع " بدل "
فقلت..بالبقيع ".
(Cool زيادة من ابن سعد ص 21.
(9) ترد نفس الرواية في ابن سعد ج 4 ق 1 ص 22.
(10) في ابن سعد: " نابل " ص 22.
[ * ]



(1/22)








أن العباس قد توفي، فنزل أبي ونزل سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ونزل أبو
هريرة من الشجرة (1)، قالت (2) عائشة: فجاءنا أبي بعد ذلك بيوم
فقال: ما قدرنا أن ندنو من سريره مكثرة الناس، غلبنا عليه، لقد كنت أحب حمله.
محمد بن (3) عمر قال: حدثني يعقوب بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة
عن الحارث بن عبد الله بن كعب عن أم عمارة قالت: حضرنا - نساء الانصار - طرا جنازة
العباس، وكنا أول من بكى عليه، ومعنا المهاجرات الاول والمبايعات.
محمد (4) بن عمر قال: حدثنا ابن أبي سبرة عن عباس بن عبد الله بن معبد (5) قال:
لما مات العباس أرسل إليهم عثمان: إن رأيتم أحضر غسله فعلتم، فأذنوا له فحضر، [ 4
ب ] وكان جالسا ناحية من البيت، وغسله علي بن أبي طالب وعبد الله وعبيد الله وقثم
بنو العباس، وحدت (6) نساء بني هاشم سنة.
محمد بن عمر قال (7): حدثني ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن
__________
(1) في ابن سعد: " السمرة " ص 22.
والشجرة موضع على نحو ستة أميال من المدينة.
انظر الفيروز آبادي المغانم المطابة في معالم طابة، تحقيق حمد الجاسر (دار اليمامة
1969) ص 381.
(2) في الاصل: " قال ".
وفي ابن سعد " قالت ".
(3) ترد هذه الرواية في طبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 22.
(4) ترد هذه الرواية في ن.
م.
ج 4 ق 1 ص 22.
(5) في ن.
م.
ص 22 " سعيد ".
(6) في الاصل: " حدث وفي ابن سعد ص 22 " حدت "، وحدت المرأة: تركت
الزينة والطيب حزنا.
(7) ترد هذه الرواية في طبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 22.
[ * ]



(1/23)








عيسى بن طلحة قال: رأيت عثمان يكبر على العباس بالبقيع، وما يقدر من لغط (1)
الناس، ولقد بلغ الناس الحشان (2)، وما تخلف أحد من الرجال والنساء والصبيان.
محمد بن (3) عمر قال: أخبرنا خالد بن القاسم البياضي، قال: أخبرني شعبة مولى ابن
عباس، [ قال: سمعت ابن عباس ] (4) يقول: كان العباس معتدل القامة (5) وكان يخبرنا
عن عبدالمطب أنه مات وهو أعدل قناة منه (6).
وتوفي العباس يوم الجمعة لاربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة
عثمان بن عفان وهو ابن ثمان وثمانين سنة ودفن بالبقيع في مقبرة بني هاشم، رضي الله
عنه (7).
__________
(1) في ابن سعد ص 2 2 " لفظ ".
(2) انظر معجم البلدان ج 2 ص 262.
(3) ترد هذه الرواية في طبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 20.
(4) زيادة من ابن سعد ص 20.
(5) في ن.
م.
ص 21 " القناة ".
(6) انظر العقد الفريد (ط.
لجنة التأليف) ج 6 ص 276.
(7) انظر أنساب الاشراف ص 214 (الرباط)، أو ق 1 ص 526 (نسخة اسطنبول)، نهاية الارب
للنويري ج 18 ص 219، وتاريخ خليفة بن خياط، تحقيق أكرم ضياء العمري (بغداد 1967) ص
141.
[ * ]



(1/24)








أخبار عبد الله بن العباس (1) ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له
كان عبد الله يكني أبا العباس.
ولد في الشعب (2) قبل خروج بني هاشم منه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين (3)، وتوفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن العباس ابن ثلاث عشرة سنة (4).
سفيان بن عيينة [ 5 ] عن عبد الله بن يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول: أنا ممن قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله مع الثقل من مزدلفة إلى منى (5).
ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اعطه الحكمة، وعلمه التأويل،
ورأى جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عسى ألا تموت حتى تؤتى علما ويذهب
بصرك (6).
وكان عمر يأذن له مع المهاجرين ويسأله ويقول: غص غواص،
__________
(1) انظر ترجمته في مخطوط أنساب الاشراف ق 1 ص 538 - 553 (اسطنبول) وص 221 - 225
(الرباط).
(2) هو الشعب الذي أوى إليه الرسول صلى الله عليه وآله وبنو هاشم أثناء المقاطعة،
وهو " شعب أبي طالب ".
انظر البلاذري - أنساب ج 1 ص 230، وص 233، وياقوت - معجم البلدان ج 3 ص 347.
(3) انظر مخطوط أنساب الاشراف ص 215 (الرباط)، ق 1 ص 538 - 9 (اسطنبول).
(4) انظر كتاب التاريخ ص 239 ب.
(5) ترد هذه الرواية في أنساب الاشراف كما يلي: " وحدثني الزبير بن بكار عن
سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول: أنا فيمن قدمه
رسول الله صلى الله عليه وآله من ضعفة أهله مع الثقل من المزدلفة إلى منى " ق
1 ص 539 (اسطنبول) وص 216 (الرباط).
(6) في الاصل: " ويذهب بصره ".
[ * ]



(1/25)








وكان (1) إذا رآه مقبلا قال: أتاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول.
أبو صالح عن ابن عباس قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسي من مقدمه
حتى انتهى إلى قدمي، ثم مسح ذؤابتي حتى انتهى إلى عقبي، ودعا لي بالايمان والحكمة
فقال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم (2)، فقال المسور بن مخرمة
الزهري (3) في تصديق ذلك: أدنى النبي ابن عباس وقال له * قولا فقدس فيه الاهل
والولد والعلم والسلم كانا رأس دعوته * ما مثل هذا بما يرجي له أحد وقبلها دعوه
كانت مباركة * ثم الظهور بما فيهم وما ولدوا كم دعوة سبقت فيهم مباركة * فيها
افتخار وفيها يكثر العدد [ 5 ب ] سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة قال: حدثنا عبد
الله ابن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنت في بيت خالتي ميمونة
(4) فوضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طهورا فقال: من وضع هذا ؟ قالت ميمونة:
عبد الله، قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (5).
__________
(1) انظر كتاب التاريخ ص 239 ب.
(2) في مخطوط أنساب الاشراف ص 215 (الرباط): " ولد عبد الله بن عباس، وبنو عبد
المطلب في الشعب، وذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين،
فجاء به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبله ومسح وجهه ورأسه ودعا له فقال:
اللهم املا جوفه فهما وعلما، واجعله من عبادك الصالحين " (3) هو المسور بن
مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب " له صحبة وكان فاضلا
".
انظر ابن الكلبي - جمهرة النسب ق 1 ص 49، والطبري (المنتخب من ذيل المذيل) س 4 ص
2333 - 4، جمهرة أنساب العرب (دار المعارف) ص 129.
(4) في كتاب التاريخ " في بيت خالتي ميمونة زوج النبي " ص 239 ب.
(5) في مخطوط أنساب الاشراف ص 216 / ق 1 ص 539 " عن سعيد بن جبير أنه سمع = [
* ]



(1/26)








اسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان ابن بلال عن عمرو
بن أبي عمرو عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عكرمة: أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل.
ساعدة بن عبيد الله عن عكرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعط ابن
عباس الحكمة وعلمه التأويل.
ساعدة بن عبيدالله عن داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: دعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن العباس: اللهم بارك فيه وانشر منه.
ساعدة من عبيد الله المزني عن داود بن عطاء عن موسى بن عبيدة الزيدي عن محمد بن
عمرو بن عطاء العامري، من أنفسهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ابن عباس
يوما مقبلا فقال: اللهم إني أحب عبد الله بن عباس فأحبه.
ومن أخبار عبد الله مع النبي صلى الله عليه وسلم [ 6 أ ] أبو ضمرة أنس بن عياض
الليثي عن أبي طلحة عن عمر بن عبد الله مولى غفرة: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أردف عبد الله
__________
= ابن عباس يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في بيت ميمونة، قال فوضعت
له وضوء من الليل.
فقالت ميمونة: يا رسول الله وضع لك هذا ابن عباس، فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ".
انظر جمهرة النسب لابن الكلبي ق 1 ص 14.
[ * ]



(1/27)








ابن عباس فقال: يا غلام ! ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ قال: بلى يا رسول
الله صلى الله عليك بأبي أنت وأمي، قال: احفظ الله تجده أمامك، اذكر الله في
الرخاء يذكرك في الشدة، إذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم
(1) بما هو كائن، فلو جهد الخلق على أن ينفعوك بشئ لم يكتبه الله لك لم يقدروا
عليه، ولو جهدوا على أن يضروك بشئ لم يكتبه عليك لم يقدروا عليه، فعليك بالصدق في
اليقين، وإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج
مع الكرب وأن مع العسر يسرا (2).
علم عبد الله قال: كان يقال لعبد الله بن العباس حبر هذه الامة لسعة علمه، وقد كان
(3) في صغره لزم عليا، وكان (4) يزقه العلم زقا.
وقيل من أراد العلم والجود والجمال فليأت دار العباس بن عبد المطلب يجد ذلك كله
(5).
__________
(1) كتب في الاصل " الكلم " والتصويب من هامش المخطوط.
(2) في مخطوط أنساب الاشراف ص 216 / ق ص 540 - 1: " حدثني الحسن بن عرفة عن
عمار بن محمد عن خشيش بن فرقد عن الحسن عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: يا غلام أو يا غليم، ألا أعلمك شيئا ينفك الله به: احفظ الله يحفظك،
اذكر الله يذكرك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فسل الله،
وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن النصر مع اليقين، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع
العسر يسرا، وأنه لو اجتمع الخلائق على أن يعطوك شيئا لم يقضه الله لك لم
يستطيعوا، ولو اجتمعوا على أن يمنعوك شيئا قضاه الله لك لم يستطيعوا ".
(3) كتبت عبارة " لزم عليا " في هامش المخطوط، وأشير إلى مكانها في
المتن بعد " صغره ".
(4) في كتاب التاريخ ص 240 أ: " فكان ".
(5) انظر ن.
م.
ص 240 أ، وفيه: " يريدون أن العلم فيه والجود في عبيدالله والجمال في قثم
".
[ * ]



(1/28)








أبو أسامة عن زائدة عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم: أنه
كان يسمعهم يقولون: يكون في هذه الامة إثنا عشر خليفة، قال ما أحمقكم ! إن بعد [ 6
ب ] الاثني عشر ثلاثة منا: السفاح والمنصور والمهدي يسلمها إلى الدجال (1).
قال أبو أسامة: وتأويل هذا عندي ولد المهدي يسلمونها إلى الدجال.
أبو حامد المستملي قال: حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي قال: حدثنا يحيى بن آدم،
قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
قال: ما رأيت أعلم بالسنة، ولا أجلد رأيا، ولا أثقب نظرا حين ينظر، من ابن عباس
رضي الله عنهما، إن كان عمر ابن الخطاب ليقول: قد طرأت علينا عضل (2) أقضية أنت
لها ولامثالها.
العنزي قال: حدثني علي بن إسماعيل قال: أخبرنا عمي إبراهيم ابن محمد قال: حدثني
شداد الحارثي قال: حدثني عبيد الله بن الحر العنبري عن أبي عرابة (3) الهجيمي قال:
كان ابن عباس يفطر الناس في شهر رمضان بالبصرة، فكان (4) لا ينقلبون في كل ليلة أن
يسمعوا فائدة في دين أو دنيا، فكانوا إذا فرغوا من العشاء تكلم فأقل وأوجز، فقال
لهم ليلة: ملاك
__________
(1) وفي ن.
م.
ص 240 أ: " أنه كان إذا سمعهم يقولون..يقول ما أحمقكم.."، وانظر أنساب
الاشراف ج 3 ص 278 (القاهرة).
(2) ترد الرواية في أنساب الاشراف ص 216، ق 1 ص 541 بإسناد آخر مع بعض الاختلاف في
آخرها، كما يلي: " وإن كان عمر بن الخطاب ليقول له: انه قد طرأت علينا عضل
أقضية أنت لها ولا مثالها، فإذا قال فيها رضي قوله، وعمر ما عمر في نظره للمسلمين
وجده
في ذات الله ".
(3) في الاغاني (ط.
دار الكتب) ج 16 ص 376: عبيدالله بن الحر العنزي القاضي عن أبي عرادة.
انظر الخبر في ج 16 ص 376 - 7، وفيه اختلاف عن هذا النص، كما أنه عن الامام علي لا
ابن عباس.
(4) لعله: فكانوا.
[ * ]



(1/29)








أمركم الدين، وزينكم العلم، وحصون (1) أعراضكم الادب، وعزكم الحلم، وصلتكم
الوفاء، وطولكم في الدنيا والآخرة المعروف، فاتقوا الله يجعل لكم من أمركم يسرا.
فقال رجل من القوم: يا أبا العباس من أشعر الناس ؟ فإنا قد [ 7 أ ] تمارينا في ذلك
منذ اليوم فكان (2) كل قوم يقول: شاعرنا، وأقبل عبد الله على أبي الاسود (3)،
فقال: يا أبا الأسود من أشعر الناس ؟ فقال أبو الاسود: الذي يقول: ولقد أغتدي
يدافع ركني * أجولي (4) ذو ميعة إضريج مخلط مزيل معن مفن (5) * منفح مطرح سبوح
خروج (6) سلهب شرجب كأن رماحا * حملته وفي السراة دموج تتعادى به قوائم لام *
وحوام صم الحوافر عوج مقبلات في الجري أو مدبرات * بهوى طائع بهن يهيج هذا الشعر
لابي داود الايادي، وكان أبو الاسود يفضله.
فقال ابن عباس: إن شعراءكم قد قالوا فبلغ كل رجل منهم بعض ما أراد، ولو كانت لهم
غاية يستبقون إليها يجمعهم فيها طريق واحد، لعلمنا أيهم أسبق إلى تلك
__________
(1) في الاصل: حصور.
(2) في الاصل: فقال.
(3) أبو الاسود الدؤلي هو ظالم بن عمرو، توفي بالبصرة سنة 69 ه، وطبع ديوانه في
مطبعة المعارف - بغداد 1946.
(4) في الاغاني: " أحوذي ".
(5) في الاصل: " سفن " والتصويب من الترجمة العربية لدراسات في الادب
العربي تأليف فون غرو نباوم تعريب إحسان عباس (بيروت 1959) ص 299.
(6) في دراسات في الادب العربي (ص 299): مطرح مضرح جموح خروج.
والاصل يتفق في هذا الشطر مع رواية الاغاني ج 16 ص 376.
[ * ]



(1/30)








الغاية، فإن يك قال، ولم (1) يقل عن رغبة ولا رهبة، فامرؤ القيس بن حجر.
العنزي قال: حدثنا علي بن سليمان النوفلي قال: حدثني أبي عن عبد الرحمن بن أبي عبد
الله ختن الفضل بن يسار أبي جعفر الاعرج القارئ قال: حدثني أبو حسنة عن الحكم
الاعرج وهو [ 7 ب ] عمه قال: رأيت ابن عباس مدليا رجليه في حوض زمزم فأتاه رجل
فقال: يا ابن عباس إني رجل أصيب الصيد فأصمي وأنمي، قال: كل ما أصميت ودع ما
أنميت، يعني كل ما أقعصته وأنت تراه، وإذا تحامل عنك برميته فمات وقد غاب عن عينيك
فلا تأكل وهو الانماء.
وأنشد ابن عباس: ورأت معد حولها أسدا * غيران قد يصمي ولا ينمي (2) قال: ثم أتاه
رجل آخر فقال: يابن عباس خبرنا عن يوم عاشوراء، قال: هو اليوم التاسع من قبل إظماء
الابل يسمون يوم التاسع العشر.
العنزي قال: حدثنا الرياشي قال: دخل عبد الله بن صفوان الجمحي على عبد الله بن
الزبير فقال، أنت والله كما قال الشاعر (3):
فإن تصبك من الايام جائحة * لا نبك منك على دنيا ولا دين
__________
(1) في الاصل: " ومن ".
(2) انظر كشاجم - المصايد والمطارد (ط.
دار المعرفة، بغداد 1954) ص 169 وانظر كتاب التاريخ ص 240 أ.
(3) البيت لذي الاصبع العدواني.
وهو شاعر فارس جاهلي.
والبيت من قصيدة يذكر صاحب الاغاني أنه قالها في جرير بن جابر ومطلعها: يا من لقلب
شديد الهم محزون * أمسى تذكر ريا أم هارون انظر أخباره في الاغاني (ط.
دار الكتب) ج 3 ص 89 - 109.
[ * ]



(1/31)








فقال: وما ذاك ويحك ؟ قال: هذان ابنا عباس: أحدهما يفتي الناس في دينهم،
والآخر يطعم الناس، فماذا بقيا لك.
فأرسل إليهما ابن الزبير فقال: إنكما (1) تريدان أن ترفعا راية قد وضعها الله،
ففرقا عنكما مراق العراق.
فأرسل إليه عبد الله بن عباس فقال: ويلك أي الرجلين [ 8 أ ] نطرد عنا: أطالب علم
أم طالب دنيا ؟ فبلغ الخبر أبا الطفيل (2) فقال أبياته (3).
أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم القمي عن أبيه عن الزبيري بإسناد له يرفعه قال:
بينا عمر جالس في جماعة من أصحابه، فتذاكروا الشعر، فقال: من أشعر الناس ؟
فاختلفوا، فدخل عبد الله بن عباس، فقال عمر: قد جاءكم ابن بجدتها، وأعلم الناس.
من أشعر الناس يا ابن عباس ؟ قال: زهير بن أبي سلمى المزني.
قال: أنشدني من شعره، فأنشده: لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بأحسابهم أو
مجدهم قعدوا قوم أبوهم سنان حين ينسبهم * طابوا وطاب من الاولاد ما ولدوا (4)
فقال عمر: قاتله الله يا بن عباس، لقد قال كلاما حسنا ما كان ينبغي أن يكون هذا
الكلام إلا في أهل هذا البيت لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له ابن عباس: وفقك الله يا أمير المؤمنين فلم تزل موفقا.
__________
(1) في الاصل: " أيكما يريد أن يرفعا دابة " والتصويب من ص 98.
(2) هو عامر بن واثلة بن عبد الله.
انظر الاغاني ج 15 ص 147.
(3) في الاصل: " أتيانه ".
انظر أبيات أبي الطفيل مع نص الخبر في الاغاني ج 15 ص 151 - 2.
(4) في شرح ديوان زهير بن أبي سلمى لثعلب (ط.
دار الكتب 1944) ص 282: أو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم * طابوا وطاب من الاولاد ما ولدوا وانظر رواية ثعلب
للخبر ص 278 - 283، وانظر العقد الفريد ج 4 ص 280.
[ * ]



(1/32)








فقال: يا ابن عباس أتدري ما منع الناس منكم ؟ قال: ما أدري، قال: كرهت قريش أن
يولوكم هذا الامر فتجخفون (1) على الناس جخفا، فنظرت قريش لانفسها فاختارت فوفقت
فأصابت إن شاء الله.
فقال: يميط أمير المؤمنين عني الغضب ويسمع كلامي، فقال هات.
قال: أما قولك إن قريشا [ 8 ب ] كرهت، فإن الله يقول: * (كرهوا ما أنزل الله فأحبط
أعمالهم) * (2)، وأما قولك: إنها نظرت فاختارت، فإن الله نظر فاختار من خير خلقه،
فإن كانت قريش نظرت من حيث نظر الله فقد أصابت.
قال: فقال عمر: أبت قلوبكم يا بني هاشم (3) لنا إلا غشا لا يزول، وحقدا لا يحول.
قال: مهلا يا أمير المؤمنين، لاتنسب قلوب بني هاشم إلى الغش، فإن قلوب بني هاشم من
قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأما
قولك: حقا لا يحول، فكيف لا يحقد من غصب شيئه، ورآه في يد غيره.
قال: فقال: يا بن عباس اخرج عني، فلما خرج ناداه فقال له: أما إني على ما كان منك
لحقك لراع، فقال له: إن (4) لي عليك وعلى كل مؤمن حقا، فمن عرفه فقد أصاب ومن لم
يعرفه فحظه أخطأ.
فقال عمر: لله در ابن عباس، والله ما رأيته لاحى رجلا قط إلا خصمه (5).
__________
(1) في الاصل " تجحفون..جحفا ".
وجخف افتخر بأكثر مما عنده (اللسان).
وفي شرح نهج البلاغة ج 12 ص 53 " تجخفون ".
(2) سورة محمد الآية 9 " ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ".
(3) عبارة: " قال فقال عمر: أبت قلوبكم يا بني هاشم " مكررة.
(4) في الاصل " أني ".
(5) روى ابن أبي الحديد هذا الخبر مع بعض الاختلاف في اللفظ والتفصيل، عن عبد الله
بن عمر.
انظر شرح نهج البلاغة (تحقيق أبي الفضل إبراهيم 1961)، ج 12 ص 52 - 55.
[ * ]



(1/33)








قال: قال مجاهد: كان عبد الله بن عباس أمد الناس قامة وأعظمهم جفنة وأوسعهم
علما.
مفضل بن غسان عن أبيه عن رجل من بني تميم عن عبيدالله بن الحسن عن المؤمل عن أبيه
(1) قال: كان ابن عباس مثجا يتحدر غربا (2)، وكان [ 9 أ ] أمير البصرة يعشي الناس
في شهر رمضان، فلا ينقضي الشهر حتى يفقههم، وكان إذا كانت (3) آخر ليلة من شهر
رمضان يعظهم ويتكلم بكلام يردعهم ويقول: ملاك أمركم الدين، وصلتكم الوفاء، وزينتكم
العلم، وسلامتكم الحلم، وطولكم المعروف، إن الله كلفكم الوسع
فاتقوا (4) الله ما استطعتم.
قال: فقام أعرابي، فقال من أشعر (5) أيها الامير ؟ قال: أفي أثر العظة ؟ قل يا أبا
الاسود.
قال: فقال أبو الأسود الدؤلي: أشعر الناس الذي يقول: فإنك كالليل الذي هو مدركي *
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع قال: نابغة بني ذبيان.
قال: كان عبد الله بن عباس إذا أقبل قلت من أجمل الناس، وإذا
__________
(1) رسمت هذه الكلمة في الاصل من كلمتي عمه وأبيه.
(2) في الاصل " كان ابن عباس مثجه يحد غزبا "، والصواب ما أثبتنا
مستنيرين بما جاء في البيان والتبيين ج 2 ص 170 من أن ابن عباس كان " مثجا
يسيل غربا "، وما جاء في اللسان مادة (ثج): " وقول الحسن في ابن عباس
أنه كان مثجا، أي كان يصب الكلام صبا، شبه فصاحة وغزارة منطقه بالماء الثجوج
".
(3) في الاصل: (كان)، والتصحيح من أنساب الاشراف ص 221 (الرباط).
(4) في الاصل: " اتقوا "، وما أثبتنا من أنساب الاشراف ص 221 (الرباط)،
وقد أورد الخبر هكذا " وذكر لي أن ابن عباس كان يعشي الناس بالبصرة في شهر
رمضان ويحدثهم ويفقههم، فإذا كانت آخر ليلة من الشهر ودعهم ثم قال: ملاك أمركم
الدين ووصلتكم الوفاء وزينتكم العلم وسلامتكم في الحلم وطولكم المعروف.
إن الله كلفكم الوسع فاتقوه ما استطعتم ".
(5) زيادة يقتضيها السياق.
[ * ]



(1/34)







تكلم قلت من أفصح الناس، وإذا أفتى قلت من أعلم الناس
(1).
قال أبو عبيدة: أتى (2) عمر بن أبي ربيعة لعبدالله بن عباس وهو في المسجد (3):
أمتع الله بك،

يتبع.......................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار الدولة العباسية Empty
مُساهمةموضوع: تكملة   أخبار الدولة العباسية Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 12:44 pm

إني قلت شعرا، فأحببت أن تعرفه لتشير علي فيه، قال: أنشدني، فأنشده:
تشط غدا دار جيراننا فقال ابن عباس: وللدار بعد غد أبعد فقال عمر: أسمعت أصلحك
الله هذا الشعر من أحد ؟ قال: لا ولكن كذا ينبغي أن يكون (4).
قال: فإني كذا قلت، قال: فأنشدني، فأنشده حتى مر في الكلمة (5) [ 9 ب ] كلها، قال:
أنت شاعر إذا شئت فقل.
وقال ابن عباس يوما: هل أحدث المغيري (6) شيئا ؟ فجاءه حتى أنشده: أمن آل نعم أنت
غاد فمبكر حتى بلغ قوله: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت * فيضحى وأما بالعشي فيخصر
فقال له: أحسنت ! أحسنت ! فما انصرف عمر، قال رجل من جلساء
__________
(1) انظر البلاذري أنساب الاشراف ص 216 (الرباط).
(2) في الاصل: (أبي).
(3) زيادة.
(4) انظر الاغاني ج 1 ص 73.
(5) أي القصيدة.
(6) أي عمر بن أبي ربيعة.
[ * ]



(1/35)








ابن عباس: أي إحسان ههنا: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت * فيضحى وأما بالعشي
فيخسر فقال ابن عباس: أو هكذا قال ؟ إنما قال فيخصر، فقد أحسن الوصف، ثم مر ابن
عباس في الكلمة إلى آخرها، وهي سبعون بيتا، ويقال:
مر من أولها إلى آخرها (1) قلبها، حفظا لها في مجلس واحد.
خبر عبد الله بن عباس يوم الحكمين قال، لما جعل أبو موسى وعمرو بن العاص حكمين،
وأرادوا المسير إلى دومة (2) الجندل، لقي عبد الله بن عباس أبو موسى، فقال: يا أبا
موسى إن الناس (3) لم يرضوا بك (4) لفضل لا تشارك فيه، ما أكثر أشباهك المقدمين
قبلك من المهاجرين والانصار غير أن أهل الكوفة [ 10 أ ] أبوا أن يرضوا (5)، وايم
الله إني لاخاله (6) شرا لنا ولهم (7)، إنك قد رميت (Cool بداهية العرب ومن حارب
الله ورسوله، وليست في علي خصلة تحرم عليه الخلافة، وليست
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق، وتؤيدها رواية الاغاني لهذا الخبر، انظر ج 1 ص 71 - 73.
(2) دومة الجندل هي (الجوف) الحالية.
وانظر معجم البلدان ج 2 ص 487.
(3) انظر مروج الذهب: ج 4 ص 391.
(4) في شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 246 " لم يرضوا بك ولم يجتمعوا عليك ".
(5) في ن.
م.
: " ولكن أهل العراق أبوا إلا أن يكون الحكم يمانيا، ورأوا أن معظم أهل الشام
يمان ".
(6) في الاصل: " آل ".
(7) في شرح نهج البلاغة: " وايم الله أني لاظن ذلك شرا لك ولنا ".
(Cool في ن.
م.
: " فإنه قد ضم إليك داهية العرب ".
[ * ]



(1/36)








في معاوية خصلة تحل بها له الخلافة (1).
فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك فيه (2)، وإن تطمع (3) باطله في حقك يدرك
حاجته فيك (4).
إذا أنت لقيت عمرا فأعلمه أن معاوية طليق الاسلام، وأن أباه لعين رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأنه ادعى الخلافة على غير مشورة (5)، فإن صدقك، فعجل
خلعه، وإن كذبك فقد حرم عليك كلامه، فإن زعم أن عمر وعثمان استعملاه فقد صدق.
استعمله عمر، وعمر (6) الوالي عليه بمنزلة الطبيب من المريض يحميه ما يشتهي، ويوجره
(7) ما يكره، واستعمله عثمان برأي عمر وما أكثر من استعملا لم يدعوا (Cool ما ادعى
معاوية، واعلم أن كل شئ يسرك من عمرو فينا فلما (9) يسوءك أكثر، ومهما نسبت من شئ
فلا تنسين (10) أن الذين بايعوا عليا هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما
بويعوا عليه (11).
وقال: قال ابن عباس لعلي رحمة الله عليهما ورضي عنهما: اجعلني السفير بينك وبين
معاوية في الحكمين، فو الله لافتلن حبلا لا ينقطع وسطه، ولا ينبت طرفاه.
قال علي: لست من كيدك وكيد [ 10 ب ] معاوية في شئ، والله لا أعطيه إلا السيف حتى
يدخل في الحق.
قال ابن عباس:
__________
(1) في شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 246: " وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة
".
(2) في ن.
م.
" منه ".
(3) في ن.
م.
: " وإن يطمع باطله ".
(4) في ن.
م.
: " منك ".
(5) في ن.
م.
: " وإنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة ".
(6) في ن.
م.
: " وهو ".
(7) في الاصل: " يؤخره " والتصويب من شرح نهج البلاغة ج 2 ص 246.
(Cool في ن.
م.
: " ممن لم يدع الخلافة ".
(9) في الاصل: " قلما ".
وفي شرح النهج " واعلم أن لعمرو مع كل شئ يسرك خبيثا يسوءك ".
10 انظر مروج الذهب ج 4 ص 391.
(11) انظر رواية أخرى للخبر في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 246.
[ * ]



(1/37)








هو والله لا يعطيك إلا السيف حتى يغلب بباطله حقك.
قال علي: وكيف ذلك ؟ قال: لانك اليوم تطاع وتعصى غدا، وإنه يطاع فلا يعصى.
فلما انتشر على (1) علي أصحابه، وابن عباس بالبصرة، قال: لله در ابن عباس إنه
لينظر إلى الغيب من ستر رقيق.
الجهني قال: شهدت الحكمين بدومة الجندل، وقد اعتزلت الفتنة في ناس من القراء، فقال
لي أصحابي: لو أتيت هذين الرجلين، فخبرت ما قبلهما، ولمن يبايعان، وعلى من يجتمعان
(2)، وذلك بعد ما طال مقامهما، لا يعلم أحد ما يريدان (3)، وإلى من يدعوان (4).
فأتيت أبا موسى فوجدته على بغلة بسرج، ووجدته شيخا خلقا عليه ثياب خلقان، فقلت له:
صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت من صالحي أصحابه، وقد قاربت الآخرة فما
بينك وبين الجنة إلا كلمة محقة أو مبطلة، فانظر أين أنت غدا من الله.
قال: أما إني سأدعو إلى رجل لا يختلف فيه اثنان.
فقلت: أما هذا فقد أبان عما في نفسه، فلقيت عمرا، فقلت له مثل ذلك، فقال: إليك
عني، فلست من أهل المشاورة، والله ما ينفعك الحق ولا يضرك الباطل، فإن الظلف لا
يجري (5) مع الخف.
فانصرفت وأنا أقول: يا لهذا الحي من قريش، والله لكأنما [ 11 أ ] أقفل على قلوبهم
بأقفال حديد.
__________
(1) انظر العقد الفريد ج 4 ص 346.
(2) في الاصل: يجتمعا.
(3) في الاصل: يريد.
(4) في الاصل: يدعوا.
(5) في الاصل: يرى.
[ * ]



(1/38)








خبر عبد الله يوم الخوارج ويذكر أهل العلم (1) من غير وجه، أن عليا عليه
السلام، لما عزم الخوارج بالبيعة لعبدالله بن وهب الراسبي، وجه إليهم عبد الله بن
العباس ليناظرهم، فقال لهم: ما الذي نقمم على أمير المؤمنين ؟ قالوا (2): كان
للمؤمنين أميرا، فلما حكم في دين الله، خرج من الايمان، فليتب بعد إقراره بالكفر
نعد له.
فقال ابن عباس: لا ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه شك أن يقر على نفسه [ بالكفر ] (3)،
قالوا: إنه (4) حكم، قال: إن الله (5) أمرنا بالتحكيم في قتل صيد، فقال: * (يحكم
به ذوا عدل منكم) * (6)، فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين ؟ فقالوا: إنه (7)
حكم عليه فلم يرض، فقال (Cool: إن الحكومة كالامامة، ومتى [ فسق الامام ] (9) وجبت
معصيته، وكذلك الحكمان لما خالفا نبذت أقاويلهما.
فقال بعضهم لبعض: اجعلوا احتجاج قريش حجة عليهم (10)، فإن هذا من الذين قال الله
تبارك وتعالى [ فيهم ] (11): * (بل
__________
(1) أورد المبرد هذا الخبر في الكامل ج 3 ص 165.
(2) في ن.
م.
" قد كان ".
(3) زيادة من الكامل.
(4) ن.
م.
" قد حكم ".
(5) في ن.
م.
" إن الله عز وجل قد أمرنا ".
(6) سورة المائدة، الآية 95.
(7) في الكامل: " إنه قد ".
(Cool في الاصل: " وقالوا " والتصويب من الكامل.
(9) زيادة من الكامل.
(10) في الكامل: " لا تجعلوا احتجاج قريش حجة عليكم " وهو أدق.
(11) " فيهم " زيادة من الكامل.
[ * ]



(1/39)








هم قوم خصمون) * (1)، وقال جل ثناؤه: * (وتنذر به قوما لدا) * (2).
ثم إن (3) عليا عليه السلام جاء فناظرهم مناظرة (4) ابن عباس إياهم، فكان فيما قال
لهم: ألا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم هذه مكيدة ووهن، وأنهم
[ 11 ب ] لو قصدوا إلى حكم المصاحف لم يأتوني، ثم سألوني التحكيم، أفعلمتم أنه كان
منكم أحد أكره لذلك مني ؟ قالوا (5): نعم، قال: فهل علمتم أنكم استكرهتموني على
ذلك حتي أجبتكم إليه، فاشترطت أن حكمهما نافذ ما حكما بحكم الله (6)، فمتى خالفاه
فأنا وأنتم من (7) ذلك براء، وأنتم تعلمون أن حكم الله لا يعدوني، قالوا: اللهم
نعم، وفيهم في ذلك (Cool ابن الكواء، وهذا من قبل أن يذبحوا عبد الله (9) بن خباب،
وإنما ذبحوه في الفرقة الثالثة بكسكر (10).
فقالوا لعلي: حكمت في دين الله برأينا، ونحن مقرون بأنا قد كفرنا، ونحن تائبون،
فأقرر بمثل ما أقررنا به وتب ننهض معك إلى الشام، فقال: أما تعلمون أن الله عز وجل
قد أمرنا
__________
(1) سورة الزخرف، الآية 58.
(2) سورة مريم، الآية 97.
(3) أورد المبرد هذا الخبر في الكامل ج 3 ص 181.
(4) في الكامل: " بعد مناظرة ابن عباس ".
(5) في ن.
م.
" اللهم نعم ".
(6) في ن.
م.
" بحكم الله عز وجل ".
(7) في الاصل: " في " والتصحيح من الكامل.
(Cool في الكامل " في ذلك الوقت ".
(9) هو عبد الله بن خباب بن الارت من كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
انظر ترجمة أبيه في شرح نهج البلاغة ج 18 ص 171، وخبر مقتله في الكامل للمبرد ج 3
ص 213، وترجمة له في الطبري (المنتخب من ذيل المذيل) س 4 ص 2382.
(10) انظر معجم البلدان ج 4 ص 461، وابن خردا ذبة - المسالك والممالك ص 7 وص 12.
[ * ]



(1/40)








بالتحكيم في شقاق بين رجل وامرأته، فقال تعالى: * (فابعثوا حكما من أهله وحكما
من أهلها) * (1)، وفي صيد أصيب [ في الحرم ] (2) كأرنب تساوي (3) ربع درهم، فقال:
* (يحكم به ذوا عدل منكم) * (4).
فقالوا: إن عمرا لما أبي عليك أن تقول (5) " هذا كتاب (6) كتبه عبد الله علي
أمير المؤمنين "، محوت اسمك من الخلافة وكتبت: " علي بن أبي طالب
"، فقد خلعت نفسك.
فقال لهم: لي برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، حيث أبي عليه سهيل ابن عمرو
(7)، فقال: لو أقررت أنك رسول الله ما خالفتك، ولكني أقدمك لفضلك، فاكتب: محمد بن
عبد الله، فقال [ 12 أ ]: يا علي امح رسول الله، فقتل: يا رسول الله لا تسخو نفسي
بمحو اسمك من النبوة، قال: فقفني عليه، قال فمحاه بيده، ثم قال: اكتب: محمد بن عبد
الله (Cool، ثم تبسم إلي، فقال: يا علي إنك ستسام مثلها فتعطي.
فرجع معه منهم ألفان من حروراء (9)، وقد كانوا تجمعوا بها، فقال لهم: ما نسميكم،
ثم قال: أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء.
__________
(1) سورة النساء، الآية 35.
(2) زيادة من الكامل.
(3) في الاصل: " يساري " وما أثبتنا رواية الكامل.
(4) سورة المائدة، الآية 95.
(5) في الكامل: " أن تقول في كتابك ".
(6) في الكامل: " هذا ما كتبه ".
(7) انظر البلاذري أنساب الاشراف ج 1 ص 350 349، ويضيف الكامل (ج 3 ص 2 13) "
أن يكتب: هذا كتاب كتبه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو ".
(Cool في الاصل: " محمد رسول الله بن عبد الله " وما أثبتنا رواية الكامل.
(9) حروراء قرية بظاهر الكوفة، انظر معجم البلدان ج 2 ص 245.
[ * ]



(1/41)








أخبار عبد الله مع معاوية ابن دأب ومعمر عن إدريس ومحمد بن إسحاق قال: قدم ابن
عباس على معاوية ابن أبي سفيان، وكان يلبس أدنى ثيابه ويخفض شأنه، لما كان يعرف من
كراهية معاوية لاظهار أمره، وكان معاوية يجفوه، فمكث عنده مقيما ما شاء الله.
ثم إن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية، يخبره بمرض الحسن ابن علي، وأنه رأى أن به
السل (1)، فكتب إليه معاوية: لاتغبني خبره يوما.
فكان يأتي خبره معاوية كل يوم.
فقال رجل من قريش: إني الباب في اليوم الذي جاء فيه نعي الحسن بن علي عليه السلام،
إذ مر يزيد بن معاوية داخلا على أبيه، فأدخلني، فما مر بباب إلا قالوا: مرحبا بابن
أمير المؤمنين، حتى انتهى إلى البيت الذي فيه معاوية، وإذا امرأته بنت قرظة (2)
تعطره وتسرح لحيته، فلما رأتنا امرأته [ 12 ب ]، قالت: واسوأتاه، أتدخل علينا
الرجال ؟ فقال لها: اسكتي، وإلا عزمت على أمير المؤمنين أن يتزوج أربع قرشيات كلهن
يأتين بغلام يبايع له بالخلافة.
فقال لها معاوية: اسكتي، فلو عزم علي يزيد لم أجد بدا من إنفاذ عزيمته، فقامت فلم
تقدر على النهوض، حتى وضعت يدها على الارض، ثم ارتفعت، فلما ولت، قال معاوية:
ما كنا لنغيرها.
قال يزيد: وما كنت لاعزم عليك، إنما قلت ما قلت لاذعرها.
فإنا كذلك إذ دخل شيخ طوال، كان على الصائفة، فسأله معاوية عن أمر الناس والجند،
فبينا نحن كذلك إذ دخل غلام معاوية، فقال: يا أمير
__________
(1) انظر مروج الذهب للمسعودي ج 5 ص 2 - 3، وشرح نهج البلاغة ج 16 ص 10.
(2) هي فاطمة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف.
جمهرة النسب لابن الكلبي ق 1 ص 29.
وانظر مروج الذهب ج 5 ص 8.
[ * ]



(1/42)








المؤمنين بشراي، قال: وما ذلك، قال: في هذه الصحيفة ما تحب.
قال: لك بشراك، فدفعها إليه، ولما قرأها خر ساجدا، ثم رفع رأسه، فعرفنا السرور في
وجهه، فنعى الحسن بن علي، فبكى الشيخ وانتحب، ووضع يده على..(1) ينتحب، فقال له الغلام:
اسكت أيها الشيخ، فقد شققت على أمير المؤمنين، هل الحسن إلا أحد رجلين: إما منافق
أراح الله منه، وإما بر فما عند الله خير للابرار.
ثم إن معاوية قال لحاجبه: ائذن للناس وأخر اذن ابن عباس.
فلما أصبح ودخل عليه الناس أذنوا لابن عباس، فسلم فقال معاوية: يا أبا العباس أما
ترى ما [ 13 أ ] حدث بأهلك ؟ قال: لا.
قال: فإن أبا محمد قد توفي، فأعظم الله أجرك.
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله نحتسب مصيبتنا بالحسن عليه السلام (2)
فقد بلغتني سجدتك، وما أظن ذاك إلا لوفاته، أما والله لا يسد جسده حفرتك، ولا يزيد
انقضاء أجله في عمرك، ولطالما رزئنا بمن هو أعظم رزءا من الحسن عليه السلام، ثم
جبر الله.
قال معاوية: كم أتى له ؟ قال: شأنه أعظم من أن يجهل مولده.
قال: إني أحسبه قد ترك صبيانا صغارا (3).
قال: كلنا كان صغيرا فكبر.
قال معاوية: أصبحت سيد
أهل بيتك يا أبا العباس.
قال: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام فلا (4).
قال: ثم نهض وعيناه تدمع، فلما ولى قال معاوية: لله
__________
(1) الكلمة في الاصل مطموسة، ولعلها " جبهته " (2) انظر رواية المدائني
عن هذه المقابلة في شرح نهج البلاغة ج 16 ص 11.
(3) في الاصل: " صغيرا ".
انظر العقد الفريد ج 4 ص 361 - 362.
(4) في أنساب الاشراف ق 1 ص 452 (ا سطنبول)، ص 180 (الرباط) " قدم معاوية مكة
فلقيه ابن عباس فقال له معاوية: " عجبا للحسن شرب عسلة طائفية بماء رومة فمات
منها.
فقال ابن عباس: لئن هلك الحسن فلن ينسأ في أجلك.
قال: وأنت اليوم سيد قومك.
قال: أما ما بقى أبو عبد الله فلا ".
وانظر رواية أخرى في شرح نهج البلاغة ج 16 ص 11.
[ * ]



(1/43)








دره، والله ما هيجناه قط إلا وجدناه معدا (1).
فلما رجع ابن عباس إلى رحله، جلس بفنائه، وجاءه الناس يعزونه، وجاءته خيل، كلما
جاءه إنسان نزل ووقف حتى جاءه يزيد بن معاوية، فأوسع له ابن عباس، فأبى أن يجلس
إلا بين يديه مجلس المعزي، فذكر الحسن عليه السلام في فضله وسابقته وقرابته، فأحسن
ذكره، وترحم عليه، ثم قام فركب، فأتبعه ابن عباس بصره فلما ولى قال: إذا ذهب بنو
حرب ذهب حلماء قريش (2).
ثم إن ابن عباس دخل بعد ذلك بأيام على معاوية [ 13 ب ]، فقال له معاوية: يا أبا
العباس ! هل ترى ما حدث في أهلك ؟ قال: لا، قال: فإن أسامة بن زيد هلك، ثم خرج.
فلما كانت الجمعة، قال ابن عباس: يا غلام اعطني ثيابي، حتى متى أصبر لهذا المنافق
ينعى إلي أهل بيتي رجلا رجلا، فلبس ثيابه ثم اعتم وتطيب بطيب كان يعرف به إذا ما
وجد ريحه، فلما دخل المسجد قال أهل الشام: ما يشبه هذا إلا الملائكة، من هذا ؟
فلما صلى
أسند إلى اسطوانة، فلم تبق في المسجد حلقة إلا تقوضت إليه، فلم يسأل عن حلال ولا
حرام ولا فقه ولا تفسير قرآن ولا حديث جاهلية ولا إسلام إلا أنبأهم به.
فافتقد معاوية يومئذ من كان يدخل عليه، وقال لحاجبه: أين الناس ؟ قال: عند ابن
عباس، فأخبره بخبره واجتماع الناس إليه، وانه لو شاء أن يضربه بمائة ألف سيف فعل
قبل الليل.
فقال: نحن أظلم منه، حبسناه عن أهله، ومنعناه حاجته، ونعينا إليه أحبته، انطلق يا
غلام فادعه.
فلما
__________
(1) انظر مروج الذهب ج 5 ص 8 - 9.
(2) انظر العقد الفريد ج 4 ص 361 - 36 2.
وفي مخطوط أنساب الاشراف ق 1 ص 710 (اسطنبول) ص 284 (الرباط)، رواية المدائني
ونصها " قدم عبد الله بن عباس على معاوية وافدا فأمر ابنه يزيد أن يأتيه
مسلما، فأتى يزيد ابن عباس فرحب به ابن عباس وحدثه، فلما خرج قال ابن عباس: إذا
ذهب بنو حرب ذهب حلماء الناس ".
[ * ]



(1/44)








أتاه الحاجب قال: إنا معشر بني عبد مناف إذا حضرت الصلاة لم نقم حتى تقضى
الصلاة، أصلي وآتيه إن شاء الله.
فرجع فأخبره، فقال: صدق.
فلما صلى العصر دخل فقال: يا أبا العباس ادخل بيت المال فخذ حاجتك وإنما أراد أن
يعلم الناس من أهل الشام أنه صاحب دينا فعرف ابن عباس [ 14 أ ] ما يريد، فقال: ليس
ذاك لي ولا لك، فإن أذنت لي أن أعطي كل ذي حق حقه فعلت.
فقال: أقسمت عليك لما دخلت بيت المال وأخذت فدخل فأخذ منه برنس خز، ثم خرج فقال:
يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة قال: وما هي ؟ قال: علي عليه السلام، قد عرفت فضله
وسابقته وقرابته (1)، قد كفاكه الموت، أحب ألا يشتم على منابركم، قال: هيهات يا
ابن عباس، هذا امر دين، أليس وأليس (2) فعل وفعل ؟ قال: أنت أعلم.
ثم خرج متوجها إلى المدينة منصرفا.
عبد الله بن زاهر (3) الكوفي عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي
عياش عن سليم بن قيس الهلالي: أن معاوية لما ورد المدينة حاجا، في خلافته استقبله
أهل المدينة وهم قريش، فقال: ما فعلت الانصار ؟ فقيل: إنهم محتاجون، لا دواب لهم.
فقال معاوية: فأين نواضحهم ؟ فقال قيس ابن سعد بن عبادة: أحربناها (4) يوم بدر
وأحد، وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ضربوا أباك على
الاسلام حتى ظهر أمر الله وهم كارهون، فسكت معاوية، فقال قيس: أما إن رسول الله
صلى
__________
(1) في الاصل: كرر الناسخ كلمة " قرابته " مرتين.
(2) هكذا.
والصحيح أن تتقدم همزة الاستفهام على واو العطف: أليس أو ليس.
(3) في الاصل: ذاهر.
(4) في الاصل: جربناها "، والتصحيح من أنساب الاشراف ص 293 (الرباط)، وفي
هامشه " أي أهز لناها ".
[ * ]



(1/45)








الله عليه وسلم قد عهد إلينا أنا سنلقي بعده أثرة.
فقال معاوية: فما أمركم به ؟ قال: أمرنا إن نصبر حتى نلقاه [ 14 ب ]، قال: فاصبروا
حتى تلقوه.
ثم إن معاوية مر بحلق من قريش، فلما رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس، فقال: يا
ابن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك، ما ذاك إلا لموجدة، إني قاتلتكم
بصفين، فلا تجد من ذلك يا ابن عباس فإن ابن عمي عثمان قتل مظلوما.
قال ابن عباس: فعمر بن الخطاب قتل مظلوما، قال: إن عمر قتله كافر.
قال ابن عباس: فمن قتل عثمان ؟ قال: المسلمون، قال: فذاك أدحض لحجتك.
قال: فإنا كتبنا إلى الانصار ننهى عن ذكر مناقب
علي وأهل بيته، فكف لسانك.
قال: أفتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال: لا.
قال: افتنهانا عن تأويله ؟ قال: نعم.
قال: أفنقرؤه ولا نسأل عما عني ؟ قال: يسأل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله
أنت وأهل بيتك.
قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فكيف أسأل عنه آل أبي سفيان ؟ يا معاوية !
أتنهانا أن نعبد الله بالقرآن بما فيه من حلال أو حرام، فإن لم تسأل الامة عن ذلك
حتى تعلم تهلك وتختلف.
قال: اقرأوا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم وارووا ما سوى ذلك.
قال: فإن في القرآن: * (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم
نوره ولو كره الكافرون) * (1).
قال: يا ابن عباس ! [ 15 أ ] فاربع على نفسك، وكف عني لسانك، وإن (2) لابد فاعلا
فليكن ذلك سرا لا يسمعه أحد علانية، ثم
__________
(1) في الاصل: " المشركون " والصواب ما أثبتناه، سورة التوبة، آية 32،
ولا ترد لفظة " المشركون " في ابن خالويه: مختصر شواذ القرآن (باعتناء
ر.
برجشتراسر 1934)، ص 52 كما لا ترد في ابن جني المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات
(القاهرة 1969) ج 1 ص 283 - 306.
(2) زيادة.
[ * ]



(1/46)








رجع إلى منزله، وبعث إليه بمائة ألف درهم، ونادى منادي معاوية: أن برئت الذمة
ممن روى حديثا من مناقب علي وفضل أهل بيته.
دخل ابن عباس على معاوية وعنده جماعة من قريش فيهم عبد الله بن عمر، فلما جلس، قال
له معاوية: إنك يا ابن عباس لترمقني شزرا، كأني خالفت الحق أو أتيت منكرا.
قال ابن عباس: لا منكر أعظم من ذبحك الاسلام بشفرة الشرك، واغتصابك ما ليس لك بحق
اعتداء وظلما.
فقال معاوية: إنما ذبح الاسلام من قتل إمام الامة، ونقض العهد، وخفر الذمة، وقطع
الرحم، ولم يرع الحرمة، وترك الناس حياري في الظلمة.
قال ابن عباس: كان الامام من سبق الناس إلى الاسلام طرا، وضرب خيشوم الشرك بسيف
الله جهرا، حتى انقاد له جماهير الشرك قهرا، وأدخلك وأباك فيه قسرا، فكان ذلك
الامام حقا، لا من خالف الحق حمقا، ومزق الدين فصار محقا.
فقال معاوية: رفقا يا ابن عباس رفقا، فقد أتيت جهلا وخرقا، فوالله ما قلت حقا، ولا
تحريت في مقالك صدقا، فمهلا مهلا، لقد كان من [ 15 ب ] ذكرته إماما عادلا، وراعيا
فاضلا، يسلك سبيلا ملئ حلما وفهما، فوثبتم عليه حسدا، وقتلتموه عدوانا وظلما.
قال ابن عباس: إنه اكتسب بجهده الآثام، وكايد بشكه الاسلام، وخالف السنة والاحكام،
وجار على الانام، وسلط عليهم أولاد الطغام، فأخذه الله أخذ عزيز ذي انتقام.
قال معاوية: يا ابن عباس يحملك شدة الغضب على سوء الادب حتى لتخل في الجواب، وتحيد
عن الصواب، تقعد في مجلسنا، تشتم فيه أسلافنا، وتعيب فيه كبراءنا، وخيار أهلنا، ما
ذنب معاوية إن كان علي خانه زمانه، وخذله أعوانه، وأخذوا سلطانه، وقعدوا مكانه،
أما معاوية فأعطي الدنيا فأمكنكم من خيرها، وباعدكم من شرها، وكان لكم صفوها
وحلوها، ولي كدرها ومرها.
قال ابن عباس: ذنب معاوية ركوبه الآثام، واستحلاله



(1/47)








الحرام، وقصده لظلم آل خير الانام، ما رعى معاوية للنبوة حقها، ولا عرف لهاشم
فضلها وقوتها، وبنا أكرم الله معاوية فأهاننا، وبنا أعزه الله فأهاننا، ثم هاهوذا
يصول بعزنا، ويسطو بسلطاننا ويأكل فيئنا، ويرتع في ثروتنا (1)، ثم يمتن علينا في
إعلامنا إيانا بأنه لا يعتذر إلى الله [ 16 أ ]
من ظلمنا.
قال معاوية: يا ابن عباس إن افتخارك علينا بما لا (2) نقر لك به إفك وزور، وتبجحك
بما لا نشهد لك به هباء منثور، واتكال أبناء السوء على سيادة الآباء ضعف وغرور،
ونحن للورى أنجم وبحور، نفي بالنذور ونص بالبدور، وبساحتنا رحى السماحة تدور.
قال ابن عباس: لئن قلت ذلك يا معاوية لطالما انكرتم ضوء البدور، وشعاع النور،
وسميتم كتاب الله بيننا اسطورا، ومحمدا صلى الله عليه وسلم ساحرا وصنبورا (3)،
ولقول القائل تلقفوها يا بني أمية تلقف الكرة، لا بعث ولا نشور، وتغنموا نسيم هذا
الروح فما بعده أوبة ولا كرور (4)، وكان لعمر الله القطب الذي عليه رحى الضلالة
تدور.
فغضب معاوية وقال: يا ابن عباس اربع على نفسك ولا تقس يومك بأمسك، هيهات ! صرح
الحق عن محضه (5)، وزلق الباطل عن دحضه، أما إذا أبيت فأنا كنت أحق بالامر من ابن
عمك.
قال ابن عباس: ولم ذاك، وعلي كان مؤمنا وكنت كافرا، وكان مهاجرا وكنت طليقا.
قال:
__________
(1) في الاصل: " شذوتنا ".
(2) في الاصل: " بنا ".
(3) صنبور: الرجل الضعيف بلا أهل ولا عقب ولا ناصر.
وكان كفار قريش يقولون: محمد صنبور، انظر اللسان وتاج العروس مادة (صنبر).
(4) الاصل: " كدور ".
(5) انظر: أبو عبيد البكري فصل المقال في شرح كتاب الامثال، تحقيق عبد المجيد
عابدين وإحسان عباس (الخرطوم 1958) ص 56.
[ * ]



(1/48)








لا، ولكني ابن عم عثمان، قال: فإن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من
ابن (1) عثمان.
قال معاوية: إن عثمان كان خيرا
من علي وأطيب.
قال ابن عباس [ 16 ب ]: كلا، علي أزكى منه وأطهر، وأعرف في ملكوت السموات وأشهر،
أتقرن يا معاوية رجلا غاب عن بدر ولم يشهد بيعة الرضوان، وفر يوم التقى الجمعان،
ابن مخنث قريش، الذي لم يسل سيفا، ولم يدفع عن نفسه ضيما، إلى قريع العرب وفارسها،
وسيف النبوة وحارسها، أكثرها علما، وأقدمها سلما، إذن قسمة ضيزى أبا عبد الرحمن.
قال معاوية: إن عثمان قتل مظلوما.
قال ابن عباس: فكان ماذا ؟ فهذا إذن أحق بها منك، قتل أبوه قبل عثمان - يعني ابن
عمر: قال معاوية: إن هذا قتله مشرك، وعثمان قتله المؤمنون.
قال ابن عباس: فذاك أضعف لقولك وأدحض لحجتك، ليس من قتله المشركون كمن نحره
المؤمنون.
فقال معاوية: ترى يا ابن عباس أن تصرف غرب لسانك وحدة نبالك إلى من دفعكم عن سلطان
النبوة وألبسكم ثوب المذلة وابتزكم سربال الكرامة وصيركم تبعا للاذناب بعد ما كنتم
عز هامات لسادات، وتدع أمية، فإن خيرها لك حاضر، وشرها عنك غائب.
قال ابن عباس: أما تيم وعدي فقد سلبونا سلطان نبينا صلى الله عليه وسلم، عدوا
علينا فظلمونا، وشفوا صدور أعداء النبوة منا، وأما بنو أمية فإنهم شتموا أحياءنا
ولعنوا موتانا، وجازوا حقوقنا، واجتمعوا على إخماد [ 17 أ ] ذكرنا، وإطفاء نورنا،
فيأبى الله لذكرنا إلا علوا، ولنورنا إلا ضياء، والله للفريقين بالمرصاد.
قال معاوية: ما نرى لكم علينا من فضل، ألسنا فروع دوحة (2) يجمعنا (3)
__________
(1) في الاصل: " ابن عثمان ".
(2) في الاصل: " درجة ".
(3) في الاصل: " تجمعنا ".
[ * ]



(1/49)








عبدمناف.
قال ابن عباس: هيهات يا معاوية ! حدت عن الصواب، وتركت الجواب، بيننا وبينكم برزخ
وحجاب، أنتم الحثالة، ونحن اللباب، ولشتان ما بين العبيد والارباب ! أتجعل أمية
كهاشم ؟ إن هاشما كان صميما كريما، ولم يكن لئيما، ولا زنيما، أول من هشم الثريد
وسن الرحلتين، وله يقول القائل (1): عمرو الذي هشم الثريد لقومه * ورجال مكة
مسنتون (2) عجاف سفرين سنهما له ولقومه * سفر الشتاء ورحلة الاصياف قال معاوية
لابن عباس: كيف رأيت صنع الله (3) بي وبأبي الحسن ؟ فقال ابن عباس: صنعا والله غير
مختل (4)، عجله إلى جنة لن تنالها، وأخرك إلى دنيا كان أزلها (5).
فقال: وإنك لتحكم على الله ؟ فقال: الله حكم بذلك على نفسه: * (من لم يحكم بما
أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * (6).
قال: أما والله لو عاش أبو عمرو عثمان حتى يراني لرأى نعم ابن العم، فقال: والله
لو عاش لعلم أنك خذلته حين كانت النصرة له، ونصرته حين [ 17 ب ] كانت النصرة لك.
قال: وما دخولك بين العصا ولحائها ؟ قال: والله ما دخولي بينهما إلا عليهما لا
لهما، فدعني مما أكره أدعك من مثله، لان تحسن فأجازي أحب إلي من أن تسئ فأكافئ، ثم
نهض (7)، فأتبعه بصره وهو يقول:
__________
(1) هو ابن الزبعري.
انظر اللسان مادة (سنت).
(2) ابن الكلبي: جمهرة النسب ق 1 ص 9.
(3) الاصل: " كيف رأيت الله صنع بي ".
انظر اليعقوبي ج 2 ص 199 - 200.
(4) في الاصل: " محيل " وما أثبتنا من تاريخ اليعقوبي.
(5) في تاريخ اليعقوبي " نالها ".
(6) سورة المائدة، الآية 48.
(7) انظر اليعقوبي ج 2 ص 199 - 200.
[ * ]



(1/50)







حصيد اللسان ذليق الكلا * م غير عيي ولا مسهب يبذ
الجياد بتقريبه * ويأوي إلى حضر ملهب أقبل معاوية يوما على بني هاشم فقال: إنكم
تريدون أن تستحقوا الخلافة بما استحققتم به النبوة، ولن يجتمعا لاحد، ولعمري إن
حجتكم في الخلافة لمشبهة على الناس، إنكم تقولون: نحن أهل نبي الله عليه السلام،
فما بال خلافة نبوته في غيرنا، فهذه شبهة لها تمويه، وإنما سميت الشبهة لانها تشبه
مسحة من العدل.
وأما الخلافة فقد تنقلت في أحياء قريش برضى العامة وبشورى الخاصة، فلم تقل الناس:
ليت بني هاشم، ولو أن بني هاشم ولوا كان خيرا لنا في ديننا ودنيانا، فلا هم
اجتمعوا عليكم، ولا هم إذا اجتمعوا على غيركم تمنوكم، ولو زهدتم فيها أمس لم تقاتلوا
عليها اليوم.
وقد زعمتم أن لكم ملكا هاشميا مهديا قائما، والمهدي [ 18 أ ] عيسى بن مريم صلوات
الله عليه، وهذا الامر في أيدينا حتى نسلمه إليه، ولعمري لئن ملكتموها ما ريح عاد
وصاعقة ثمود بأهلك للقوم منكم لهم، ثم سكت.
فتكلم ابن عباس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما قولك: نستحق الخلافة بالنبوة،
فإذا لم نستحقها

يتبع.................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار الدولة العباسية Empty
مُساهمةموضوع: تكملة   أخبار الدولة العباسية Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 12:46 pm

بالنبوة فبم إذن نستحقها ؟ وأما قولك: إن الخلافة والنبوة لا تجتمعان (1) لاحد
فأين قول الله، * (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) *
(2).
ونحن آل إبراهيم صلى الله عليه وسلم، أمر الله فينا وفيهم واحد، والسنة لنا ولهم
جارية.
وأما قولك: إن قولنا في الخلافة مشبه، فوالله لهو أضوأ من ضوء القمر، وأنور من نور
الشمس، وإنك لتعلم ذلك، ولكن تثني عطفيك
__________
(1) في الاصل: " يجتمعان ".
(2) سورة النساء، الآية 52.
[ * ]



(1/51)








وتصعر خديك، قتلنا (1) جدك وأخاك وخالك، وأسرنا قومك يوم بدر، فلا تبك على
أعظم بالية، وأرواح في النار، ولا تغضبن لدماء أحلها الشرك.
وأما قولك: الناس إن يجتمعوا علينا، فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم، وكل امرئ
إذا حصل حاصله ثبت حقه وزال باطله.
وأما قولك: إنا زعمنا أن لنا (2) ملكا هاشميا ومهديا قائما، فالزعم في كتاب الله
شك، * (زعم الذين كفروا) * (3)، ولكنا نشهد أن لنا ملكا وأنا لنا مهديا قائما يملا
الارض عدلا، لا يملكون يوما [ 18 ب ] إلا ملكنا يومين، ولا شهرا إلا ملكنا شهرين،
ولا حولا إلا ملكنا حولين.
وأما عيسى بن مريم صلوات الله عليه فإنه ينزل على الدجال، وأما ريح عاد وصاعقة
ثمود فكان ذلك عذابا، ملكنا رحمة، أزيدك أم قد كفاك، ثم أمسك.
فقال عبد الرحمن عباس بن خالد بن الوليد: كنا نقول: ابن حرب أحلم الناس * حتى تصلى
ضحى نار ابن عباس ماذا أراد إليه بعد تجربة * منه وبعد جراح ما لها آس يرجو سقاط
امرئ لم يرج سقطته * عند الخطاب له راج من الناس أنحى الشفار التي ما إن يقوم (5)
لها * لحم وفي العظم منه ضربة الفاس قد قرت العين والاقدار غالبة * لما رأيت ابن
هند ناكس الراس لا يرفع الطرف ذلا حين قرره * بالحق هذا وما بالحق من باس
__________
(1) انظر عن قتلى بني عبد شمس في بدر، كتاب أنساب الاشراف ج 1 ص 297 296.
(2) في الاصل: " لك ".
(3) سورة التغابن، آية 7.
(4) انظر جمهرة أنساب العرب ص 147.
(5) ا لاصل: " تقوم ".
[ * ]



(1/52)








الحسن بن عبد الله الوراق عن الهيثم عن ابن عباس، قال: حدثني الفضل ابن الفضل
قال: قال ابن عباس (1): بينا أنا في المسجد أريد الدخول على معاوية إذ جاء نعي
الحسن بن علي، فكبر في البيت فكبر أهل الخضراء (2)، وكبر أهل المسجد، فسمعت تكبيره
[ فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل ] (3) بن عبد مناف، امرأة معاوية، فقالت:
سرك الله يا أمير المؤمنين ! ما هذا الامر الذي كبرت له ؟ قال: مات [ 19 أ ] الحسن
بن علي، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم بكت وقالت: مات سيد المسلمين، وابن
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: والله إن قلت ذاك إنه لكذلك، ولئن بكيت عليه إنه لذلك لاهل.
قال ابن عباس: فدخلت وقد بلغني الخبر فقال: هاهنا يا ابن عباس، هل علمت أن الحسن
بن علي صلوات الله عليه [ توفي ] (4)، قلت: فلذلك كبرت ؟ قال: نعم.
قلت: أما والله لئن مات قبلك ما ذاك بالذي ينفعك بعده، وما جثته بسادة حفرتك، ولقد
أصبنا بمن كان أفضل من الحسن ابن علي، بسيد المسلمين وإمام المتقين ورسول رب
العالمين، ثم جبر الله تلك العترة (5) ورفع تلك العثرة.
فقال يا ابن عباس: ما كلمتك قط إلا وجدتك معدا.
قال عبد الله بن صالح ورفع الحديث إلى عبد الله بن عباس قال:
__________
(1) انظر الخبر كما روي في مروج الذهب ج 5 ص 8 - 9.
(2) في الاصل: " الخضراء ".
وفي مروج الذهب: " فكبر معاوية في الخضراء فكبر أهل الخضراء ".
(3) في الاصل: " بنت قرظة بنت عبد عمرو بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ".
وما أثبتناه من جمهرة النسب لابن الكلبي ق 1 ص 29، وجمهرة أنساب العرب ص 116.
(4) زيادة من مروج الذهب ج 5 ص 9.
(5) هكذا وفي مروج الذهب: " المصيبة ".
[ * ]



(1/53)








قدمت على معاوية وافدا وعنده وفود العرب، فأمر بسريره فوضع على قاعة الدار،
وأمر صاحب حرسه فقام على رأسه، وصف جند أهل الشام سماطين، ثم أذن للوفود فدخلوا
فدخلت، فأقبل علي فقال: يا ابن عباس إن بابي لكم لمفتوح، وإن خيري لكم لممنوح (1)،
فلا يغلق بابي عنكم علة، ولا يقطع خيري عنكم كلالة (2).
ترون أنكم أحق بما في يدي مني، وأنا أحق به منكم (3)، وأعطيكم العطية فتأخذونها [
19 ب ] متكارهين عليها، وتقولون أخذنا دون حقنا وقصر بنا دون قدرنا (4)، فصرت
كالمسلوب والمسلوب لاحمد له (5)، فبئست المنزلة التي نزلت (6) منكم: أعطي فلا
أشكر، وأمنع فلا أعذر، ونعم (7) المنزلة نزلتم مني: إعطاء سائلكم وانصاف قائلكم
(Cool، قل يا ابن عباس (9).
فحسر ابن عباس عن ساعديه، مغضبا، ثم
__________
(1) في أنساب الاشراف ص 296 (الرباط) ق 1 ص 740 (اسطنبول): " وذكروا أن
معاوية أقبل على بني هاشم فقال: يا بني هاشم إن خيري لكم ممنوح وبابي لكم مفتوح
"، وانظر العقد الفريد ج 4 ص 9 عن أبي عثمان الخزامي.
(2) في أنساب الاشراف: " فلا تقطعوا خيري عنكم ولا تغلقوا بابي دونكم وقد
رأيت أمري وأمركم متفاوتا "، وانظر العقد الفريد.
(3) في أنساب الاشراف: " وأنا أرى أني أحق به منكم "، وانظر العقد
الفريد.
(4) في أنساب الاشراف: " فإذا أعطيتكم العطية فيها قضاء حقوقكم، قلتم: أخذنا
دون حقنا وقصر بنا عن قدرنا ".
ونفس النص في العقد الفريد سوى كلمة " عطية " بدل " العطية "
و " حقكم " بدل " حقوقكم " و " أعطانا " بدل "
أخذنا ".
(5) في ن.
م.
: " لا يحمد على ما أخذ منه ".
(6) في ن.
م.
: " فبئست المنزلة نزلت بها منكم "، والعبارة " بئست
المنزلة..نزلتم مني " ليست في العقد الفريد.
(7) في أنساب الاشراف: " ونعمت المنزلة نزلتم بها مني ".
(Cool في العقد الفريد: " هذا مع إنصاف قائلكم وإسعاف سائلكم ".
(9) في أنساب الاشراف: " فقال عبد الله بن عباس "، وفي العقد الفريد
" قال: فأقبل عليه ابن عباس فقال ".
[ * ]



(1/54)








قال: ما فتحت لنا بابك حتى قرعناه، ولا منحتنا خيرك حتى سألناه (1)، ولئن
أغلقت دوننا بابك لنكفن أنفسنا عنك، ولئن منعتنا خيرك لله (2) أوسع لنا منك (3)،
وأما هذا المال (4) فليس لك منه إلا ما لرجل من المسلمين ولنا في كتاب الله حقان:
حق في الغنيمة، وحق في الفئ (5)، والغنيمة (6) ما غلبنا عليها (7)، والفئ ما
جبيناه (Cool، فعلى أي وجه خرج إلينا (9) أخذناه وحمدنا الله (10)، ولعمري لولا ما
لنا في هذا المال من حق، ما أتاك منا آت (11) يحمله إليك خف أو حافر (12)، أكفاك
أم أزيدك ؟ فقال معاوية: كفاني، فخرج ابن عباس.
وأنشأ ابن أبي لهب يقول (13):
__________
(1) في ن.
م.
: " والله ما منحتنا خيرك حتى طلبناه، ولا فتحت لنا بابك حتى قرعناه "
وفي العقد الفريد ج 4 ص 9 - 10 " والله ما منحتنا شيئا حتى سألناه ولا فتحت
لنا بابا حتى قرعناه ".
(2) في الاصل: " لا الله ".
(3) في أنساب الاشراف - العبارة الثانية قبل الاولى، و " قطعت عنا " محل
" منعتنا ".
ونص العقد كالبلاذري إلا أنه حذف " لنا " من " أوسع لنا منك
".
(4) يورد البلاذري العبارة " فوالله ما أحفيناك في مسألة ولا سألناك باهضة،
فاما هذا المال.." (5) في ن.
م.
" حق الغنيمة وحق الفي ".
(6) في ن.
م.
وفي العقد الفريد " فالغنيمة ".
(7) في أنساب الاشراف: " عليه ".
(Cool في ن.
م.
" اجتبيناه "، وفي العقد الفريد " اجتنيناه " والاول أدق.
(9) في أنساب الاشراف: " خرج ذلك منك ".
والعبارة " فعلى أي..حمدنا الله " ليست في رواية العقد الفريد.
(10) في أنساب الاشراف: " حمدنا الله عليه ".
(11) في ن.
م.
والعقد الفريد: " زائر ".
(12) في أنساب الاشراف والعقد الفريد: " يحمله خف ولا حافر ".
(13) في أنساب الاشراف: " حسبك يا ابن عباس فإنك تكوي ولا تعوي، فقال الفضل
بن العباس ابن عتبة بن أبي لهب " وفي العقد الفريد " قال: كفاني فإنك لا
تهر ولا تنبح "، والابيات غير مثبتة فيه.
[ * ]



(1/55)








ألا أبلغ معاوية ابن حرب * وكل الناس يعلم ما أقول (1) لنا حقان: حق الخمس جار
* وحق قد أنار به الرسول (2) فكل عطية وصلت إلينا * وإن سحبت بخدعتها (3) الذيول
ففي حكم القران لنا مزيد * على ما كان لا قال وقيل [ 20 أ ] أتأخذ حقنا وتحوز حمدا
(4) * وهذا ليس تقبله العقول أتيح لك ابن عباس مجيبا * كأن لسانه سيف صقيل (5)
سوى أن قال (6) قولا مستكينا: * كفاك.
كذلك (7) المرء الذليل فأدركه الحياء وكف عنه * وخطبهما إذا ذكرا جليل (Cool فلا تهج
(9) ابن عباس مجيبا * فإن لسانه سلس قئول قال ابن عباس: وفدت على معاوية وقد قعد
على سريره، وجمع بني أبيه ووفود العرب عنده، فدخلت، فسلمت، فقعدت، فقال: يا ابن
عباس، من الناس ؟ فقلت: نحن.
فقال: فإذا غبتم ؟ فقلت: فلا
__________
(1) في أنساب الاشراف ص 296 (الرباط) وق 1 ص 470 (اسطنبول): ألا أبلغ معاوية ابن
حرب * فإن المرء يعلم ما يقول (2) في ن.
م.
: لنا حقان حق الخمس واف * وحق الفئ جاء به الرسول (3) في ن.
م.
: " لخدعتها ".
(4) في الاصل: " تخور حمقا ": وفي أنساب الاشراف: أتأخذ حقنا وتريد حمدا
* له، هاذاك تأباه العقول (5) في الاصل: " صقول ".
والبيت في رواية أنساب الاشراف ص 297 (الرباط): فقال له ابن عباس مجيبا * فلم يدر
ابن هند ما يقول (6) كذا، ولعلها " قلت ".
(7) في الاصل كذاك، والبيت لا يستقيم معه.
(Cool هذا البيت غير مثبت في رواية أنساب الاشراف.
(9) في الاصل: " تعج "، وترد كذلك في أنساب الاشراف، مخطوطة اسطنبول،
وترد " تهج " في نسخة الرباط وفي ص 77 من هذا الكتاب.
[ * ]



(1/56)








أحد.
قال: ترى أني قعدت هذا المقعد بكم ؟ قلت: فبمن قعدت ؟ قال: بمن كان مثل حرب بن
أمية.
قلت: من كفأ عليه إناءه وأجاره برداءيه ؟
قال: فغضب معاوية، فقال: وار شخصك عني شهرا فقد أمرنا لك (1) بصلتك، وأضعفنا لك.
قال: فاتكأ ابن عباس على يديه ليقوم فقال: ألا يسألني أحد ما الذي أغضب معاوية ؟
إنه لم يلتق أحد من رؤساء قريش في عقبة ولا مضيق إلا لم يتقدمه حتى يجوزه، فالتقى
حرب بن أمية مع رجل من بني تميم في عقبة، فتقدمه التميمي فقال له حرب: أنا حرب بن
أمية، فلم يلتفت إليه وجازه، فقال: موعدك مكة.
فبقى التميمي دهرا ثم أراد دخول [ 20 ب ] مكة، فقال: من يجيرني من حرب ؟ فقالوا:
عبد المطلب.
فقال: عبد المطلب أعظم قدرا من أن يجير على حرب، فأتى ليلا دار الزبير (2) فدق
عليه الباب، فقال الزبير للغيداق (3) أخيه: قد جاءنا رجل إما طالب حاجة وإما طالب
قرى وإما مستجير وقد أعطيناه ما أراد، قال: فخرج عليه الزبير والغيداق، قال: فقال
التميمي: لاقيت حربا في الثنية مقبلا * والصبح أبلج ضوءه للساري فدعا بصوت واكتنى
ليروعني * ودعا بدعوة معلن وفخار فتركته كالكلب ينبج وحده * وأتيت قوم معالم ونجار
ليثا هزبرا يستجار بقربه * رحب المباءة (4) مكرما للجار ولقد حلفت بمكة وبزمزم *
والبيت ذي الاحجار والاستار:
__________
(1) في الاصل: " لك " مكررة.
(2) المقصود هو الزبير بن عبد المطلب.
انظر جمهرة أنساب العرب ص 12.
(3) " الغيداق " هو لقب نوفل بن عبد المطلب.
ابن الكلبي - جمهرة النسب ق 1 ص 9.
(4) في الاصل " المياه ".
[ * ]



(1/57)








أن الزبير لما بغى من خوفه * ما كبر الحجاج في الامصار
فقال: تقدم فإنا لا نتقدم من نجيره، فتقدم التميمي فدخل المسجد (1)، فرآه حرب فقام
إليه فلطمه، فحمل عليه الزبير بالسيف، فعدا حتى دخل دار عبد المطلب، فقال: أجرني
من الزبير، وكفأ عليه جفنة كان هاشم يطعم الناس فيها، فقال: اخرج، فقال: كيف أخرج
وتسعة من ولدك قد احتبوا بسيوفهم على الباب، فألقى عليه رداء كان كساه سيف بن ذي [
21 أ ] يزن له طرتان خضراوان، فخرج عليهم، فعلموا أنه قد أجاره فتفرقوا عنه.
أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب قال: أخبرني أبي وعوانة بن الحكم والشرقي (2)
القطامي قالوا: لما قدم معاوية المدينة أتاه وجوه الناس، ودخل عليه عبد الله بن
الزبير، فقال له معاوية: ألا تعجب للحسن بن علي، أنه لم يدخل (3) علي منذ قدمت
المدينة، وأنا بها منذ ثلاث، قال: يا أمير المؤمنين ! دع عنك حسنا فإن مثلك ومثله
كما قال (4): أجامل أقواما حياء وقد أرى * صدورهم تغلي علي مراضها (5) والله لو
شاء الحسن أن يضربك بمئة ألف سيف لفعل، ولاهل العراق أبر به من أم الحوار بحوارها
(6).
فقال معاوية: أتغريني به يا ابن الزبير !
__________
(1) كذا في الاصل، ولعله يريد البيت (الكعبة).
(2) الاصل: " الشرقي القطامي ".
انظر الفهرست لابن النديم (تحقيق فلوجل) ص 90.
(3) عبارة: " انه لم يدخل علي "، مثبتة في هامش الاصل.
(4) زيادة من الاغاني ج 9 ص 158، والشماخ شاعر مخضرم.
انظر ترجمته في الاغاني ج 9 ص 158 - 174.
(5) في الاصل: " مراصها " والتصويب من الاغاني.
(6) في الاصل: " الجوار بجوارها "، انظر الاغاني ج 9 ص 173.
[ * ]



(1/58)








والله لاقبلن ولاصلن قرابته (1)، فقال ابن الزبير: والله إني لمعه في حلف
الفضول، ولئن دعاني إلى نصرته لاجيبنه.
فقال معاوية: والله ما أنت وحلف الفضول، تنحر نفيا وترذل هزلا، كما قال أخو همدان:
إذا ما بعير قام حول رحله * وإن هو أبقى ألحفوه مقطعا (2) ثم إن الحسن دخل على
معاوية في اليوم الرابع فقال: أما والله إني لاعلم ما خلفك علي، أردت أن تقيم حتى
أجيز الناس وأنفض ما في يدي ثم تأتيني فإن أعطيتك [ 21 ب ] أجحفت بي، وإن لم أعطك
بخلتني قريش.
يا غلام ! احسب كل ما أعطينا أهل المدينة فمر للحسن بمثل جميعه وأنا ابن هند.
فقال الحسن: اشهدوا أني قد قبلته ووهبته الحاضرين وأنا ابن فاطمة، ثم خرج الحسن.
فارتحل معاوية، وأمر بالوفادة فوفد إليه عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر وعبد
الله بن الزبير، فاستأذنوا عليه والناس على الكراسي وهو على سريره، فرحب وأدنى،
فأجلس ابن عباس عن يمينه على سريره بينه وبين يزيد، وأجلس عبد الله بن جعفر عن
يساره، وأجلس ابن الزبير على كرسي مع الناس.
ثم إن معاوية أقبل على ابن الزبير فقال: يا ابن الزبير ! أتراني أنسيت إغراءك إياي
ببني عمي بالمدينة، أما والله ما نسيت، وإني لعارف بما أردت، فنكس ابن الزبير مليا
ثم رفع رأسه وهو يقول: نصحتك يا معاوية بن حرب * وكان جزاء نصحي أن أذما
__________
(1) في الاصل: " لاقتلن ولاصلبن قرابته "، وهو تحريف.
وانظر الاغاني ج 9 ص 173 وفيه " والله لاصلن رحمه ولاقبلن عليه ".
(2) انظر الاغاني ج 9 ص 174.
[ * ]



(1/59)








وليس جزاء ذي نصح كريم * لدى (1) أهل المكارم أن يغما فقال معاوية: يا يزيد !
أجبه، فقال يزيد: غششت فأبعدن لغش صدر * وأهل ذو النميمة أن يذما ولو يا ابن
الزبير ظللت يوما * علينا قادرا لم تبق عظما [ 22 أ ] والله يا ابن الزبير ! إنك
لتنظر إلينا الشزر وتتنفس الصعداء، كأن هذا الامر كان دوننا فغصبناكه وغلبناك
عليه، إنما كان هذا الامر لنا أولا ثم ثاب (2) إلينا آخرا، وأنت وأهل بيتك من ذلك
في عزلة لا ترتفع (3) إليكم المطامع، ولا تشير إليكم الاصابع، وأيم الله ما أراك
يدعك غيك وبغيك حتى تجشم رهقا وتصعد زلقا، ثم تهوي بك عشواء مطلخمة، عمياء مدلهمة،
فهنالك تقع الندامة، حيث لا تغني فتيلا.
فقام ابن الزبير ماثلا فقال: يا معاوية ! أجعلت جوابي إلى ابنك، لو كان ابني حاضرا
أجابه، فاسمعا معا: أما بعد، فإني أحمد الله إليكما، وأسأله العون عليكما، ثم إني
والله لارجو ربي لطول عادته عندي، وأياديه لدي، ألا أتجشم رهقا ولا أتصعد زلقا،
وكيف يخاف ذلك من يصدع بالحق ويقوم به، مع أني لست بالغر (4) الغمر وإني لكما قال
الاول: أناة وحلما وانتظارا بهم غدا * وما أنا بالواني ولا الضرع الغمر أظن صروف
الدهر بيني وبينهم * ستحملهم مني على مركب وعر
__________
(1) في الاصل: " لذا ".
(2) في الاصل: " تاب ".
(3) في الاصل: " ولا يرتفع ".
(4) في الاصل: " بالغرق والغمر ".
[ * ]



(1/60)








أما ما ذكرت من هذا الشأن أنه لكم أولا، فإنما كان لرسول الله [ 22 ب ] صلى
الله عليه وسلم لما اختصه الله برسالته واصطفاه على خلقه، دعا الناس إلى طاعته،
وكان أحب الناس إليه من أجاب وأناب، فدعانا ودعاكم، فأجبنا وأبيتم، وأتينا وكرهتم،
وسمعنا وصممتم، وأطعنا وعصيتم، وأسلمنا وكفرتم، كل ذلك نحن في حزبه وأنتم في حربه،
فأنا أولى به منك، لان الله تعالى يقول: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه)
* (1).
ولي بعد هذا ما ليس لك، إن عمتي خديجة زوجته وأم ولده، وإن عائشة أم المؤمنين
خالتي، وإن جدتي صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا لي دونك.
وأما قولك - إنه ثاب (2) إليكم آخرا، فقد لعمري كان ذلك كذلك بطغامك، وإقدامك على
غير مشورة من المسلمين، ولا اجتماع من المهاجرين، فبهم غلبتم وتأمرتم واستكبرتم
واستأثرتم، فلا أنتم انصفتمونا، ولاهم نصرونا، فهنالك يا يزيد رأيت النظر الشزر،
وسمعت تنفس الصعداء، فلا تعجب يا بني فإنك لم تر عجبا، وستراه إن بقيت إن شاء
الله.
فقال يزيد: ألا تراه يا أمير المؤمنين يوعدنا في وجوهنا ! فقال معاوية: عزمة مني
عليك لما صمت، إن الحلم عز، والجهل ذل، فمن حلم ظفر، ومن جهل خسر، فالزم الطريق،
ودع [ 23 أ ] المضيق، يك ذلك خيرا لك في دنياك وآخرتك إن شاء الله.
ثم أقبل على ابن عباس فقال: ألا ترى ما يجئ به هذا ؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ابن
عمك، إن أحسن فاقبل، وإن أساء فأجمل، وكن في ذلك كما قال الاول: عودت كندة عادة
فاصبر لها * احلم لجاهلها ورو سجالها
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 68.
(2) في الاصل: " تاب ".
[ * ]



(1/61)








فقال معاوية: يا ابن عباس ! طول حلمي جرأه علي، فأنت الحاكم بيني وبينه.
فقال ابن عباس: إني لاحب أن تعفيني من هذه الحكومة، فقال: والله لتفعلن.
فقال ابن عباس: أما إذا أبيت إلا أن أفعل فسأفعل، وما توفيقي إلا بالله، أراكما
جميعا إنما احتججتما برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أحق بحق رسول الله صلى
الله عليه وسلم منكما، لاني ابن عمه دونكما، وأنا المظلوم فيما بينكما.
فالتفت معاوية إلى ابن جعفر فقال: أما تسمع لما يجئ به هؤلاء منذ اليوم ؟ فقال ابن
جعفر: إن حلمك يأتي من وراء ذلك.
فقال معاوية: صدق فوك.
وقطعوا الحديث وأخذوا في غيره.
أبو المنذر عن عوانة عن موسى بن عبد الملك أن معاوية بينا هو في مجلسه، وقد حضره
رجال من قريش منهم عبد الله بن عباس وغيره من بني هاشم، فأقبل معاوية على القوم
فقال: يا بني هاشم ! لم تفخرون علينا ؟ أليس الاب [ 23 ب ] واحدا والام واحدة
والدار واحدة ؟ فقال ابن عباس: نفخر عليك بما أصبحت تفخر به على سائر قريش، وتفخر
به قريش على الانصار، وتفخر به الانصار على العرب، وتفخر به العرب على العجم،
برسول الله صلى الله عليه وسلم، بما لا تستطيع له انكارا ولا منه فرارا.
فقال: يا ابن عباس ! لقد أعطيت لسانا ذربا (1)، تكاد تغلب بباطلك حق سواك.
فقال ابن عباس: إن الباطل لا يغلب الحق، فدع عنك الحسد فبئس شعار الحسد.
فقال معاوية: صدقت، أما والله إني لاحبك لاربع مع مغفرتي لك أربعا،
فأما التي أحبك لهن: فقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، و [ الثانية ] (2) أنك
من أسرتي وأهل بيتي من بني عبد مناف، والثالثة أنك
__________
(1) في الاصل " درب "، والذرب: السليط.
(2) زيادة من كتاب التاريخ ص 240 ب.
[ * ]



(1/62)








لسان قريش وزعيمها، والرابعة أن أباك كان خلا لابي، والتي غفرتها لك: عدوك علي
بصفين فيمن عدا، وخذلان (1) عثمان، وسعيك على عائشة فيمن سعى، ونفيك أخي زيادا عني
فيمن نفي (2)، فضربت أنف هذا الامر وعينه حتى استخرجت مقتك (3) من كتاب الله عزوجل
ومن قول الشاعر، فأما (4) ما وافق قول الشعر فقول أخي ذبيان: ولست بمستبق أخا لا
تلمه * على شعث أي الرجال المهذب [ 24 أ ] وقد قبلنا منك الاول وغفرنا لك الآخر،
وكنا في ذلك كما قال الاول: سأقبل ممن [ قد ] (5) أحب جميله * وأعفو له ما كان من
غير ذلك فقال ابن عباس: الحمدلله الذي أمر بحمده، ووعد عليه ثوابه، أحمده كثيرا
كما أنعم علينا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
أما بعد، فإنك ذكرت أنك تحبني لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك
الواجب عليك وعلى كل من آمن برسول (6) الله صلى الله عليه وسلم، لانه الاجر الذي
سألكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما أتاكم من الضياء (7) والبرهان المنير،
__________
(1) في كتاب التاريخ ص 240 ب: " وخذلانك ".
(2) في الاصل: " بقي "، والتصويب من كتاب التاريخ.
(3) ضبطت هذه الكلمة كما جاءت في كتاب التاريخ، والمقة: الود.
(4) في كتاب التاريخ ص 240 ب " أما القرآن فقوله تعالى "، وبعد تعالى،
بياض.
(5) زيادة من كتاب التاريخ ص 240 ب.
(6) في كتاب التاريخ " وعلى كل من آمن بالله وبه..".
(7) في كتاب التاريخ: " النور والبرهان ".
[ * ]



(1/63)








فقال: * (قل لاأسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (1) فمن لم يحب (2)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خاب وخزي وكبا وهوى وحل محل الاشقياء.
وأما قولك: إني من أسرتك وأهل بيتك فهو كذلك وإنما أردت صلة الرحم وهو من فعل
الابرار المصطفين الاخيار، ولعمري إنك لوصول لرحمك مع ما كان منك فيما لا تثريب
عليك فيه اليوم.
وأما قولك: إني لسان قريش، فإني لم أعط من ذلك أمرا لم تعطه ولكنك قلت فيه لشرفك
وفضلك، وقد قال الاول: [ 24 ب ] وكل كريم للكريم مفضل * يراه له أهلا وإن كان
أفضلا وأما قولك: إن أبي كان خلا لابيك فقد كان كذلك، وقد علمت ما كان من أبي إليه
يوم الفتح، وكان شاكرا كريما.
وقد قال في ذلك الاول: سأحفظ من آخى أبي في حياته * وأحفظه من بعده في الاقارب (3)
ولست بمن لا يحفظ العهد واثقا * ولا لي (4) عند النائبات بصاحب وأما قولك في عدوي
عليك بصفين، فوالله إن لو لم أفعل ذلك لكنت من شر العالمين، أكانت نفسك تحدثك أني
كنت أخذل ابن عمي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقد حشد له المهاجرون والانصار ؟ لم
يا معاوية، أضنا
بنفسي أم شكا في ديني أم جبنا عن سجيتي ؟ والله لو فعلت ذلك لاختتأته
__________
(1) سورة الشورى، الآية 23.
(2) في كتاب التاريخ ص 241: " فمن لم يحبنا فقد خاب وحل محل الاشقياء ".
(3) في كتاب التاريخ ص 241 أ: " للاقارب ".
(4) في الاصل: " له "، والتصويب من كتاب التاريخ.
[ * ]



(1/64)








في (1) وإن كنت قد عاتبتني عليه.
وأما قولك في خذلان عثمان، فقد خذله من هو أمس به رحما، وأبعد رحما مني، فلي في
الاقربين والابعدين أسوة، ولم أعد عليه مع من عدا، بل كففت عنه كما كف أهل الحجاز.
وأما قولك في عائشة فإن الله أمرها أن تحتجب بسترها وتقر في بيتها، فلما عصت ربها،
وخالفت نبيها، صنعنا ما كان منا إليها.
وأما قولك في نفيي أخاك [ زيادا ] (2) [ 25 أ ] فإني لم أنفه بل نفاه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقوله: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وإني من بعد هذا (3) لاحب
ما يسرك في جميع أمرك.
فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين ! لا يخدعنك بلسانه فوالله ما أحبك طرفة عين
قط، وإنه لكما قال الاول: قد كنت حلما في الحياة مرزءا * وقد كنت لباس الرجال على
غمر فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين ! إن عمرا قد دخل بين العظم واللحم، وبين
العصا واللحا، وقد قال فليسمع، وقد وافق قرنا.
يا عمرو ! إني والله ما أصبحت معتذرا إلى أحد من أن أكون شانيا لك قاليا، لان الله
قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (إن شانئك هو الابتر) * (4)، فأنت الابتر من
الدين والدنيا، وأنت شانئ محمد وآل محمد في الجاهلية والاسلام، ووجدت الله يقول: *
(لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * (5)،
__________
(1) في الاصل: " لاحتبأته في "، وفي كتاب التاريخ ص 241 أ - ب: "
والله إن لو فعلت ذلك لاختبأته في، وعاتبتني عليه ".
واختتأ: خاف أن يعاب أو يسب.
(2) زيادة من كتاب التاريخ ص 241 ب.
(3) في كتاب التاريخ ص 241 ب: " هذه ".
(4) سورة الكوثر، الآية 3.
(5) سورة المجادلة، الآية 22.
[ * ]



(1/65)








فإنك والله لقد حاددت الله ورسوله، ولقد جهدت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم بجهدك، وأجلبت عليه بخيلك ورجلك، حتى غلبك الله على أمرك، وأوهن قوتك ورد
كيدك في نحرك، ثم عدت لعداوة أهل بيته من بعده، ليس بك في ذلك حب معاوية ولا آل
معاوية إلا العداوة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، بالحسد القديم [ 25 ب ]
لابناء عبد مناف، والبغض لهم، وإنك وإياهم لكما قال الاول: تعرض لي عمرو وعمرو
خزاية * تعرض ضبع القفر للاسد الورد فما هو لي ندا فأشتم عرضه * ولا هو لي عبد
فأبطش بالعبد فقال عمرو: اي والله.
فقال معاوية: إنك لست من رجاله، فإن شئت فقل، وإن كرهت فدع.
قال: كتب هرقل (1) إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله عن الشئ، وعن لا شئ، وعن دين لا
يقبل الله غيره، وعن مفتاح الصلاة، وعن غرس الجنة، وعن صلاة كل شئ، وعن أربعة فيهم
الروح لم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وعن رجل لا أب له، وعن رجل لا قوم
له، وعن قبر جرى بصاحبه، وعن قوس قزح، وعن بقعة طلعت عليها
الشمس مرة لم تطلع عليها قبلها ولا بعدها، وعن ظاعن (2) لم يظعن (2) قبلها ولا
بعدها، وعن شجرة نبتت من غير ماء، وعن شئ يتنفس لا روح فيه، وعن اليوم وأمس وغد
وبعد غد ما أجزاؤها في الكلام، وعن الرق والرعد وصوته، وعن المجرة، وعن محو القمر.
فقيل لمعاوية: لست هناك، وإنك متى تخطئ شيئا في كتابه يغتمز (3) فيك، فاكتب إلى
ابن عباس، فكتب إليه
__________
(1) انظر رواية أخرى لهذا الخبر في العقد الفريد ج 2 ص 201 - 202.
(2) في الاصل: بالطاء المهملة.
(3) في الاصل: " يغتمر ".
[ * ]



(1/66)








بهن.
فأجابه ابن عباس: أما الشئ فالماء، قال الله عز وجل: * (وجعلنا من الماء كل شئ حي
أفلا يؤمنون) * (1)، وأما لا شئ فالدنيا تبيد وتفنى، وأما [ 26 أ ] الدين الذي لا
يقبل الله غيره من أحد فهو: " لا إله إلا الله "، وأما مفتاح الصلاة:
" فالله أكبر "، وأما غرس الجنة: " فلا حول ولا قوة إلا بالله
"، وأما صلاة كل شئ: " فسبحان الله وبحمده "، وأما الاربعة الذين
فيهم الروح لم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء: فآدم وحواء وعصا موسى والكبش
الذي فدى الله به إسماعيل، وأما الرجل الذي لا أب له: فعيسى بن مريم، وأما الرجل
الذي لا قوم له: فآدم، وأما القبر الذي جرى بصاحبه: فالحوت حيث سار بيونس في
البحر، وأما قوس قزح: فأمان الله لعباده من الغرق، وأما البقعة التي طلعت عليها
الشمس مرة لم تطلع عليها قبلها ولا بعدها: فالبحر حيث انفلق لبني إسرائيل، وأما
الظاعن (2) الذي ظعن مرة لم يظعن قبلها ولا بعدها: فجبل طور سيناء، كان بينه وبين
الارض المقدسة أربع ليال، فلما عصت بنو إسرائيل أطاره الله بجناحين
من نور فيه ألوان العذاب فأظله عليهم وناداهم مناد: إن قبلتم التوراة كشفته عنكم
وإلا ألقيته عليكم، فأخذوا التوراة معتذرين، فرده الله إلى موضعه، فذلك قوله عز
وجل: * (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم) * (3) إلى آخر الآية،
وأما الشجرة التي نبتت من غير [ 26 ب ] ماء: فاليقطينة التي نبتت على يونس، وأما
الشئ الذي يتنفس ليس فيه روح " فالصبح إذا تنفس "، وأما اليوم فعمل وغدا
أجل وبعد غد أمل، وأما الرق: فمخاريق بأيدي الملائكة تضرب بها السحاب، وأما الرعد:
__________
(1) سورة الانبياء، الآية 30.
(2) في الاصل: بالطاء.
(3) سورة الاعراف، الآية 171.
[ * ]



(1/67)








فاسم الملك الذي يسوق السحاب وصوته زجره، وأما المجرة: فأبواب السماء، ومنها
يفتح الله الابواب، وأما المحو الذي في القمر، فقول الله جل وعز: * (وجعلنا الليل
والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) * (1)، ولولا ذلك المحو
لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل.
قال: فبعث بها معاوية إلى قيصر، وكتب إليه بجواب كتابه، فقال قيصر: ما يعلم هذا
إلا نبي أو رجل من أهل بيت نبي.
قال: قال معاوية ذات يوم وعنده ابن عباس: يا أبا العباس إنه قد ضربتني أمواج
القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك، قال: وما هما ؟ قال: قوله *
(وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) * (2)، فقلت: سبحان الله أيظن نبي
الله ألا يقدر عليه وأنه يفوته إذا أراده، ما يظن هذا مؤمن، وقوله: * (حتى إذا
استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) * (3)، فقلت: سبحان
الله كيف هذا ؟ أن ييأس الرسل من نصر الله [ 27 أ ] ويظنون أنهم قد كذبهم ما
وعدهم، إن هاتين الآيتين لهما خبر من التأويل لا يعلمه أحد.
فقال ابن عباس: أما يونس فظن أن تبلغ خطيئته أن يقدر الله بها العذاب عليه فلم يشك
أن الله إذا أراده قدر عليه، فهو قول الله عز وجل * (فظن أن لن نقدر عليه) *.
وأما قوله حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنوا أن من أعطاهم الرضا في
العلانية قد كذبهم في السر وذلك لطول البلاء عليهم، ولم يستيئس الرسل من نصر، ولم
يظنوا أنه قد كذبهم ما وعدهم.
فقال معاوية: فرجت الكرب عني فرج الله عنك.
فقال ابن عباس: فإن رجلا قام من عندي قرأ علي قول الله عز وجل * (ويسألونك عن
المحيض قل هو أذى
__________
(1) سورة الاسراء، الآية 12.
(2) سورة الانبياء، الآية 87.
(3) سورة يوسف، الآية 110.
[ * ]



(1/68)








فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن (يعني يتوضأن) (1) (2)
فأتوهن من حيث أمركم الله) * (3)، فقلت له: إن دنت بهذا التأويل كفرت إنما عنى
الله حتى يطهرن من الدم فإذا تطهرن، يعني بالماء، فأتوهن من حيث أمركم الله طاهرات
غير حيض.
فقال معاوية: إن قريشا تغتبط بك، لا بل جميع العرب، لا بل أمة محمد صلى الله عليه
وسلم، ولولا خفتك مع علي لعطفتني عليك العواطف.
فقال في ذلك أيمن بن خريم الاسدي (4) وكان شاعر بني أسد: [ 27 ب ] ما كان يعلم هذا
العلم من أحد * بعد النبي سوى الحبر ابن عباس يستنبط العلم غضا من معادنه * هذا
اليقين وما بالحق من باس
دينوا بقول ابن عباس وحكمته * إن المنافي منكم عالم الناس كالقطب قطب الرحا في كل
حادثة * ام اللحام فمنه موضع الفاس منذا يفرج عنكم كل معضلة * إن صار رمسا مقيما
بين أرماس قال (5): استأذن ابن عباس على معاوية فأذن له، فلما بصر به قال لسعيد
ابن العاص: لاسألن ابن عباس عن مسائل يعيا بها، وقد اختلفت فيها (6) بطون
__________
(1) في الاصل: " توضأن ".
(2) لم ترد في النص.
(3) سورة البقرة، الآية 222.
(4) أيمن بن خريم بن فاتك الاسدي.
انظر ترجمته في الشعر والشعراء (دار الثقافة - بيروت 1964) ج 2 ص 453، والاغاني
(دار الثقافة) ج 20 ص 269.
(5) روى المسعودي هذا الخبر في مروج الذهب ج 3 ص 121 - 125 وبين الروايتين اختلاف
في كثير من الالفاظ والتعابير.
(6) في الاصل: " فيه ".
[ * ]



(1/69)








قريش وأشراف العرب.
فقال سعيد: مهلا يا أمير المؤمنين ! فليس ابن عباس يعيا بمسائلك.
فلما جلس قال له معاوية: يا ابن عباس ! ما تقول في أبي بكر ؟ [ قال ] (1): كان
والله للقرآن تاليا، وللشر قاليا، وعن المين نابيا، وعن المنكر ناهيا، وعن الفحشاء
ساهيا، وبدين (2) الله عارفا، ومن الله خائفا، وعن الموبقات صادقا، وعن المحارم
جانفا (3)، فيخال (4) قلبه الدهر واجفا وبالليل قائما، وبالنهار صائما، ومن دنياه
سالما، وعلى عدل البرية عازما، وفي كل الامور جازما، وبالمعروف آمرا، وعليه صابرا،
وعن المهلكات (5) زاجرا، وبنور الله ناظرا، ولنفسه في المصالح قاهرا، [ 28 أ ] فاق
أصحابه ورعا وكفافا، وقناعة وعفافا، وسادهم زهدا وأمانة (6)، وبرا وحياطة، فأعقب
الله من طعن فيه الشقاق إلى يوم التلاق (7).
قال: فما تقول في عمر ؟ قال: رحم الله أبا حفص، كان والله حليف الاسلام، وأبا (Cool
الايتام، ومحل الايمان، ومنتهى الاحسان، وملاذ (9) الضعفاء ومعقل الحنفاء، وكان
للحق حصنا، وللناس عونا، قام بأمر (10) الله صابرا
__________
(1) في الاصل بياض وما أثبتا من مروج الذهب وقد جاء فيه: " قال: رحم الله أبا
بكر ".
(2) في مروج الذهب: " وبذنبه عارفا ".
(3) في الاصل " جايفا ".
(4) في الاصل: " فيحال ".
(5) في مروج الذهب: " ومن الشبهات ".
(6) في مروج الذهب ج 5 ص 121 " وعفافا ".
(7) ن.
م.
" فغضب الله على من أبغضه وطعن عليه ".
(Cool في الاصل: " أب "، وفي مروج الذهب ج 5 ص 122 " مأوى ".
(9) في مروج الذهب " وكهف ".
(10) ن.
م.
" بحق ".
[ * ]



(1/70)







محتسبا، حتى أظهر الله الدين، وفتح الديار (1)، وذكر
الله في الاقطار والمنازل، وفي الضواحي والبقاع، وعلى التلال واليفاع، عند نقض (2)
الحبى وقورا، ولله في الرخاء والشدة شكورا، وله في كل وقت وأوان ذكورا، فأعقب الله
من (3) تنقصه الندامة (4) إلى يوم القيامة (5).
قال: فما تقول في عثمان ؟ قال: رحم الله أبا عمرو، كان والله أكرم الحفدة، وأفضل
البررة، هجادا بالاسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، دائم التذكرة فيما يعنيه
بالليل
والنهار، نهاضا إلى كل مكرمة (6)، سعاء إلى كل منجية، فرارا (7) من كل موبقة، حييا
(Cool، وقتل (9) أبيا، صاحب جيش العسرة وختن النبي، فأعقب الله من ثلبه اللعائن إلى
يوم التغابن (10).
قال: فما تقول في علي ؟ قال: رحم الله أبا الحسن، كان والله علم [ 28 ب ] الهدى،
وكهف التقى، وبحر الندى، ومأوى الورى، وطود النهى، ونور اللسفر في ظلم الدجى،
وداعيا إلى المحجة العظمى، ومستمسكا بالعروة الوثقى، وطاعنا إلى الغاية القصوى،
وعالما بما في الصحف الاولى، عاملا بطاعة الله الملك الاعلى، عالما بالتأويل
والذكرى، ومتعلقا بأسباب الهدى، وجانفا عن طرقات الردى، وساميا إلى المجد والعلى،
وقائما بالدين والتقوى، وتاركا للجور
__________






(1) ن.
م.
" حتى أوضح الدين وفتح البلاد ".
(2) في الاصل: " نقض الجبى إ ".
(3) مروج الذهب " على من ".
(4) ن.
م.
" اللعنة ".
(5) ن.
م.
" الدين ".
(6) ن.
م.
" سباقا إلى كل منحة ".
(7) في الاصل: " هدارا ".
(Cool زيادة وفي مروج الذهب " حييا أبيا وفيا ".
(9) عين الفعل في الاصل مهملة.
(10) في مروج الذهب " فأعقب الله على من يلعنه لعنة للاعنين إلى يوم الدين
".
[ * ]



يتبع........................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 462
تاريخ التسجيل : 19/02/2010

أخبار الدولة العباسية Empty
مُساهمةموضوع: تكملة   أخبار الدولة العباسية Icon_minitimeالأربعاء فبراير 24, 2010 12:51 pm

والاذى، وخير من آمن واتقى، وسيد من تقمص وارتدى، وأكرم من أخبت وسعى، وأفضل
من صام وصلى، وأخطب أهل الدنيا، وأفصح
من شهد النجوى، سوى النبي المصطفى، صاحب القبلتين فهل يساويه من بشر ؟ وأبو السبطين
فهل يوازيه أحد ؟ وزوج خير النسوان فهل يفوقه مخلوق ؟ كان والله للاشداء قتالا،
ولهم في الحروب ختالا، وفي الهزاهز شغالا، لم تر عين مثله، ولا ترى إلى يوم
القيامة، فعلى من تنقصه لعنة الله والعباد، إلى يوم التناد.
قال: فما تقول في طلحة والزبير ؟ قال: رحمهما الله، كانا والله عفيفين، مسلمين،
خيرين، برين، صادقين، فاضلين، طاهرين مطهرين، شهيدين، عالمين بالله زلا زلة والله
غافر ذلك لهما، [ 29 أ ] للنصرة القديمة، والصحبة الكريمة، والافعال الجميلة،
فأعقب الله من نالهما بسوء اللعنة، إلى يوم الحسرة.
قال: فما تقول في العباس ؟ قال: رحم الله أبا الفضل، كان والله صنو أبي رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقرة عين صفي الله، سيد الاعمام، ولهميم الاقوام، حوى أخلاق
آبائه، وأحلام أجداده الامجاد، له علم بالامور، قد زانه حلم، ونظر في العواقب وقد
سدده فهم، كان دائبا يكتسب بسالة كل مهذب صنديد، ويجتنب مخالفة (1) كل رعديد،
تلاشت الاحساب دون فخر عشيرته، وتباعدت الانساب عند ذكر فضيلته، صاحب البيت
والسقاية، والمشعر والعلامة، ولم لا يكون كذلك، وقد ساسه أكرم من هب ودب، عبد
المطلب، وأكرم من مشى وركب.
قال: فقام إليه سراقة فقال: يا ابن عباس بم سميت قريش قريشا ؟ قال: سألت عن علم
مخزون، وأدب مكنون، إنما سميت قريش قريشا: إن في البحر حوتا يسمى قريشا يأكل
الحيتان
__________
(1) في الاصل: " مخالفة " وهو تحريف.
[ * ]



(1/72)








ولا يؤكل، ويعلوها ولا يعلى، فلذلك سميت قريش قريشا، ألم تسمع
قول الشاعر: إن قريشا هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا (1) سلطت بالعلو في
لجة البح * ر على ساكن البحور جيوشا [ 29 ب ] يأكل الغث والسمين ولا يت * رك فيها
لذي الجناحين ريشا هكذا في البلاد حي قريش * يأكلون البلاد أكلا كشيشا ولهم آخر
الزمان نبي * يكثر القتل فيهم والحموشا يملا الارض خيله ورجال * يحسرون المطي حسرا
كميشا فقال معاوية: أشهد أنك كلماني قومك.
فلما خرج ابن عباس قال معاوية لسعيد: ما كلمته قط إلا رأيته مستعدا.
قال: لما قدم معاوية المدينة في أول مقدمه تلقاه الناس ولم يأته ابن عباس، فلما
دخل المسجد ومعه عمرو بن العاص، نظر إلى ابن عباس في ناحية المسجد، وابن عمر قريب
منه، فقال معاوية لعمرو: ألا تحرك ابن عباس ؟ قال عمرو: لا يا أمير المؤمنين، فإنه
من قوم لم يفضحهم الله قط بألسنتهم، قال: علي ذاك، قال: أنت أعلم.
فأقبل معاوية مع عمرو حتى وقفا على ابن عباس، فقال معاوية: يا ابن عباس ! ما منعك
أن تلقاني مع نظرائك من بني أبيك ؟ قال: لم يقض ذلك.
قال: فلعل الذي كان بيني وبين ابن عمك منعك.
قال: هو ذاك.
قال معاوية: فإن الله قد نصرني عليه لما علم من نيتي.
قال: وما علم من نيتك يا معاوية، أن آمن وكفرت، ونصر وخذلت، وقام وقعدت ؟ قال: لا،
ولكني لطلبي [ 30 أ ] بدم عثمان،
__________
(1) ورد البيت في لسان العرب، مادة (قرش): وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش
قريشا [ * ]



(1/73)








وقال الله عزوجل * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * (1).
قال: أفبدم عثمان استحققت الخلافة ؟ قال: نعم.
قال ابن عباس: قد قتل أبو هذا - يعني ابن عمر - وهو خير من صاحبك، وهذا خير منك،
فهو أحق بالخلافة.
قال: أبو هذا قتله الكافرون، وإن صاحبي قتله المؤمنون.
قال: فذاك والله أدحض لحجتك، وأقل لعذرك.
فانصرف وكأنه خاصي حمار.
قال (2): أقبل معاوية يوما على بني هاشم، فقال: ألا تحدثوني عن ادعائكم الخلافة من
دون قريش، بم (3) تكون لكم ؟ أبالرضا والجماعة عليكم دون القرابة، أم للقرابة (4)
دون الجماعة والرضا، أم بهما جميعا ؟ (5) فإن كان هذا الامر بالجماعة والرضا دون
القرابة، فلا أرى القرابة (6) أثبتت حقا ولا ثبتت (7) ملكا.
وإن كان بالقرابة دون الجماعة [ والرضا ] (Cool، فما منع العباس وهو عم النبي صلى
الله عليه وسلم، ووارثه، وساقي الحجيج وضامن الايتام أن يطلبها وقد ضمن (9) له أبو
سفيان بني (10) عبد مناف ؟ وإن كانت الخلافة
__________
(1) سورة الاسراء، الآية 33.
(2) يروي ابن قتيبة هذا الخبر في كتابه عيون الاخبار (ط.
دار الكتب) ج 1 ص 5 - 6، عن الهيثم عن ابن عياش عن الشعبي، وبين الروايتين اختلاف
في كثير من الالفاظ نشير إلى بعضه هنا.
(3) في الاصل: " لم " وما أثبتنا رواية عيون الاخبار.
(4) في عيون الاخبار: " بالقرابة ".
(5) في ن.
م.
" أبالرضا بكم ام بالاجتماع عليكم دون القرابة، أم بالقرابة دون الجماعة، أم
بهما جميعا ؟ ".
(6) في الاصل: " للقرابة ".
(7) في عيون الاخبار: " أسست ".
(Cool زيادة من عيون الاخبار.
(9) في الاصل: " ظن " وهو تحريف.
(10) في الاصل: " ابن ".
[ * ]



(1/74)








بالجماعة والرضا والقرابة جميعا، فإن القرابة خصلة من خصال الامامة [ لا تكون
الامامة ] (1) بها وحدها وأنتم تدعونها بها (2)، ولكنا نقول: أحق قريش من بسط
الناس إليه أيديهم، ونقلوا إليه [ 30 ب ] أقدامهم للرغبة، وطارت أهواؤهم إليه
للثقة، أو قاتل عليها بحقها فأدركها من وجهها، إن أمركم لامر تضيق به الصدور، إذا
سئلتم عمن اجتمع عليه الناس من غيركم قلتم اجتمعوا على حق، وإن (3) كانوا على الحق
فقد أخرجكم الحق من دعواكم، انظروا فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم (4)، وإن
كانوا أخذوا حقهم فسلموا لهم، فإنه لا يسعكم (5) إن تروا لانفسكم ما لا تراه الناس
لكم.
فتكلم ابن عباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ندعي هذا الامر بحق من لولا حقه لم
تقعد أنت مقعدك هذا، ونقول (6): كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا علينا حقا
ضيعوه (7)، وحظا حرموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل فضلوه (Cool، ولكل (9) ذي فضل حظه من
ارتفاع درجته وقرب وسيلته.
فأما الذي منعنا (10)
__________
(1) زيادة من عيون الاخبار.
(2) في ن.
م.
" بها وحدها ".
(3) في رواية عيون الاخبار: " فان ".
(4) في الاصل: " فظلموكم "، وما أثبتنا رواية عيون الاخبار.
(5) في عيون الاخبار: " لا ينفعكم ".
(6) في الاصل " يقول " وما أثبتنا رواية عيون الاخبار.
(7) في الاصل: " ضيعتموه " وما أثبتنا رواية عيون الاخبار.
(Cool في الاصل " فضله ".
وفي عيون الاخبار " وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطئ الورد والصدور ".
(9) عبارة " ولكل ذي فضل..وسيلته " لاترد في عيون الاخبار، ويرد محلها
" لا ينقص فضل ذي فضل فضل غيره عليه.
قال الله عز وجل: ويؤت كل ذي فضل فضله ".
(10) في الاصل: " يمنعنا "، وما أثبتنا رواية عيون الاخبار.
[ * ]



(1/75)








من طلب هذا الامر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعهد من رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلينا قبلناه بقبوله (1)، ودنا بتأويله، ولو أردنا (2) أن نأخذه
على الوجه الذي نهانا عنه [ لاخذناه ] (3) أو (4) أعذرنا فيه، وما (5) زدنا على أن
أعفينا الناس من حقنا حين التووا علينا، فلا يعاب أحد بترك حقه، إنما يعاب [ 31 أ
] بطلب ما ليس له (6).
وأما أبو سفيان فأراد (7)، ولو طلبنا هذا الامر لاستعنا به، وكل صواب نافع، ورد
خطأ غير ضائر (Cool، انتهت القضية إلى داود وسليمان فحصر عليها (9) داود وفهمها
سليمان، فنفعت سليمان ولم تضر داود (10)، فأما القرابة فقد (11) نفعت المشرك وهي
للمؤمن أنفع (12)، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب: قل: لا إله
إلا الله
__________
(1) في عيون الاخبار: " قبلنا فيه قوله ".
(2) في عيون الاخبار، " ولو أمرنا ".
(3) زيادة من عيون الاخبار.
(4) في الاصل " و "، وما أثبتنا رواية عيون الاخبار.
(5) عبارة: " ما زدنا..التووا علينا " لا ترد في عيون الاخبار.
(6) في عيون الاخبار: " إنما المعيب من يطلب ما ليس له ".
(7) عبارة " وأما أبو سفيان..لاستعنا به " لا ترد في عيون الاخبار.
(Cool في الاصل: " ضراب " والتصويب من عيون الاخبار، ونصه كل صواب نافع
وليس كل خطا ضارا.
(9) في الاصل عليهما، وفي عيون الاخبار: " فلم يفهمها داود "، وحصر
عليها أي أعيا في حل المشكلة.
(10) في عيون الاخبار: " وفهمها سليمان ولم يضر داود ".
(11) في الاصل: " قد " والتصويب من عيون الاخبار.
(12) في عيون الاخبار إضافة هنا، إذا يروى " قال رسول الله (ص) أنت عمي وصنو
أبي، ومن أبغض العباس فقد أبغضني وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوتي آخر النبوة، وقال
لابي طالب عند موته: يا عم قل..".
[ * ]



(1/76)








أشفع لك بها يوم القيامة، ولم (1) يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول إلا
ما يكون منه على علم، وليس ذلك لاحد من الناس لان الله يقول * (وليست التوبة للذين
يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن، ولا الذين يموتون وهم
كفار) * (2)..إلى آخر الآية، ثم سكت، فقال بواس (3) بن شبيب الفزاري وكان من وجوه
قيس عيلان: معاوي قد منيت بذي مطال * عظيم القدر يحمل ما يقول رمى فاصاب مقتلك ابن
هند * ومرمي ابن عباس قتيل ويثني بعد أسهمه بوطئ * منافي ووطؤهم ثقيل جهلت جوابه
فيكون عذرا * يقال له من الجهل الجهول ألم تعلم بأن له جوابا * ثقيلا لا ينوء به
الفيول [ 31 ب ] وعلما تقصر العلياء عنه * يخال به إذا فاض السيول
فلو خفت الجواب كففت عنه * وهذا ما تضمنه العقول نجوت ولم يكن (4) بين المخازي *
وبين ظهورها إلا قليل فأولى ثم أولى ثم أولى * ثلاثا إن أمركم جليل فلا تهج ابن
عباس مجيبا * فإن لسانه سيف صقيل (5) قال: وفد معاوية (6) بن عبد الله بن جعفر
وعبد الله بن العباس على
__________
(1) عبارة " ولم يكن رسول الله..على علم " ليست في عيون الاخبار.
(2) سورة النساء، الآية 18.
هنا تنتهي رواية عيون الاخبار.
(3) كذا في الاصل.
(4) في الاصل: تكن.
(5) انظر ص 56 من هذا الكتاب.
(6) انظر في شرح نهج البلاغة ج 6 ص 295 ملاحاة بين معاوية وعبد الله بن جعفر.
[ * ]



(1/77)








معاوية ابن أبي سفيان، وكان معاوية بن عبد الله حدثا، فلما دخلا عليه رحب
بهما، وقرب مجلسهما، فأقاما عنده، وهذا بعد وفاة الحسن بن علي.
قال: فدخلا عليه ذات يوم وعنده عمرو بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الرحمن ابن أبي
الحكم، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، ورجالات من بني أمية ووجوه أهل الشام.
فلما أخذا مجلسهما، وقد كان معاوية قال لهم: دونكم هذا الغلام فهجنوه فإنه حدث
وليس يعرف عيوبكم ومساوئكم، وابن عباس فإنه سينصر ابن عمه، ولكنكم إذا خجلتم صاحبه
انكسر (1) عنكم.
فجمع لهم الناس رجاء أن يكون أشد لانكساره وأسرع لخجله، فلما أخذ القوم مجالسهم،
قال عمرو: من الفتى [ 32 أ ] يا أمير المؤمنين ؟ قال: معاوية بن عبد الله بن جعفر
الطيار.
فقال عمرو: تناسلت والله بنو عبد
المطلب بعد ما ظننا أن قد أفنيناهم بصفين والمواطن، علونا والله عليكم يا معاوية
بن عبد الله بالافعال السنية، والاكف السخية، والانفس الابية عند الوغى، فليس لكم
كفخرنا نحن السادة وأبناؤها.
ثم قال مروان: أنعم يا أمير المؤمنين إذا قدرت، واعف إذا مننت، وأجزل إذا أعطيت،
فقد قعدوا بين يديك قعود العبيد بين يدي مواليها، ما ظننتك يا ابن عبد الله تجسر
على زيارة أمير المؤمنين، وقد علمت ما لقي قومك منا، والغلبة لهم عند المخاطبة،
والقهر عند المبا رزة، ولكن حداثتك حملتك على ذلك فنحن نعذرك.
ثم قال الوليد بن عقبة: لم تزل لنا الغلبة والرئاسة، وفينا الحماة والقادة، نصول
في الحرب ونفتدي الاسرى من القتل، لا ينكر ذلك منكركم، وإن كنت تعرف غير ذلك فتكلم
يا ابن عبد الله، وما أظنك تفعل لانه لا يقوم باطلك لحقنا.
فأراد ابن عباس أن يتكلم،
__________
(1) في الاصل: " انكسر صاحبه عنكم " " وصاحبه " زيادة من
الناسخ.
[ * ]



(1/78)








فأقسم عليه معاوية أن يخلي بينه وبين القوم، فكف، وبدره ابن عبد الله فقال: يا
ابن عم: إذا اجتمعوا علي فخل عنهم * وعن ليث مخالبه دوامي [ 32 ب ] ثم قال: أنا
معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار في الجنة، الصحيح الاديم، الواضح البرهان،
آبائي من العرب مصاصها، وفي الحروب لهامها، ومن الدين كاهلها وسنامها، نحن أهل بيت
الرحمة ومعدن الحكمة.
زعمت يا عمرو أنكم افنيتمونا بصفين والمواطن، كذبت.
لقد ورد عمي بلادكم فقتل مقاتلكم، فلما هم بالسبي رفعتم المصاحف، فمن عليكم
بالعفو، وما كان ينبغي يا عمرو أن تنطق وقد شغرت (1) برجليك وسط العجاجة
كالعاهرة تطلب فحلها، ثم تنطق في قريش فينبغي لك، هبلتك الهوابل، ألا تفاخرنا بعد
ذلك.
أطمعت في حداثة سني فظننت ألا أبصر عيوبكم ! لانا أحفظ لها مني للقرآن.
ثم التفت إلى مروان فقال: ما ظننت الرخمة تنطق في محافل العقبان.
هيهات يا مروان ! قصر خطوك، وضاق باعك عن مثل الشرف الاعلى، والمراتب الاولى،
والنجباء الذين نطقوا بتأويل القرآن وتنزيله، فتقاوم فروعهم، وتفاخر آباءهم، أنت
أذل حسبا وأوتح (2) نسبا، قد أطلقك عمي بعد ما أتي بك تقاد كما يقاد الجمل المخشوش
(3)، فمن عليك سيد الاوصياء وأمير النقباء، ووصي الاتقياء بالعفو، وأنى لك مثل
رجالنا الذين كانوا جبال العز وأطواد [ 33 أ ] الفخر، يسطع نورهم فلا يخمد، ويقبل
قولهم فلا ينفذ.
نطحنكم في الحروب، ونذروكم فيها ذرو الريح يابس الهشيم، نورد فلا تصدرون، ونصدر
فلا توردون، علونا عليكم
__________
(1) في الاصل: " شعرت ".
(2) في الاصل: " أوبخ ".
(3) في الاصل: " المحشوش ".
[ * ]



(1/79)








بالنبوة، وبالمقال في الجاهلية، وآباؤنا القدماء (1) القراسية، فزعمت أنا قد
قعدنا قعود العبيد بين أيدي مواليها وكيف يكون ويلك الذنب (2) رأسا، ضربكم عمي
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجال قومي، على حقيقة هذا الدين والاقرار باليقين،
ضربا أزال الهام عن مقيله وأثكل الامهات أولادها، فأدخلكم في الدين كرها، فلما قيض
رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنا ورثة علمه وخزانة كتبه، فأمرنا الناس بالبيعة
فبايعوا، (3)، لولا ذلك ضاقت به الارض ولم تنجه البحار (4)، وكانت حاله حالك يوم
الجمل، حيث وليت غدرا (5) وجبنا، فضاق عليك الفضاء الواسع.
فأنى أنت من
آبائي القراسية الكبار، أطلب مذودا وكن راعيا، فلست من رجالات بني أمية، ولم تبلغ
فخر بني عبد المطلب.
ثم التفت إلى الوليد فقال: ما أنت يا وليد والكلام في قريش، ادعيت والدا أنت أكبر
سنا منه، وأبوك رجل من أهل صفورة (6) يقال له [ 33 ب ] فروخ، فأثبت نسبك في العرب،
فلما استمكنت مما أردت صرت لا ترضى حتى تجاري أبناء الانبياء، وتذرع (7) في منطقك
وتقول بالافك والخنا، ما لك في العرب أس فتبني عليه، ولا بنيت على أصل ثابت، فأنت
كالمذبذب بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، تبت يداك، عبت قوما لا يحل بساحتهم
العار، ولا تجري بفنائهم الدناءة والذل، نجب بهاليل، سراة مذاويد، يا لها وجوها
عفرت بالثرى، ما أكرم فعالها
__________
(1) كررت كلمة " القدماء " في الاصل مرتين.
(2) في الاصل: " الذيب ".
(3) زيادة يقتضيها السياق، والاشارة التالية إلى الحكم بن أبي العاص بن أمية.
انظر أنساب الاشراف (باعتناء محمد حميد الله) ج 1 ص 151.
(4) في الاصل: " ولم ينجه من البحار ".
(5) في الاصل: " غادرا ".
(6) في معجم البلدان ج 3 ص 414: صفورية، كورة وبلدة من نواحي الاردن، بالشام، وهي
قرب طبرية.
وانظر ابن خرداذبة ص 78.
(7) في الاصل: " تدرع " وتذرع أي تفرط.
[ * ]



(1/80)








في الدين، أنت بحرث الارض وزجر الثيران أعرف وأبصر منك بنسبة بني هاشم وبذكر
(1) فعالهم، فلا تجر في ميادين مضمارهم فيهلك غبارهم فلست منهم.
فقال عبد الله بن عباس: حسبتموه أقطا فوجدتموه سمعا ناقعا، يرمي سوادكم بالحق
فيبهتكم، وترمونه فلا تنفذ سهامكم، إن بني هاشم صغيرهم ككبيركم، فتزخر بحورهم،
وتجمد بحوركم، لهم الرياسة وإليهم
السياسة، لهم النبوة، فخروا بها عليكم آخر الابد.
فقال معاوية: إيها أبا العباس: فقد كفاك ابن عمك، فسكت.
وقاما فرجعا، فلما مضيا قال ابن عباس له: قد كنت حسبت أن تبقي (2)، فيلحقنا منك
عار أن تكون بنو (3) أمية ناطقونا فضعفنا عن جوابهم.
وقال معاوية: فكيف [ 34 أ ] وجدتني ورأيتني ؟ قال: رأيتك أسدا باسلا، وسما ناقعا،
وصاعقة مبيرة، أرسلك الله عليهم.
فلما خرجا (4) من عنده، قال لهم معاوية: ما صنعتم شيئا، لقد قال فأفحمكم، ورماكم
فلم يخطكم، فما دفعتم ضيما، ولا أدليتم بحجة، يستن عليكم ويبذخ.
فقال عمرو: والله ما بذخ علينا إلا مثل الذي بذخ عليك، وما قال فينا إلا مثل الذي
قال فيك، عاب أمية وأنت من ذراها، ورفع رجال قومه حتى ألقحهم بالسماء.
فقال معاوية: هم أهل بيت أعطوا الفخر واللسان ولا يقام لمفاخرهم.
قال: قدم عبد الله بن عباس على معاوية فقال له: يا ابن عباس ! إن لك عندي قدرا
لعظيم خطرك وشرفك، مع كريم منزلتك وعظيم حلمك، قد أردت مساءلتك ومناظرتك في أمور
أهمتني.
قال: ما ذاك، لا يسؤك
__________
(1) في الاصل: " يذكر ".
(2) تبقي أي تعفو.
(3) في الاصل: " بني ".
(4) في الاصل: " خرجوا ".
[ * ]



(1/81)








الله ؟ قال: تخلف ابن عمك عن البيعة ليزيد يعني الحسين بن علي عليهما السلام
فأما ابن الزبير فكأني بعد قد هوي، وأما الحسين فإن له قرابة قريبة، ونفسا حيية،
وأحب ما سره وأبغض ما ضره.
قال ابن عباس:
أما ابن الزبير فلا أدخل فيما بينكما، وأما الحسين فإنه قال وصدق وخفقت النعال
خلفه، وهو رجل لا يملا جنانه شئ [ 34 ب ]، وإنك لتعلم أنه أتى أبا بكر وهو على
منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بردائه (1) فنتره نترا (2) عنيفا ثم قال
له: تنح عن مقام أبي.
فقال أبو بكر: مقام أبيك لا مقام ابن أبي قحافة.
فلم يمنعه من ذلك صغر سنه، واجتماع الناس عليه وهيبتهم له، فكيف يهابك اليوم، وقد
اشتد عضده وأزره، وكبر زنده، ولكن سأقول له ولا آلوه نفسي خيرا إن شاء الله.
قال مروان: يا أمير المؤمنين ! إني لانهاك كثيرا عن هذه الاستكانة، ابعث إليهما
فإن بايعا وإلا فاضرب أعناقهما.
فقال ابن عباس: لو كنت في موضع معاوية ما أوصيت نفسك بما أشرت به على معاوية،
ولضاقت عليك إذن الارض بما رحبت، ولو احتاج مع ذلك إلى نصرتك ما كانت نصرتك إياه
إلا نصرة أمة وكعاء، فهلا أوصيت بذلك نفسك غداة قدمت البصرة ورأيت الحسرة وكانت
عليك الدبرة، فعمدت إلى رجل من قريش بيعته في عنقك فرميته بمشقصك فقتلته (3) ثم
وليت هاربا غادرا، فأنت في كل ذلك تابع غير متبوع، لا ترى نفسك للرياسة موضعا، ولا
يرونك لها أهلا، فإن كنت إنما أبغضت عليا لقتله الوليد فقد قتله بأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في الاصل: " بردته ".
(2) في الاصل: " ننثره نثرا " وهو تحريف، والنتر الجذب بجفاء.
(3) إشارة إلى الرواية التي تتهم مروان بقتل طلحة بن عبيد الله في واقعة الجمل.
انظر الطبري س 4 ص 2314.
[ * ]



(1/82)








[ 35 أ ] بأمر الله ويرغم الله أنف من كان راغما، ورأس من لم يدفع ذلك
والحجر.
فقال عمرو: يا أمير المؤمنين: مروان شيخ من مشائخنا، يستقبله غلام من بني هاشم بما
استقبله، لا يرى لمجلسك وقارا، ولا يخاف منه حذارا.
فالتفت إليه ابن عباس فقال: يا عمرو عذر القراد فما بال الحلم (1)، والله إن رجلا
في قريش (2) إلا سهما (3) جال بأيدي الرجال لحقيق بالذلة، وإنك لمن لفقه (4) وممن
ختم بغير السنة.
فقال معاوية، اعتديت على جليسي يا ابن عباس ! قال: إنهما أسمع اني في ابن عمي ما
كرهت، وهذا مجلس يحكى عنا، وكرهت أن يحكى عني ما لا يجمل بمثلي.
قال: لما قدم المأمون العراق، كتب إلى الكوفة وإلى البصرة يسأل عمن يروي له هذه
الاربعة الاحاديث لجده عبد الله بن عباس ومعاوية بن أبي سفيان، فلم يكن أحد يعرفها
غير عبد الله بن صالح الاسدي الكوفي، فحمل إليه، فحدثه بها، فولاه قضاء فارس حتى
توفي بها.
فأحدها: خبره الذي دخل إليه فنعى الحسن بن علي وأسامة بن زيد، وقد كتب.
والثاني: خبره مع ابن الزبير في مجلس معاوية، وقد كتب.
والثالث: عبد الله بن صالح يرفعه إلى ابن عباس قال: قدمت على معاوية وعنده [ 35 ب
] وفود العرب، فأذن للوفود فدخلوا عليه ودخلت معهم، فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يخلق للدنيا ولم تخلق له،
وأما أبو بكر فلم يردها ولم ترده، وأما عمر فأرادته ولم يردها، وأما عثمان فأخذ
منها وترك، وأما أنا فمالت بي وملت بها، فأي أمرئ إن (5) يكن المصير إلى النار، قل
__________
(1) انظر مجمع الامثال (مطبعة السعادة 1959) ج 2 ص 39.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) في الاصل: " سهم ".
(4) أي على شاكلته، والاصل: " لمن لقبه ".
(5) الاصل: " لم ".
وانظر أنساب الاشراف ق 1 ص 708 (اسطنبول).
[ * ]



(1/83)








يا ابن عباس ! قال ابن عباس: أقول خيرا، إن كنت تريد الدنيا فقد أمكنتك ففي
يديك ضرعها، وإن كنت تريد الآخرة فقد أمكنتك ففي يديك أسبابها، فإن أردت الدنيا
فارتضع وإن أردت الآخرة فارتدع، واعلم أنه ما نقصك من دنياك وزادك في آخرتك خير لك
مما نقصك من آخرتك وزادك في دنياك، فلا يغرنك من آخرتك غار، ولا يسرنك من دنياك
سار، ولعمري لقد حلبت الدنيا أشطرها وارضعتها مرة بعد مرة، وشربت صفوها، فانظر أي
امرئ تكون غدا، فبكى معاوية وأنشأ عبد الرحمن بن حسان (1) يقول: قال ابن حرب مقالا
مشفقا حذرا * أرى الخروج من الدنيا إلى النار [ 36 أ ] واقتص [ زهد ] (2) أبي بكر
وحق له الصديق ثاني رسول الله في الغار واقتص زهد أبي حفص وقد عرضت * دنيا يقسم
منها ألف قنطار واقتص زهد أبي عمرو وقد سحبت * له الذيول من الدنيا بآثار وقال:
مالت بي الدنيا وملت بها * بئس المميل فيا لله من عار قال ابن عباس المحمول حكمته
* قولا يعيه (3) ذوو (4) سمع وأبصار قد أمكنتك فأما ما أردت فخذ * والغب يعرف وردا
بعد إصدار
__________
(1) هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت.
راجع بعض أخباره في الاغاني ج 15 ص 107 - 121، الشعر والشعراء (دار الثقافة -
بيروت) ص 225، 226، عيون الاخبار ج 2 ص 198، ج 3 ص 172.
(2) زيادة دل عليها البيتان الثالث والرابع.
(3) في الاصل: " يعييه ".
(4) في الاصل: " ذو ".
[ * ]



(1/84)








ومن أخباره مع يزيد بن معاوية جعفر بن عبد الله بن العباس العلوي عن أبيه عن
الحارث بن كعب عن مجاهد، قال: بلغ يزيد بن معاوية أن ابن الزبير أخذ ابن عباس في
أول أمر ابن الزبير، فكتب يزيد إلى ابن عباس: أما بعد فقد بلغني أن الملحد ابن
الزبير، دعاك إلى نفسه (1)، وعرض عليك الدخول في طاعته، لتكون على الباطل ظهيرا،
وفي المأثم شريكا، وأنك امتنعت هنالك من طاعته، واعتصمت ببيعتنا وفاء منك لنا،
وإقامتك بها طاعة الله وتثبيت ما عرفك الله من حقنا، فجزاك الله من ذي رحم ما جزى
الواصلين لارحامهم، الموفين بعدهم، ما أنس من الاشياء فلست أنس برك وتعجيل صلتك
بما أنت أهله مني للطاعة [ 36 ب ] والشرف والقرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم،
فانظر من يطل عليك من سحرة الملحد ابن الزبير بلسانه وزخرف مقاله، فاعلمهم حسن
رأيك في طاعتي وتمسكك ببيعتي فإنهم لك أطوع، ومنك أسمع منهم للمحل الملحد (2)
والسلام.
فأجابه ابن عباس: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإن كتابك أتاني تذكر فيه دعاء
(3) ابن الزبير إياي إلى نفسه، وامتناعي عليه للذي (4) دعاني إليه، فإن يك كذلك
فلست أنوي حباءك ولا كيدك ولا ودك، ولكن الله بالذي أنوي أعلم.
ذكرت أنك لست ناسيا بري وتعجيل صلتي، فاحبس عني أيها الانسان
__________
(1) في الاصل: " إلى نفسك ".
(2) في الاصل: " للملح ".
(3) في الاصل: " ادعاء ".
(4) في الاصل: " الذي ".
[ * ]



(1/85)








صلتك، فإني حابس عنك ودي ونصرتي، ولعمري، ما تؤتينا من حقنا إلا القليل، وإنك
لتحبس عنا منه العريض الطويل.
وسألتني أن أحث الناس إلى طاعتك وأخذ لهم عن ابن الزبير، فلا، ولا سرور ولا كيد
ولا كرامة ولا حبور.
كيف تسألني نصرتك، وتحدوني على ودك، وقد قتلت حسينا عليه السلام، بفيك الكثكث ولك
الاثلب إذ تمنيك نفسك، العازب رأيك، وإنك لانت الملعن المثبور.
أتحسبني لا أبا لك نسيت قتلك حسينا عليه السلام وفتيان بني عبد المطلب [ 37 أ ]
مصابيح الدجى، ونجوم الاعلام، غادرتهم جنودك بأمرك مصرعين في صعيد واحد، في الدماء
مرملين، بالعراء مسلبين، لا مكفنين ولا موسدين، تسفي عليهم الرياح، وتغزوهم الذئاب
والسباع، وتنتابهم جوع (1) الضباع، حتى أتاح الله لهم قوما لم يشركوا في دمائهم،
وكفنوهم وأجنوهم (2)، وبي والله وبهم جلست مجلسك، وأعززت نفسك، وما أنس من الاشياء
فلست أنسى تسلطك عليهم، فلست أنسى الدعي (3) ابن الدعي ابن العاهرة الفاجرة،
البعيد رحما، اللئيم أبا وأما، الذي في ادعائه أبوك كسب العار والشنار والخزي
والمذلة في الآخرة والاولى، والممات والمحيا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، فقال أبوك: الوليد لغير الفراش والعاهر لا يضره
العهر، ويلحق به ولده للبغي كما يلحق بالعفيف ولده للرشد، فقد أمات أبوك السنة
جهلا، وأحيا البدع والاحداث المضلة عمدا.
وما أنس من الاشياء لست أنسى إطرادك الحسين بن علي رحمة الله عليهما ورضوانه من
حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حرم الله، وتسريبك (4) إليه الرجال
ليغتالوه، ودسيسك
__________
(1) في الاصل: " جرع ".
(2) في الاصل: " أحبوهم ".
(3) يقصد عبيد الله بن زياد بن أبيه.
(4) في الاصل: " وسريتك "، والصواب " وتسريبك " أي بعثك.
[ * ]



(1/86)








إليهم إن هو نذر بكم فبادروه، وقاتلوه، فما زلت بذلك وفي ذلك حتى أشخصته من
مكة [ 37 ب ] إلى أرض العراق، فخرج منها خائفا يترقب، يزأر عليه (1) خيلك ورجلك
زئير الاسد، عداة منك لله ولرسوله ولاهل بيته.
لعمر الله لقد كان أعز أهل البطحاء قدما، وأعرف أهلها بها حديثا، وأطوع أهل
الحرمين بالحرمين لو نوى بهما مقاما، واستحل بهما قتالا، ولكنه كره أن يكون هو المرء
تستحل (2) به حرمة (3) البيت أو حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكتبت إلى ابن مرجانة بالخيل والرجال والاسنة والسيوف، وأمرته بمعاجلته وترك
مطاولته بالالحاح عليه حتى يقتله ومن معه من بني عبد المطلب أهل البيت الذين أذهب
الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فنحن أولئك لسنا كآبائك الجفاة (4) الاجلاف أكباد
الحمر، فطلب إليكم الحسين ابن علي عليه السلام الموادعة، وسألكم الرجعة فأبيتم،
واغتنمتم قلة أنصاره، وأردتم استئصاله وأهل بيته، فعدوتم عليهم فقتلتموهم، كأنما
قتلتم أهل بيت من ترك أو كابل، فلا شئ أعجب عندي من طلبك ودي وقد قتلت بني أبي،
وسيفك يقطر من دمي، وأنت أخيذ (5) ثأري، فإن يشأ الله لا يطل (6) لديك دمي ولئن
تطل (7) دمي وتعجزني بثأري وتسبقني فيه في الدنيا، فقتلنا ما قتل به النبيون [ 38
أ ] وأبناء النبيين، وطلت دماؤهم، وكان الله لهم الموعد، وكفى بالله للمظلوم ناصرا
ومن الظالمين منتقما، فلا يعجبنك إن ظفرت بنا اليوم، فوالله لنظفرن بك يوما إن شاء
الله.
ذكرت وفائي وما رفني الله من
__________
(1) في الاصل: " إليه ".
(2) في الاصل: " يستحل ".
(3) في الاصل: " وحرمه ".
(4) في الاصل: " الحفاة ".
(5) في الاصل: " أخذ ".
(6) في الاصل: " يبطل ".
(7) في الاصل: " بطل ".
[ * ]



(1/87)








حقك، فإن يك ذلك كذلك، فعمدا والله بايعت أباك وبايعتك من بعد أبيك، وإني
لاعلم أني وجميع ولد أبي أحق بهذا الامر منكم، ولكنكم معشر قريش استأثرتم علينا
بسلطاننا حتى دفعتمونا عن حقنا، فبعدا لمن تحرى ظلمنا، واستغوى السفهاء علينا حتى
(1) حقنا واستولى على الامر دوننا، كما بعدت ثمود وقوم هود وأصحاب مدين، ألا ومن
أعجب الاعجاب عندي، وما عسيت أن أرى في الدهر من عجب، حملك بنات عبد المطلب
وأغيلمة صغارا من ولد أبيه إلى الشام، كالسبي المجلوبة، تري الناس أنك قد قهرتنا وأنك
تمن علينا، ولعمري لئن كنت تمسي وتصبح آمنا من جراحة يدي إني لارجو أن أعظم جراحك
من لساني ونقضي وإبرامي، وإني لارجو الا يمهلك الله بعد قتل أهل بيته صلى الله
عليه وسلم إلا قليلا، حتى يأخذك أخذا وبيلا، ويخرجك من الدنيا مذموما مخذولا،
فاعتبر لا أبا لك ما استطعت فقد والله [ 38 ب ] زادك الله بما اقترفت، والسلام على
أهل طاعة الله.
أخبار عبد الله بن العباس مع عمرو بن العاص ذكر (2) خالد القرشي عن أبيه قال: قال
عمرو بن العاص في موسم من المواسم فأطرى معاوية وتنقص بني هاشم وذكر مشاهده بصفين،
فاجتمعت إليه قريش، وأقبل عبد الله بن العباس على عمرو فقال: يا عمرو، إنك بعت
دينك ونفسك من معاوية بدنيا غيرك، فأعطيته ما في يديك ومناك ما في يد
__________
(1) في الاصل: " دفعتمونا ".
(2) انظر رواية المدائني لهذا الخبر في العقد الفريد ج 4 ص 11 - 12.
[ * ]



(1/88)








عدوه (1)، وكان الذي أخذ منك فوق ما أعطاك (2) وكل راض بما أخذ وأعطى، حتى إذا
كانت مصر في يدك عيشك فيها بالعزل (3) والتنغيص، حتى لو أن نفسك في يدك ألقيتها،
وذكرت مشاهدك بصفين فوالله ما ثقلت علينا وطأتك، ولا نكتنا حزتك (4)، وإن كنت (5)
لطويل اللسان قصير اليدين (6)، آخر الخيل إذا أقبلت وأوائلها (7) إذا أدبرت، جبان
الجنان قصير العنان (Cool، لك يدان: يد لا تبسطها إلى خير وأخرى لا تكفها (9) عن شر،
ولسانان: لسان شر ولسان غرور (10)، ووجهان: وجه موحش ووجه مؤنس، ولعمري أن من باع
دينه بدنيا غيره لحقيق أن يطول حزنه وندمه على ما باع واشترى (11).
أبو مخنف وعوانه، قالا (12): حج عمرو [ 39 أ ] بن العاص ذات مرة، فمر بعبد الله بن
عباس، فحسده كانه، وما رأى من إجلال (13) الناس
__________
(1) في العقد الفريد: " ومناك ما بيدك ".
(2) في ن.
م.
: " وكان الذي أخذ منك أكثر من الذي أعطاك، والذي أخذت منه دون الذي أعطيته
" وترد هذه العبارة فيه بعد التي تليها هنا.
(3) آثر محققو العقد الفريد إثبات كلمة " العذل " في النص على "
العزل ".
(4) في العقد الفريد لم ترد هذه العبارة بل عبارة " ولقد كشفت فيها عورتك
".
(5) في ن.
م.
" وإن كنت فيها ".
(6) في العقد الفريد: " السنان ".
(7) في ن.
م.
: " أو لها ".
(Cool لا ترد عبارة " جبان..العنان " في العقد الفريد.
(9) في ن.
م.
: " لا تقبضها ".
(10) في ن.
م.
: " ولسان غادر ذو وجهين ".
(11) في ن.
م.
: لحري أن يطول عليها ندمه "، ثم يضيف " لك بيان وفيك خطل، ولك رأي وفيك
نكد، ولك قدر وفيك حسد، وأصغر عيب فيك أعظم عيب في غيرك "، وهنا ينتهي قول
ابن عباس برد عمرو عليه.
(12) في الاصل: " قال "، انظر رواية أبي مخلف لهذا الخبر في العقد
الفريد ج 4 ص 11.
(13) في العقد الفريد: " من هيبة الناس له ".
[ * ]





انتهى الموضوع


أرجو الدعاء الصالح لي ولوالدي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almawso3a.alafdal.net
 
أخبار الدولة العباسية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار
» تاريـخ مصـر الدولة الفاطمية 969-1171م

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الموسوعة العاترية للبحوث  :: منتدى حرف الألف-
انتقل الى: